حذار الإحاطة المفرطة

12 ابريل 2019
لا بدّ من الاعتدال في الدلال (إيان فورسيث/ Getty)
+ الخط -
"من الأسهل تكوين طفل صلب بدلاً من ترميم بالغ مهشّم". فريدريك دوغلاس، القائل، يبدو أنّه أكثر قدرة من سواه على إدراك ذلك. هو الذي وُلِد "عبداً أسود" في أوائل القرن التاسع عشر، باسم فريدريك أوغسطس واشنطن بايلي، في إحدى مزارع ولاية ماريلاند الأميركيّة. مثلما لم يعرف تاريخ ميلاده الحقيقيّ، بقيت هويّة والده لغزاً بالنسبة إليه بينما قيل إنّه ابن "سيّده الأبيض". أمّا والدته فقد فُصل عنها وهو طفل رضيع. لم تكن حياة العبوديّة سهلة على الفتى الذي حاول الفرار مرّات عدّة من "أسياد" مختلفين، غير أنّه نجح في بداية شبابه فصار واحداً من أشهر دعاة التحرّر من العبوديّة والناشطين من أجل حقوق السود. يُذكر أنّه حينها بدّل اسم شهرته، في عمليّة اختيار حرّة، وراح يوقّع به مؤلّفاته، قبل أن يشغل مناصب سياسيّة عدّة في الولايات المتحدة الأميركيّة.

يكمل فريدريك دوغلاس: "كونوا مدركين لكلماتكم وأفعالكم ولتبعاتها". لا بدّ من أن يعي الأهل ذلك، وهو أمر يشدّد عليه كثيرون من الذين يحاولون الغوص في النفس البشريّة وكذلك أولئك الذي يحاولون سبر المجتمع وأحوال أهله. الطفل في أحيان كثيرة يقع ضحيّة أهله... كلماتهم وأفعالهم. ويتحمّل هؤلاء مسؤولية تحوّله إلى بالغ مهشّم.

أن يكون المرء مهشّماً لا يعني أنّه تعرّض في طفولته إلى إساءات فحسب، فالمبالغة بما هي خلاف ذلك تودي إلى النتائج نفسها. الإحاطة المفرطة تماماً كما الإهمال تنعكس سلباً على الطفل ثمّ على البالغ. لا تدلّلوا صغاركم ولا تحتضنونهم بأسلوب مبالغ فيه، بل اعتدلوا بكلّ ما تأتون به معهم، نصيحة يشدّد عليها معنيّون نفسيّون واجتماعيّون. من الضروريّ الاعتدال في الدلال، وفي الهدايا والخدمات المقدّمة لهم، وفي تلبية طلباتهم باختلافها، كذلك في العناية بهم. ليس سيّئاً، لا بل من المفيد، قول "لا". بذلك يدرك الطفل أنّ ثمّة حدوداً، لا بدّ له من الالتزام بها. السماح له بالتعثّر، مجازاً وحقيقة، أمر مفيد كذلك. هو لن يتعلّم كيفيّة النهوض في حال لم يَخبره (التعثّر) ويتدبّر شؤونه بمفرده. بالتأكيد، ثمّة حالات حرجة تستدعي تدخّل الأهل، إلا أنّها تبقى استثناءً.




الطفل، كلّ طفل، في حاجة إلى خدش رجله وخسارة مباراة رياضيّة وتورّط في شجار مع رفاق صغار وإخفاق في مسابقة فنيّة وتوكيله مهمّات منزليّة، على سبيل المثال لا الحصر. من شأن ذلك أن يجعله أكثر قوّة وتماسكاً. هو سوف يدرك مفهوم الربح والخسارة وماذا يعني أن يتدبّر بعض شؤونه بنفسه ويواجه مواقف حرجة ويتحمّل المسؤوليّة. لا أحد صغير على تحمّل المسؤوليّة. هي تماماً كما التعبير بأشكاله كافة والنظافة والقراءة والكتابة والاحترام وركوب الدرّاجة والقفز على الحبل، أمر يكتسبه المرء شيئاً فشيئاً، بدءاً في سنيّ حياته الأولى. فلندعه يكن مسؤولاً، إنّما حذار التخلّي عن دورنا... عن مسؤوليّتنا.
المساهمون