نساء مصر يخيفهنّ سرطان الثدي.. ذلك الوحش

15 أكتوبر 2015
العلاج النفسي مقوّم أساسيّ لشفاء المصابات (العربي الجديد)
+ الخط -

يستهدف سرطان الثدي المصريات كما يستهدف نساء العالم، من دون تمييز بينهنّ. لكن الإحاطة بهذا الموضوع الشائك غالباً ما تُحصر بشهر أكتوبر/ تشرين الأول الخاص بالتوعية حوله. ما هو واقع هذا السرطان في مصر وكيف تكون مقاربته نفسياً؟

في آخر إحصائياتها، أشارت وزارة الصحة والسكان المصرية إلى أن من المتوقع ارتفاع الإصابات بمرض السرطان في البلاد بنسبة 25% خلال الفترة الممتدة ما بين عام 2013 وعام 2017، وبيّنت أن سرطان الثدي هو من أكثر الأمراض السرطانية انتشاراً في مصر. ووفقاً لآخر نتائج البرنامج القومي لتسجيل الأورام في مصر (2014)، سجّل المعدل السنوي للإصابة بسرطان الثدي عند الإناث 35.5 حالة لكل 100 ألف أنثى (ما يعادل 17 ألفاً و605 إناث في مصر).

يقول الأستاذ المحاضر في علم الأورام ورئيس المؤسسة المصرية لمكافحة سرطان الثدي دكتور محمد شعلان، أن بالإمكان شفاء 80% من الأورام في حالات سرطان الثدي في مصر، في حال الاكتشاف المبكر. ويشير لـ "العربي الجديد"، إلى أن "السبب الأساسي للمرض ما زال مجهولاً حتى الآن، وإن كانت بعض العوامل تتسبّب في حدوثه. العامل الوراثي مثلاً، قد يزيد من احتمالات الإصابة بالمرض، كذلك بعض النتوءات أو الكتل الحميدة مع زيادة كثافة أنسجة الثدي، إلى جانب التغيرات الهرمونية غير الطبيعية مثل البلوغ المبكر أو انقطاع الطمث المتأخر. يُضاف إلى ذلك التعرّض للإشعاعات، وتناول بعض الأدوية التي تحوي هرمونات".

وعن أعراض المرض، يوضح شعلان أنها "لا تظهر في المراحل المبكرة. وهي تتمثل عادة بنتوءات صلبة تحت الجلد في منطقة الثدي أو الإبط مع تغيّر في ملمس الجلد وطبيعته ولونه، بالإضافة إلى إفرازات غير طبيعية من حلمة الثدي بينما قد يحدث أحياناً انكماش فيها. كذلك ثمّة شعور بألم وتيبّس وثقل في الثدي". أما أشكال العلاج "فتختلف بحسب كل حالة. وقد يلجأ بعض الأطباء إلى الجراحة والاستئصال، بينما يعتمد آخرون على العلاج الكيميائي أو العلاج بالأشعة أو الأدوية الهرمونية". ويشدد على "ضرورة اللجوء إلى استشارة طبية متخصصة فور ظهور أعراض المرض، حتى لا تتدهور الحالة أكثر"، محذراً من أن "عدم اللجوء إلى متخصص ذي سمعة طيبة قد يكون سبباً في تدهور المرض".

ويلفت شعلان إلى أن "المرض قد يتسبب في بعض الأحيان في إجهاض الجنين، في حال كانت المريضة حاملاً". ويخبر عن "امرأة وصلت في حملها إلى شهر ونصف الشهر، واكتشفت ورماً في ثديها بعد زيارة لطبيب الأمراض النسائية والتوليد، تبيّن أنه سرطان. طلبنا منها إجهاض الطفل ولجأنا بعد ذلك إلى العلاج الكيميائي والعلاج بالأشعة". 

اقرأ أيضاً: سرطان الثدي.. الكشف المبكر عنه يحسر ضحاياه

الدعم النفسي ضرورة

من جهته، يقول الاستشاري في الطب النفسي الدكتور صباح عبد السلام إن "تقبّل المرأة إصابتها بسرطان الثدي ليس بالأمر السهل. إلى جانب المخاوف التي تتكوّن لديها حول المرض وخطورته واحتمال تفاقمه، فإن أنوثتها تتأثر به. ويحدث ذلك نتيجة الهواجس الكثيرة التي تتملك المرأة عند إصابتها بهذا السرطان، فينقلب عالمها رأساً على عقب. وغالباً ما تتبدل حياتها وشخصيتها ككل". ويوضح لـ "العربي الجديد" أن "هذه الهواجس تبدأ منذ اللحظة التي يخبر فيها الطبيب المريضة عن إصابتها، وتزداد مع مرحلة العلاج الكيميائي. وتختلف خطورة هذه الهواجس بحسب قدرة المرأة على التحمل. وقد تصل إلى حدّ رغبتها في الانتحار أو رفضها للعلاج الكيميائي بعد فقدانها الأمل بالحياة. لكنها قد تتحلى بالشجاعة الكافية للصمود أمام المرض وتحمّل آلام ذلك العلاج".

ويورد عبد السلام أمثلة حول "الهواجس التي تصيب المرأة من قبيل خوفها من الموت، والعجز خصوصاً وأنها أصبحت عالة على الآخرين، وفقدانها الأمل في التفوق الوظيفي والمنافسة المهنية، وإحساسها بانعدام فرصها في الزواج وتكوين حياة أسرية سوية. وتتزايد الهواجس عند الأم والمرأة المتزوجة، لإحساسها بالذنب تجاه زوجها وبناتها. فهي تظنّ أنها أورثت الأخيرات المرض، في حين أصبحت عبئاً على زوجها مع اقتناعها بأنه يستحق من هي أفضل منها".

ويؤكد عبد السلام أهمية البدء المبكر في العلاج النفسي للمصابات إذ "يعدّ مقوّماً أساسياً لشفائهن". ويتحدّث عن "ثلاث مراحل للعلاج النفسي بحسب تطوّر الحالة المرضية. يتمثّل العلاج النفسي في المرحلة الأولى عند تشخيص المرض واكتشاف الإصابة، في السعي إلى التخلص من التوتر والقلق من خلال تمرينات عضلية تساعد على الاسترخاء. وتبدأ المرحلة الثانية من العلاج مع بدء العلاج الكيميائي، ونحتاج خلاله إلى دعم أسري وتشجيع من قبل الأفراد المحيطين بالمريضة حتى تتابع العلاج. أما في المرحلة الثالثة ومع استمرار العلاج الكيميائي، فإننا نعتمد على العلاج بالمحاكاة من خلال جلسات جماعية لناجيات نجحن في تخطي المرض وعلاجه وخرجن من الأزمة".

شهادات ناجيات

حورية طاهر متزوجة وأم لثلاثة أبناء وابنتين، تحكي عن رحلتها مع المرض. تقول: "قبل نحو خمس سنوات، واجهني الأطباء بحقيقة مرضي وبضرورة الخضوع إلى عملية لاستئصال الثدي لإزالة الورم. رفضت حينها الجراحة خوفاً على حياتي، وقد رفضها أبنائي أيضاً. لكن زوجي أقنعنا بضرورتها حفاظاً على حياتي. وبعد الاستئصال، لم تعد الحياة إلى طبيعتها. رحت أعاني من تورّم في ذراعي، ما أعاقني عن أداء الأعمال المنزلية. فقام زوجي وأولادي بمساعدتي وتقاسموا المهام بينهم. والأبناء الثلاثة الصغار في المدارس، راحوا يجمعون المعلومات حول المرض".

من جهتها، تخبر نادية أحمد أن "ورماً ظهر بداية بالقرب من الثدي في حين انحسرت الحلمة إلى الداخل وظهرت أورام صغيرة بالقرب منها. قصدت متخصصاً في جراحة الأورام، طلب مني إجراء تحليل خزعات، فتبيّن أنه ورم سرطاني ولا بدّ من استئصال الثدي كاملاً. لا أنكر أنني شعرت بخوف شديد عندما رأى الطبيب ضرورة الجراحة، وترددت كثيراً في الموافقة. لكنني هدأت بعد فترة وقررت إجراءها بدلاً من السماح للمرض بالانتشار. في هذا الوقت، كنت أطلب من أبنائي جمع أكبر قدر من المعلومات عن المرض حتى أتمكن من مواجهته".

سهير بدوي ناجية أخرى، تروي: "لجأت إلى الشيوخ بدلاً من الأطباء، الأمر الذي أدّى بي بعد فوات الأوان إلى استئصال الثدي بالكامل بدلاً من علاج الورم الجزئي الذي كنت أعاني منه. وكان الأمر قد بدأ بظهور إفرازات من الثدي بكميات كبيرة، في حين ازداد حجمه بشكل ملحوظ. اعتقدت في بادئ الأمر أن ذلك مرتبط بالهرمونات، لكنني قصدت من ثم متخصصا في جراحة الأورام. أخبر أولادي بأنه ورم سرطاني ولا بد من جراحة لإزالته، ومن حسن حظي أنه اكتُشف في مرحلة مبكرة. لكن أبنائي أخفوا عني الحقيقة بداية، وأخبروني بأنه مجرّد كيس دهني. هم أرادوا مساعدتي بأي طريقة، وحتى لا يخيفونني أخذوني إلى أحد الشيوخ الذين يعالجون بالطب البديل. أكد لي الشيخ بأنه لا يزيد عن كونه كيساً دهنياً، وبدأ يعالجني بالكيّ في أكثر من مكان في رأسي. وأعطاني وصفة أعشاب وأقنعني بأنها تساعد على تنشيف الكيس الدهني وعلى عدم تمدده. بقيت أتابع علاجي مع هذا الشيخ مدة أربعة أشهر. لكنني وبعد مرور هذه الأشهر، شعرت بكتلة في الثدي وبأن ثمة شيئاً يابساً. قال لي الشيخ إن الكيس نشف، بالتالي أستطيع الذهاب إلى الطبيب لإزالته وأنا مطمئنة البال. فوجئت حينها بأن تأخري عن الذهاب إلى الطبيب، سوف يضطرني إلى استئصال ثديي بالكامل، بدلاً من استئصال الورم فقط. مضاعفات كثيرة حدثت من جرّاء انجراري وراء جهل الشيخ، وراحت تسوء حالتي أكثر. أما اليوم، فقد شفيت تماماً بعدما خضعت لجراحة الاستئصال. وأنا حامدة ربنا وراضية بالمكتوب".

اقرأ أيضاً: شهر زهريّ للتوعية حول سرطان الثدي
المساهمون