الباعة والمشترون هم من شريحة الفقراء في العراق الذي يشهد تزايداً في معدلات الفقر والبطالة، في البلد الذي يعد من أكبر مصدّري النفط في العالم.
صابر حميد، البالغ من العمر 34 عاماً، أحد العاملين في تجارة الخردة، يبدأ يومه بالتجول في الأحياء والأزقة الشعبية في العاصمة بغداد، منذ ساعات الصباح الباكر، لجمع الأجهزة الكهربائية والمنزلية وقطع غيار السيارات القديمة أو التالفة التي ترغب الأسر في التخلص منها، وذلك في عربته الصغيرة التي تُعرف في العراق باسم "الستوتة"، وهي شبيهة بما يُعرف في بلدان أخرى مثل مصر بـ"التوك توك" وهي عربة من ثلاث عجلات.
زيّن حميد عربة نقل الخردة بعبارة "عين الحسود بها عود"، بينما يصيح بين الطرقات والأزقة بصوت مرتفع "عتيق عتيق"، وهي العبارة المعروفة لدى العراقيين، وكفيلة بأن تخرج السيدة أو رب المنزل أو الطفل ليمنحوه ما يريدون التخلص منه بثمن بخس أو في مرات كثيرة مجاناً فقط، من أجل التخلص منه وعدم إبقائه في الدار.
يقول صابر لـ"العربي الجديد": "وجدت في هذه المهنة مصدر رزق لي ولأسرتي، بعد أن فقدت الأمل من كثرة بحثي عن وظيفة أو عمل هنا وهناك، فلا أملك المال لدفع رشوة للحصول على وظيفة أو تأسيس مشروع صغير أعيش منه، فكانت الخردة هي مصدر رزقي الوحيد".
ويضيف: "يوماً ما وصلت إلى مرحلة الانتحار، لعدم تمكني من دفع إيجار المنزل الذي أَقطنه، فأقرضني صديقي مبلغاً من المال اشتريت به هذه العربة (الستوتة)، وبدأت أعمل في سوق الخردة، فأقوم أولا بشراء الأجهزة والأدوات المنزلية القديمة أو التالفة من الأهالي أو أجمعها من مكبّات النفايات، ثم أتوجه بها إلى أسواق الخردة وأبيعها وأربح من ثمنها".
ويتابع "بدأ عملي ينشط بشكل تدريجي، فصرت أخشى من الحسد، ولذلك زيّنت عربتي الصغيرة بعبارة "عين الحسود بها عود".
ويقول ضاحكاً "تخيلت نفسي مثل نور الشريف في قصة المسلسل المصري لن أعيش في جلباب أبي"، مؤكدا أنه عشق عمله في الخردة التي صارت مصدر رزقه الوحيد في هذا البلد.
يجني صابر كمعدل يومي نحو 25 ألف دينار عراقي (20 دولاراً)، وفي مرات أخرى يرتفع المبلغ إلى 100 دولار، في حال دخل حياً راقياً في بغداد ووجد أسرة تريد التخلص مما لديها مجاناً.
يعمل في أسواق الخردة آلاف الفقراء، بينهم أطفال ونساء، يقومون بجمعها وفرزها ثم تعبئتها في أكياس أو تحويلها إلى أكوام، بحسب النوعية، تمهيداً لبيعها، إما بشكل مباشر للمشترين أو عبر تجارة الخردة.
يقول صويلح علي: "أعمل حمّالاً في أحد أسواق الخردة، وعملي يقتضي تفريغ وتجميع الخردوات في أماكن خاصة، وأحصل يومياً من هذا العمل على حوالي 25 ألف دينار، ولكن أحياناً يتوقف العمل بانتظار مجيء الخردة من الأحياء السكنية، وفي هذه الحال نبقى أنا وأسرتي بلا طعام".
وعن نوعية الخردة التي تباع في الأسواق المخصصة، يقول حامد الوالي: "الخردة توفر أدوات احتياطية للأجهزة الكهربائية المنزلية، وهي أقل سعراً من الأدوات الجديدة، وأفضل من ناحية الجودة، كما توفر لذوي الدخل المحدود ما يحتاجونه من أدوات منزلية أو معيشية قديمة، أو ربما تحتاج إلى بعض الصيانة غير المكلفة لتكون أجهزة مفيدة".
ويبين الوالي لـ"العربي الجديد": "أعمل في سوق الخردة منذ 10 سنوات، وأصبح عملي المفضل لأني لا أملك غيره، ولكنّ المنافسة شديدة جداً بسبب ارتفاع نسبة الفقر والبطالة".
وبدأت أسواق الخردة بالانتشار في العراق منذ التسعينيات، مع اشتداد الحصار الاقتصادي آنذاك، ولكنها انتعشت في السنوات الأخيرة بعد الانفتاح النسبي على الأسواق العالمية ودخول بضائع من مختلف المناشئ، والتي يستبدلها الناس بين آونة وأخرى لتلفها أو قدمها بأخرى جديدة.
تاجر الخردة رضا الربيعي يقول إن "تجارة الخردة أصبحت لا غنى لنا عنها، فهي توفر لنا أرباحاً كبيرة، وكذلك توفر مصدر رزق للآلاف من الفقراء من حمالين وجامعي الخردوات وبائعيها وناقليها، وهناك إقبال عليها من قبل الكثيرين".