الرجل لا يكتئب!

30 أكتوبر 2015
مجتمعاتنا لا تشجّع على صورة الرجل المكتئب (Getty)
+ الخط -

لطالما أحب هذا الوقت من السنة. كان ينتظره في كل عام مدركاً أنه وقت قصير يجب استغلال كل يوم فيه. هي أيام خريفية قليلة تفصل بين صيف لا يريد الذهاب وشتاء يجيء مهرولاً. هذا العام لم يعد يحب المشي على كورنيش البحر في الخريف. كان يفيق قبل شروق الشمس ليذهب إلى البحر ويسمع شعر محمود درويش. لم يعد ينام أصلاً ليفيق. لا يريد شيئاً سوى أن ينام. يشعر بتعب مستمر وكأن طاقته قد نفدت. لا يستطيع التركيز في العمل. نصحه أصدقاؤه بالراحة. لا بد أن ضغط العمل وضغوطات الحياة هي السبب. فترة وستمرّ. هذا ما كانت صديقته تقوله له. كان يفكر أن وضع البلد الراهن، ونفاياته، واقتصاده كلها عوامل لا ترحم. ذهب لرؤية معالجه النفسي. نصحه المعالج بالتركيز على الأمور الإيجابية في حياته. شخّص له وضعه النفسي، ولم يكن "الاكتئاب" مصابه.

هذا الشاب كان يعاني من معظم عوارض الاكتئاب. لكن الرجال لا يكتئبون، أو بصورة أكثر دقة، لا يشخّصون بعوارض الاكتئاب كما النساء. هكذا تظهر الدراسات في علم النفس. واحد من عشرة رجال يصابون بالاكتئاب مقابل واحدة من أربع نساء. مرض الاكتئاب، أو ما بات يُعرف بـ "الرشح النفسي" في عصرنا الحالي، ليس مرضاً رجولياً. لا يعرف العلم السبب وراء إصابة النساء بعوارض ومرض الاكتئاب أكثر من الرجال. هناك بعض التكهنات العلمية بالطبع. لكنها بمعظمها غير منطقية وبمجملها غير حساسة تجاه الجندر. أحد هذه التكهنات هو أن النساء "تصاب أكثر من الرجال بتغيير في معدل الهرمونات لا سيما بين فترتي الإنجاب وانقطاع الطمث". ومن هذه التكهنات غير المجندرة هو أن النساء "يستثمرن بالعلاقات أكثر من الرجال أو أنهن يفكّرن بالأمور وتعقيداتها أكثر من الرجال"، والتي قد تكون أحد مسببات الاكتئاب بالنسبة لعلم النفس.

الجندر هو أحد الجذور التي قد تبرّر هذه الفروقات. مجتمعاتنا لا تشجّع على صورة الرجل المكتئب ولا تعززها لدى الرجل. وتالياً، ليس مقبولاً على الرجل أن يكتئب. مسموح له، بحسب معايير المجتمع، تعاطي المخدرات أو الإفراط بالشرب ربما لتمويه عوارض الاكتئاب (80 بالمائة من المدمنين على الكحول و70 بالمائة من المدمنين على المخدرات في بريطانيا هم من الرجال، بحسب تقرير مكتب الإحصاءات الوطنية للاضطرابات النفسية لعام 2001). وفي أحسن الحالات قد يشخّص المعالجون النفسيون العوارض المصاحبة للاكتئاب لدى الرجال باضطرابات نفسية أخرى (مقبولة مجتمعياً بأن يصاب بها الرجل).
هكذا إذاً تتغلغل نُظُم المجتمع وإملاءاته في تحديد ماذا نشعر وكيف نعبّر.
(ناشطة نسوية)

اقرأ أيضاً: ألعاب بالزهريّ والأزرق
المساهمون