مليارات كورونا وفضيحة غولدبيرغ

20 مارس 2020
بيني غولدبيرغ التي كشفت فضيحة البنك الدولي (فرانس برس)
+ الخط -


قبل عدة أسابيع تفجرت فضيحة فساد ضخمة داخل أروقة واحدة من أبرز المؤسسات المالية الدولية وهي البنك الدولي، بطل القضية كان كبيرة الاقتصاديين بالبنك ونائبة الرئيس لاقتصاديات التنمية، بيني غولدبيرغ، وقيادات البنك والإدارة العليا به.

الفضيحة المدوية تفجرت عقب استقالة غولدبيرغ من البنك الدولي بعد 15 شهراً من توليها منصبها، وسبب الاستقالة هو الضغوط الهائلة التي تعرضت لها السيدة عقب إعدادها ورقة بحثية رفعتها لكبار المسؤولين في البنك، خلصت فيها إلى "أنَّ البنك الدولي متورط في فضيحة تحويل القروض والأموال إلى الحسابات المصرفية لكبار المسؤولين في دول عربية وأجنبية، وهو ما أدى إلى تضخمها".

الورقة التي أعدتها كبيرة الاقتصاديين بالبنك الدولي والمنجزة في ديسمبر/كانون الاول 2019 خلصت أيضا إلى أن القروض التي يقدمها البنك للدول النامية، تضل طريقها ويتم نهبها.

فبدلاً من أن توجه تلك القروض لتمويل مشروعات تنموية داخل البلدان المقترضة تعود بالفائدة على المواطن والاقتصاد والدولة مثل مشروعات توصيل المياه النظيفة للمنازل ومد شبكات الصرف الصحي والطرق وتطوير التعليم وتحسين مستوى الخدمات الصحية، فإن جزءا كبيرا من القروض يذهب إلى حسابات كبار المسؤولين والنخبة الحاكمة خارج البلاد. كما يستولي النافذون في هذه الدول على قسم من المبالغ ويحوّلونها إلى حسابات في الخارج حسب رواية نائب رئيس البنك الدولي المستقيلة وكبير الاقتصاديين به. 

استطاعت السيدة بيني غولدبيرغ، أستاذة الاقتصاد بجامعة ييل الأميركية الشهيرة، أن تثبت وبالأرقام والأدلة أن القروض والمساعدات التي يقدمها البنك الدولي إلى الدول النامية، تستفيد بها النخبة من الطبقة الحاكمة والمقربين منها، ويتم تحويل جزء منها إلى حساباتهم المصرفية خارج البلاد، بينما يتركون عوام الناس يرزحون تحت وطأة الفقر والبطالة وتردي الخدمات الصحية والتعليمية وفوائد سداد القروض لسنوات طويلة.

بل وأكدت السيدة على أن حصول تلك الدول على القروض الدولية يصاحبها عادة إجراءات تقشف اقتصادي صعبة وعنيفة منها رفع الدعم عن الوقود، سواء الكهرباء أو البنزين والسولار، وزيادة أسعار المياه والمواصلات العامة والسلع الغذائية، وتعويم العملة مقابل الدولار، وزيادة الضرائب والرسوم الحكومية.

بل إن بيني غولدبيرغ كشفت عن وجود علاقة طردية بين الأموال والقروض الممنوحة لتلك الدول من البنك الدولي لأغراض تنموية، وتضخم حسابات المسؤولين في تلك الدول، قائلة إنَّ المبالغ التي يستولي المسؤولون في تلك الدول على جزء منها، تشكل حرجاً شديداً للبنك الدولي، ولذا لم يتم التعامل مع ما توصلت غليه بجدية.

قيادة البنك حاولت أن تتكتم على الفضيحة المدوية، ورفضت نشر الورقة البحثية التي تكشف عن علاقة قروض البنك الدولي بتضخم حسابات المسؤولين في تلك الدول، خشية من اهتزاز صورتها أمام العالم، وهو ما كشفته مجلة "إيكونوميست" البريطانية، والتي أكدت قبل أيام أنَّ رفض البنك نشر الوثيقة سببه هو الخوف من كشف الفضيحة التي تكشف عن تواطؤ مسؤولي البنك، وعلمهم بنهب حكام ومسؤولي بعض الدول القروض التي تم ضخها.

بل إن المجلة العريقة أكدت أن هذه الأموال التي يقدمها البنك الدولي للدول النامية لم تكن تذهب كلها للتنمية أو المشروعات التي تفيد المواطن، وإنما لحسابات خاصة للمسؤولين في تلك الدول، ما يعتبر فساداً مالياً كبيراً، وأنَّ الفضيحة تشي بضعف الرقابة من البنك على مشاريعه وقروضه.

إذا كان ذلك يحدث على مستوى القروض التي تلتزم الدول بسدادها، وتم الحصول عليها مقابل إجراءات تقشفية عنيفة تحملها المواطن وحده، فماذا عن المساعدات والمنح المجانية الضخمة التي تقدمها المؤسسات الدولية للبلدان العربية، خاصة لقطاعات الصحة والتعليم والمياه والصرف الصحي والطاقة والبيئة؟

قبل أيام تعهد صندوق النقد والبنك الدوليان بتقديم مساعدات للدول المتضررة من تفشي فيروس كورونا، قيمتها 62 مليار دولار بواقع 50 مليار دولار مقدمة من الصندوق و12 مليار دولار من البنك الدولي، كما تعهدت مؤسسات أخرى بتقديم عشرات المليارات من الدولارات للمساهمة في مكافحة الفيروس، من بين هذه المؤسسات البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية وغيرها.

السؤال هنا: هل ستصل كل هذه المليارات المعلن عنها لمواطني الدول المتضررة من فيروس كورونا وتساهم في علاج المتضررين والمصابين وتوفر احتياجات المستشفيات ودور الرعاية الصحية، أم ستضل طريقها وتتجه إلى بنوك سويسرا وعقارات ألمانيا ولندن وجزر البهاما، وغيرها من الملاذات الضريبة كما ضلت قروض البنك الدولي طريقها من قبل؟

المساهمون