تجويع درنة... حفتر يسعى إلى تركيع الأهالي

02 يونيو 2018
من أوائل مدن الثورة عام 2011 (لويس سنكو/ Getty)
+ الخط -
للعام الثاني على التوالي، يعاني أهالي مدينة درنة الليبية من حصار خانق فرضته عليهم قوات خليفة حفتر. حصار بدا خلال الأسابيع الماضية كآلة من آلات حرب هذا الجنرال لتجويع 125 ألف نسمة في ما يشبه الإبادة الجماعية

أطلق المجلس البلدي لمدينة درنة الجبلية الواقعة في شرق بنغازي (شرق ليبيا) نداء استغاثة أربع مرات على الأقل خلال الأسابيع الماضية، مؤكداً أنّ الوضع الإنساني في المدينة، التي تحاصرها القوات التابعة لخليفة حفتر منذ العام الماضي، وصل إلى حد كبير من الانهيار بسبب إقفال كلّ المنافذ المؤدية إليها، ووصول رقعة الاشتباكات المباشرة إلى تخوم أحيائها السكنية، بالتوازي مع استمرار القصف الجوي والمدفعي.

المدينة الصغيرة الواقعة في منتصف المسافة بين بنغازي والحدود الليبية - المصرية تقع ما بين البحر وسفوح الجبال العالية، وعرفت طوال تاريخها باستضافتها المعالم الثقافية كالمسرح ومناظرات الشعراء والأدباء، كما عرفت عنها نشاطاتها السياسية مبكراً إذ جاهر أهلها بمعارضة بعض سياسات الزعيم الليبي الراحل معمّر القذافي، إبان عقد التسعينيات من القرن الماضي مما استدعى حصارها طوال أشهر في ذلك الحين.




لكنّ أهالي المدينة يقولون عن ذلك الحصار إنّ القذافي على طغيانه لم يمنع الماء والغذاء عنهم ولو لأسبوع، على عكس رفيقه حفتر الذي تفنن في تجويع الناس حتى وصل الأمر إلى حدّ منعهم من النزوح والهرب من تحت القصف والقذائف، علماً أنّ من بينهم أطفالاً وعجائز. وعن تفاصيل الوضع الإنساني والمعيشي في المدينة، يؤكد يحيى الأسطى، مسؤول الملف الأمني بالمجلس المحلي لدرنة أنّ مخزون المؤن الأساسية نفد تماماً منذ أيام، وسط ارتفاع أسعار المواد الأساسية بشكل جنوني، والأمر كذلك بالنسبة للخضار واللحوم بالتزامن مع أزمة انقطاع الكهرباء والماء.

يوضح الأسطى في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ "المخازن الرئيسية للمجلس فرغت تماماً من احتياطي المؤن بعدما جرى توزيع ما تبقى فيها على الأسر المعوزة لا سيما في أطراف المدينة، ولم يسمح لسيارات الإغاثة، ولا للتجار، بالمرور عبر حواجز الحصار التي ضربتها قوات حفتر، وبذلك تكون المدينة مقبلة على كارثة جوع حقيقي". يتابع: "الحصار منع وصول سيارات الخضر وأسطوانات الغاز وغيرها، فهل تصدقون أنّ كيلو اللحم اليوم تجاوز 70 ديناراً مقابل سعره السابق وهو 20 ديناراً فقط؟" (الدولار يساوي 1.40 دينار ليبي). يشير إلى أنّ الأسعار تضاعفت سبع مرات على الأقل، في مختلف متطلبات المعيشة الأساسية ومنها رغيف الخبز الذي بات يباع بثلاثة دنانير بعدما كان سابقاً بربع دينار.

يذكر الأسطى أنّ محطة تكرير المياه الوحيدة في المدينة توقفت بسبب انقطاع إمدادات الغاز عنها، فتوقف ضخ المياه إلى مختلف أحياء درنة، لافتاً إلى جهود محلية يقوم بها خيّرون، إذ ينقلون المياه من الأحياء التي ما زال فيها مياه في صهاريج السكان، إلى الأحياء التي انقطعت عنها المياه. يتساءل: "لكنّ هذا حلّ مؤقت، فإلى متى يصبر الناس على الجوع والعطش". يؤكد أنّ إمدادات المياه الآتية من خارج المدينة قطعت منذ أكثر من أسبوعين بشكل متعمد من قبل قوات الحصار: "هناك مشكلة إضافية، فالكهرباء انقطعت تماماً لمدة يوم ونصف يوم عن كامل المدينة بسبب انهيار الشبكة، ولم تعد إلاّ بجهود ذاتية من الأهالي، لكنّ فترة التقنين تفوق عشر ساعات يومياً".

قوات حفتر مستمرة في الحصار (عبد الله دوما/ فرانس برس) 












يلفت الأسطى إلى المعاناة اليومية للمواطن وسط استمرار قصف جوي ومدفعي كثيف على الأحياء والمناطق التي يتمركز فيها مقاتلو قوة حماية المدينة، مبيناً أنّ الاشتباكات تصل إلى داخل بعض الأحياء التي تشهد تبادلاً لإطلاق الرصاص بشكل مباشر بين طرفي القتال ما يضع حياة المدنيين في خطر حقيقي.

الأزمة الطبية التي تعانيها المدينة دخلت هي الأخرى على خط الكارثة الإنسانية التي يعيشها الأهالي، فالمستشفى الوحيد في المدينة "مستشفى الهريش" لم يعد يستقبل مصابي وقتلى الحرب، بل الأهالي أيضاً، فالقصف طاول منازلهم وهناك جرحى وقتلى أيضاً في صفوفهم. يشير ناشطون على صفحات التواصل الاجتماعي، إلى أنّ وسيم وهو طفل في الثالثة عشرة، ما زال ينتظر منذ يومين وصول علاجات وأدوية عن طريق التهريب من خارج درنة ليتمكن أطباؤه من علاجه إذ يعاني من إصابات في رجليه متوسطة وكبيرة بسبب قذيفة اخترقت جدار غرفته صباح الأربعاء الماضي. هناك حالات أخرى لأشخاص لم يذهبوا إلى المستشفى أساساً، لا سيما أصحاب الإصابات الطفيفة، لمعرفتهم بعدم توفرها على شيء. وبحسب إعلانات المستشفى على صفحته الرسمية فإنّ أغلب أقسامه أقفلت تماماً بسبب توقف الإمداد الطبي، ومن بينها قسم الولادة وأقسام أخرى لا يمكن للمستشفى أن يستمر من دونها. تشير الإعلانات المتوالية للمستشفى إلى أنّ الأهالي يتبرعون له بالأدوية الزائدة عن الحاجة لديهم، كما يتبرعون بالدم لإسعاف الجرحى والمصابين.

عن الأوضاع الأمنية التي تسببت في انهيار الوضع الإنساني في المدينة، يقول الأسطى إنّ أسوأ ما يمكن أن يعلن عنه هو منع الأسر من النزوح، مضيفاً أنّ قيادة قوات حفتر أعلنت عن فتح ممرات للأسر النازحة ولوصول الإمدادات الغذائية، لكنّها ليست أكثر من أحاديث إعلامية لم تتجاوز شاشات التلفزيون: "المدينة على حالها تعيش تحت القصف وتتآكل من الداخل بسبب الحصار الخانق". يؤكد الأسطى أنّ تضييق قوات حفتر خناق الحصار جاء بسبب فشلها في اقتحام المدينة براً: "كلّ محاولات تقدمهم براً فشلت تماماً ولذلك لجأوا إلى التجويع والقصف بالطائرات والمدفعية".




من جهته، يلفت عضو المجلس الأعلى للدولة عن درنة، منصور الحصادي، إلى أنّ الجهود السياسية لم تتوقف لإقناع المجتمع الدولي بضرورة التدخل من أجل إجبار حفتر على فك الحصار عن المدينة، لافتاً إلى أنّ آخرها النداء الذي وجهه المجلس الأعلى للدول المشاركة في لقاء باريس، مؤكداً أنّ أيّ سلام لن ينعقد من دون رفع الحصار عن المدينة ووقف أعمال العنف التي تستهدف سلامة المدنيين. يعتبر الحصادي في حديثه إلى "العربي الجديد" أنّ سياسة التجويع محظورة دولياً، ولا بدّ من ملاحقة مرتكبها جنائياً. ويشير إلى أنّ ما يفعله حفتر في حق أهالي درنة ينطبق إلى حد كبير على المعتقلات الجماعية التي أقامتها إيطاليا إبان استعمارها ليبيا، لقتل الناس داخل المدن والبلدات جوعاً.