لم تكن هناك أيّ خطوط حمراء على التجمعات الشبابية في العراق قبل انطلاق الحراك الواسع بداية الشهر الماضي، إلا أن الأمور تغيرت كثيرا بعد تظاهرات الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي بات يطلق عليها "ثورة تشرين" التي عمّت العاصمة بغداد ومحافظات جنوبية وتسببت في تعطيل الحياة في عدد من المناطق بعد قطع الطرق والجسور وإغلاق مؤسسات نفطية وموانئ في الجنوب.
وفي السياق، أكد نشطاء عراقيون لـ"العربي الجديد"، أنّ تحركاتهم أصبحت مرصودة، إما عن طريق الأهل والأقارب أو من قبل أشخاص مجهولين يرتادون المقاهي والجامعات وبقية أماكن التجمعات الشبابية بهدف جمع المعلومات وإرسالها للجهات التي بعثتهم.
علي جمعة، وهو من ناشطي ساحة التحرير، قال لـ"العربي الجديد"، إنه هو وأصدقاؤه اضطروا لتغيير المقاهي التي يلتقون بها في حي الكرادة بسبب وجود أشخاص غرباء يترددون على هذه المناطق لجمع معلومات عن الناشطين الذين يضطرون للاجتماع في منزل أحدهم أو الذهاب للأماكن العامة والحدائق خلال فترات استراحتهم من واجبات ساحة التحرير والمطعم التركي وجسري الجمهورية والسنك.
وأشار إلى أن السلطات لم تكتف بقطع خدمة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي بل بدأت تلاحقنا إلى الأماكن التي نرتادها للقاء أصدقائنا.
وكذلك الحال في الجامعات التي قررت بعض إداراتها منع أي نوع من التجمعات الشبابية مهما كانت الأسباب، بينما قيّدت جامعات أخرى تحركات طلبتها خشية توسع الحراك الشبابي داخل حرمها.
وأكد مصطفى علاء، وهو أحد طلاب جامعة بغداد، أنّ قيودا كثيرة فرضت على الطلاب لضمان عدم تنظيم تظاهرات أو اعتصامات داخل الجامعات، مشيرا إلى تجنيد بعض الطلبة وأمن الجامعات لرصد التجمعات والأحاديث الجانبية التي يهمسون فيها بقضايا تتعلق بالتظاهرات.
ولفت إلى أن بعض الكليات اتصلت بذوي الناشطين من الطلاب وأبلغتهم بنشاطات أبنائهم الداعمة للاحتجاجات، موضحا أن بعض الأهالي يشكلون أحيانا عائقا أمام مشاركة أبنائهم في التظاهرات.
وهذا ما أكده فراس الموسوي، وهو طالب جامعي في المرحلة الأولى، قائلا إن والده الذي يعمل مديرا عاما في إحدى الوزارات المهمة منعه من الالتقاء ببعض الطلاب الناشطين بالاحتجاجات، مبينا أنه اتصل بعمادة الكلية وطلب منها معلومات كاملة عن تحركاتي وعما إذا كنت موجودا في قاعة المحاضرات أم أنني أذهب إلى ساحات التظاهر خلال وقت الدوام.
يشار إلى أن طلاب مدارس وجامعات العراق شاركوا بقوة في التظاهرات التي تحولت إلى اعتصامات ثم إضراب، وتعرض بعضهم للقمع من قبل السلطات، بحسب منظمات حقوقية محلية ودولية.
والأربعاء، أصدرت كل من المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق والمرصد العراقي لحقوق الإنسان، بيانات أكدا فيها وجود حملات اعتقال لمواطنين وناشطين في بغداد وجنوبي البلاد.
وإلى غاية ظهر اليوم، ما زال الغموض يلف مصير الناشطة العراقية صبا المهداوي، التي خطفتها مليشيا مسلحة، السبت الماضي، وهي من بين نحو عشرين ناشطا تعرضوا للخطف منذ بدء التظاهرات، كما قتل ثلاثة ناشطين في البصرة وبغداد عدا عن وجود نحو 400 معتقل بين ناشط ومتظاهر ومدون في جنوب ووسط البلاد وبغداد، وفقا لمصادر أمن عراقية، قالت لـ"العربي الجديد"، إن العدد تقريبي وقد يكون أكبر من ذلك.
ويقول أحد المتظاهرين في بغداد ويدعى سلام جاسم (29 عاما)، إنه لا يغادر ساحة التحرير إلا مرة أو اثنتين بالأسبوع خوفا من رصده، فهناك عناصر أمن يرصدون الداخلين والخارجين ويستدلون على منازلهم، وكثيرون من الذين يعرفهم بالساحة جرى اعتقالهم.
ويوضح أنّ "الحكومة صارت تلاحق التجمعات أكثر من ملاحقتها لداعش، لأن التنظيم منحها عمرا أطول، والتجمعات تهدد بقاءها وبقاء هذا النظام السياسي"، وفقا لقوله.