ما العمل؟

05 اغسطس 2015
ما السبيل لوقف تدهور اللغة العربية؟ (Getty)
+ الخط -

تواجه المنطقة العربية كمّاً مضاعفاً من المشكلات التي يجب الوقوف في وجهها. لكنّ هذا لن يحدث على أيدي السلطات التي تمت الثورة عليها، والجماعات التكفيرية بممارساتها المقاربة لحروب الفرنجة وغزو المغول. لذلك نغرق في مخاض كالذي نتخبط به، حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.

ومن هذا المنطلق، فإنّ أزمة اللغة العربية هي أزمة حاملي هذه اللغة في المقام الأول. تملك العربية كلّ المقومات لمجاراة العصر ومواكبة تدفقات علومه ومخترعاته، وقد فعلت ذلك من قبل. لكن عندما تصبح جامعاتنا مجرد مراكز تسويق لمناهج جامعات غربية، ومراكز أبحاثنا معطلة عن التفكير، ومثقفونا مصدَّرين بعشرات الألوف الى الدول المتقدمة، والباقون في بلادنا تصادَر حرياتهم الأكاديمية والعلمية، وتهدَّد حياتهم الشخصية، تضرب الأزمة كل النواحي، وفي مقدمها اللغة، وتضعها أمام أسئلة المصير.

رداً على سؤال "ما العمل؟"، تبدو الأمور مترابطة، لكن لا بديل عن الانطلاق من أنّ التنمية التي لا بدّ من أن تشرّع أبوابها بعد هذا الدمار الكبير، يجب أن تكون مستدامة ولصالح كل الفئات والشرائح. ومن الطبيعي أن تبدأ من برامج التعليم في المدارس والجامعات التي تعاني من أزمات تجعل مردودها بالغ التدني بالمقارنة مع مثيلاتها في العالم. وهذا يفترض حداً عالياً من التخطيط والإصلاح الهيكلي واللغوي.

أيضاً، لا بديل عن الإفادة من العصر ومنجزاته التكنولوجية في فرض تعليم العربية. ويجب أن يتم ذلك على أيدي أناس مؤهلين في كليات التربية تحديداً للقيام بعملية تعليم منتجة.
ولا بد من أن يرافق ذلك عملية تحديث شاملة تنسف مناهج التلقين التقليدية لصالح مناهج وأساليب ناشطة وتفاعلية محورها المتعلم. كما لم يعد ممكناً الإبقاء على الأمثلة اللغوية المستقاة من المجتمعات الجاهلية والقديمة والوسطى.

أكثر من ذلك، لا نهضة عربية من دون نهضة اللغة الأم. ولا تنمية مستدامة اقتصادية واجتماعية وثقافية من دون إعادة الاعتبار للغة العربية كونها أداة تعبير عن الهوية والشخصية الحضارية اللازمة لإعادة بناء الذات. فاللغة ذات أبعاد متكاملة مشحونة بمخزون ثقافي وحضاري له عمقه التاريخي والحاضر والمستقبلي.
وإبعاد اللغة العربية عن دائرة العمل التنموي هو حكم على هذه التنمية أن تقود إلى نتائج سلبية. الدول الأكثر نمواً في العالم لا تملك ملايين براميل النفط التي تبيعها يوميا للشركات، لكنّها تملك عشرات ألوف العقول التي تضخ ما تبدعه من منتجات في سوق معولم ومفتوح على المزيد مما يدخل في عالم اليوم.
(أستاذ في كلية التربية، الجامعة اللبنانية)

اقرأ أيضاً: سيف مسلّط على رأس لغتنا
المساهمون