لاجئون مراهقون ينتحرون في الدنمارك

14 مايو 2017
قست الحياة عليهما (Getty)
+ الخط -
في أقصى شمالي شرق الدنمارك، وتحديداً في تسيتد، أُقيم معسكر لاستقبال اللّاجئين في نهاية عام 2015، إلّا أنّه أغلق نهاية العام الماضي. الوضع في المعسكر لم يكن مريحاً بسبب وجود خليط من الجنسيّات، بمن فيهم شبّان أفغان ومراهقون. أحد هؤلاء الشبان كان في الثامنة عشرة من عمره، واعترف بأنّه هرب من سورية، هو الذي شارك في الحرب منذ كان في الخامسة عشرة من عمره. قبل أشهر، حاول القفز أمام سيارة مسرعة في عتمة الليل، عله ينهي حياته. يقول أصدقاؤه: "أصبح وضعه النفسي سيّئاً للغاية، في ظل التهديد المستمر بترحيله إلى أفغانستان التي لا يعرفها أبداً. ولد في إيران وحارب في سورية وحاول أن يقتل نفسه في الدنمارك. إلا أنّ الموظفين لم يكترثوا لوضعه بعد محاولة الانتحار".

قصّة تختصر بعضاً ممّا تشهده مراكز إيواء اللاجئين، بحسب تقارير رسمية. وتشير أرقام صادرة عن وزارة شؤون الهجرة والاندماج في كوبنهاغن في مارس/ آذار الماضي، إلى أنّ معسكرات اللجوء في البلاد شهدت ارتفاعاً في نسب محاولات الانتحار بين صغار اللاجئين. وبحسب التقرير، شهدت الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي عشر محاولات انتحار بين القصّر. أمّا في صفوف البالغين، فسجّل التقرير 91 محاولة انتحار وسلوكاً انتحارياً، عدا عن موت ثلاثة أشخاص بعد إقدامهم على الانتحار.

وبعد الإجراءات المشدّدة التي أدخلتها الحكومة الدنماركيّة في يناير/ كانون الثاني من عام 2016 على قوانين اللجوء والإقامة ولم الشمل وتخفيض الإعانة المالية، سجلت أوّل حالة انتحار في 16 مارس/ آذار من العام الماضي، أقدمت عليها فتاة أفغانية قاصر في معسكر لجوء شمال غرب البلاد. وبعد مضيّ أسبوع، أقدم مراهق عراقي على الانتحار في المعسكر نفسه. وفي مايو/ أيار من العام نفسه، حاولت مراهقة صومالية شنق نفسها. وبعد شهر، أقدم مراهق عراقي على الانتحار بعد ثلاث محاولات سابقة.

في أحيان كثيرة، ينتهي الأمر بهؤلاء المراهقين (تراوح أعمارهم بين 16 و18 عاماً) في مستشفيات الأمراض العصبية والنفسية. وبحسب السلطات الدنماركية المعنية بشؤون طالبي اللجوء، فقد أجريت فحوصات لهؤلاء الذين تقدّموا بطلبات لجوء مدعين أنهم قصر، ليتبيّن أنّهم أكبر سناَ ممّا يدعون، ما أدى إلى تأزّم المراهقين الآخرين نفسياً. كان بعضهم يظنّ أنّه بمجرّد أن يقدم من هم تحت سن 18 عاماً طلبات لجوء، سيجري لم شمل الأسر التي تكون غالباً قد دفعت بهم نحو اللجوء، أملاً في الالتحاق بهم. القوانين الصارمة التي استحدثت العام الماضي للحد من تدفق اللاجئين، وفقاً لتبريرات وزيرة الهجرة والاندماج انغا ستويبرغ، عقّدت ظروف غالبية طالبي اللجوء في المعسكرات، ما فاقم معاناتهم النفسية.

العام الماضي، أشارت الحكومة الدنماركيّة إلى ضرورة التبليغ عن كل حالة تحاول الانتحار. وتشكك مديرة مركز أبحاث الانتحار في مدينة أودنسه، ليليان زوللنر، في "طريقة الفحص والمراقبة والتبليغ عن تلك الحالات، في ظل غياب أولئك القادرين على المعاينة النفسية".
وطالبت مقرّرة شؤون الهجرة في حزب اللائحة الموحدة اليساري، يوهنا شميت نيلسن، ستويبرغ بتقديم "إجابات واضحة عن هذه الظاهرة المقلقة". وتقول الوزيرة، رداً على عدم طرح القضية في العلن: "الأمر الذي أجبت عنه مرتين في البرلمان يحتوي على معلومات سرية لا يمكن أن تكون علنية".



وترى نيلسن أنّ إجابة ستويبرغ غير كافية. تضيف: "نحتاج إلى إجابات صريحة من ستويبرغ عما تفعله الحكومة لوضع حد لهذه الأرقام المرتفعة (الانتحار ومحاولات الانتحار بين القاصرين) في نظام اللجوء الدنماركي". وترى أنّه "من المهم جداً التوقف عند محاولة الأطفال في نظام اللجوء وضع حد لحياتهم، فهذه الأرقام ليست بسيطة".
إلى ذلك، تقول متطوّعة في الصليب الأحمر، لـ"العربي الجديد"، فضّلت عدم الكشف عن اسمها، إنّ "واقع مراكز الإيواء وغياب أفق واضح للمستقبل بالنسبة لهؤلاء المراهقين، يجعلهم يقعون تحت ضغط مزدوج في ظلّ ما يتوقّعه منهم أهلهم الذين ينتظرون جواباً إيجابيّاً عن لمّ الشمل. من جهة أخرى، فإنّ الإجراءات الأخرى المتعلّقة بقوانين اللجوء أفقدت البعض القدرة على التحمل، وقد خاب أملهم".

وينتقد اليسار الدنماركي ومنظّمات معنيّة بحقوق اللاجئين، خصوصاً القاصرين منهم، سلوك الحكومة المتشدّد مع هؤلاء. ويقول مارتن سكوو أندرسن، من حزب الشعب الاشتراكي، وعضو لجنة مساعدة اللاجئين، إنه "أمر لا يمكن القبول به البتة. يجب الاستماع إلى صرخة هؤلاء الأطفال حين يحاولون إيذاء أنفسهم. هم يصرخون طلباً للنجدة في نظام اللجوء".
وفي ظلّ الضغط السياسي والإعلامي، اضطرت وزيرة الهجرة والدمج إلى إرسال تعليق لصحيفة "أنفارمسيون"، قالت فيه إنه "أمر مأساوي بالطبع أن يختار البعض الانتحار كسبيل وحيد للخروج من مشكلته. من المؤسف أن الحقيقة هي قدوم طالبي لجوء إلى الدنمارك وهم يحملون معهم صدمات ومعاناة نفسية سابقة. كل طالبي اللجوء الذين يحضرون إلى البلد يعرض عليهم إجراء فحص جسدي ونفسي. لهذا، يجب التركيز اليوم على المشكلة النفسية التي يعانيها هؤلاء". وترى أنّ "الحكومة أوجدت حلاً من خلال تخصيص مبلغ في الموازنة لهؤلاء القصر الذي يشكلون خطراً على أنفسهم وعلى غيرهم، حتى نستطيع وضعهم في مؤسسات مغلقة بالكامل أو جزئياً، وهو ما نسعى إليه لمساعدتهم".

إلّا أنّ كثيرين ينتقدون توجه الحكومة إلى عزل هؤلاء وإدخالهم مصحات ومؤسسات مغلقة، "بدلاً من النظر في طلبات لجوئهم ومنحهم إجابات كافية تعطيهم بعض الأمل للالتقاء بأهلهم مستقبلاً"، بحسب الناشطة ميريتا كريستيانسن، من منظمة "أصدقاء اللاجئين".