الكوكب محاصَر

02 مارس 2020
اختار قناعاً مميزاً فوق كمامته الواقية (كيفن فراير/ Getty)
+ الخط -

"سلّم نفسك. المكان كله محاصر".

ما اصطلح كعبارةٍ نتناقلها مزاحاً من الأفلام وتستخدمها الشرطة عند محاولة "الأشرار" الفرار منها، بات، لسخرية القدر، واقع حالنا اليوم. حاصر فيروس كورونا الجديد الناس كلّها، ولم تعد الصين التي انطلق منها وحدها مركزاً له. صارت غالبية البلدان مساحة لحراكه وإن بدرجات متفاوتة. لم يضع الفيروس اعتباراً لحدود أو بلاد أو قوميات أو أعراق أو تضاريس. انتشر بين الجميع وأشعر الجميع بالخطر، ولا دول غنية أو متقدمة منزهة عن وصوله إليها. والخطر الذي نقصده لا يعني أن البشرية ستنتهي اليوم أو غداً. بل إن أبرز ما فعله الفيروس هو أنه ذكّر الجميع بأهمية الإنسان وحياته التي تأتي في المرتبة الأولى.

نسينا مع كورونا كلّ ما كان يحدث من حولنا في الدنيا من نشاطات ثقافية ومباريات رياضية وحروب إقليمية. نسينا السينما والحديقة العامة. أقفلنا الحضانات والمدارس والجامعات. انكفأت الناس من محطات المترو والقطارات وكل مساحة ممكنة للتجمعات العامة. منعت دول السفر إلى دولٍ أخرى، ومنعت التنقل إلى مناطق محددة داخلها. صار الحصار داخلياً وخارجياً.

وعندما وصلنا إلى هذه النقطة وقفنا نتأمل في ما يحدث من حولنا للجنس البشري الذي أخطأنا بحقه كما بحق الكائنات الأخرى. والخطر الذي صفعنا وتسلّل من تحت جلدنا يحمل وجهين: وجه لخطرٍ على أنفسنا وأرواحنا كأفراد وعائلات ومجتمعات صغيرة أو حتى على مستوى بلدان. ووجهٌ ثانٍ لخطرٍ أكبر، أوسع مساحة من الأول بكثير. خطرٌ مشترك بيننا جميعاً كبشر أدركناه عندما علمنا أن أي تسرّب للفيروس في بقعة ما على هذه الخريطة كفيلٌ بالوصول إلينا. بتنا، وربما كان ذلك من المرات النادرة، نريد السلامة للجميع. ليس هذا فحسب بل تأكّد لدينا شعور مشترك بأننا يجب أن نبذل كل جهودنا الممكنة أينما نستطيع كي نحد من انتشار هذا الخطر الجديد الذي لم نكن نتوقعه.

حالة الهلع التي تنتابنا في هذه الأيام بشرية وطبيعية ومبررة، وليست غريبةً على الإطلاق. وهذه حالة تصيبنا في حوادث الخطر العادية، فكيف إذا كان هذا الخطر ممتداً ولا يقف عند حدود؟




وربما كانت الفرصة مناسبة عندما ننتهي من هذه الأزمة العالمية، وسننتهي منها بالطبع، لمراجعة أنفسنا عما قدمناه للإنسان فوق هذا الكوكب، والسؤال عما اقترفناه بحقه.

أما اليوم فليس هناك من مكانٍ آمنٍ للهرب. لن نسلّم أنفسنا لكورونا. على الإنسانية أن تواجه وأن تدافع عن مصيرها.
دلالات
المساهمون