استمع إلى الملخص
- تتسبب الاعتداءات في تقليص الإنتاج المتوقع من الزيتون، حيث يُفقد حوالي 15% من الإنتاج، مع خسائر اقتصادية وبيئية كبيرة بسبب اقتلاع الأشجار وتدميرها في غزة.
- يُعتبر الزيتون جزءًا أساسيًا من الاقتصاد الفلسطيني، مع إمكانية زيادة الصادرات بسبب نقص الزيت في الأسواق العالمية، مما قد يساعد في الحفاظ على الأسعار.
يترقب المزارعون الفلسطينيون حصاد موسم الزيتون الذي يواصلون قطف ثماره منذ أسابيع في الضفة الغربية، وسط خشية من تدني الإنتاج، ليس بسبب العوامل والظروف الطبيعية، بل بسبب اعتداءات وحرب المستوطنين على الوجود الفلسطيني وتصاعد اعتداءاتهم وجيش الاحتلال الإسرائيلي على المزارعين خلال قطفهم ثمار الزيتون من أراضيهم.
واضطر مزارعون إلى النزول مبكرا جدا، خوفاً من أن يسبقهم المستوطنون الذين يستهدفون حرق أراضيهم. وحسب تقديرات رسمية، تبلغ المساحة الإجمالية للأراضي المزروعة بالزيتون حوالي 935 ألف دونم.
حصار حقول زيتون فلسطين
إغلاق المستوطنين الطرق الفرعية الزراعية الموصلة لحقول الزيتون، أسلوب من أساليب كثيرة يطبقونها على الأرض، للحيلولة دون قدرة المزارعين الفلسطينيين على الوصول إلى أراضيهم من أجل قطف ثمار الزيتون، مع انطلاق الموسم الذي يعتقد أنه سيكون صعبا في ظل تعاظم تلك الهجمات تحت مرأى ومسمع جنود الاحتلال الإسرائيلي الذين يتواطأون معهم ضد أصحاب الأرض الأصليين.
يقول المزارع عاهد الوادي من بلدة قصرة جنوب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، لـ"العربي الجديد" إن "عشرات المستوطنين أقدموا على إغلاق معظم الطرق الفرعية بالحجارة والسواتر الترابية، ونصبوا كمائن في طريقنا حتى لا نصل إلى مئات الدونمات الواقعة شرقي البلدة لجني المحصول، حيث إن النسبة الأعلى من الزيتون تُجبى من هناك، وقد دفعنا هذا إلى العودة على أمل أن نتمكن من الوصول في اليوم التالي لأراضينا".
ويضيف الوادي: "أقولها وكلي أسى، نحن مضطرون لإجراء تنسيق والحصول على موافقة إسرائيلية، وهذا لم يكن في السنوات السابقة، لكننا بتنا نواجه منظومة دموية بقيادة جيش الاحتلال وعصابات المستوطنين المسلحة، لن يحمينا الجيش أبدا، ونحن نعلم هذا، لكن لا خيار إلا بإبلاغه وانتظار المواعيد المحددة من طرفه".
قطف مبكر خوفاً من المستوطنين
في جنوب نابلس أيضا، أنهى المزارع عبد السلام الجمل من قرية عورتا في وقت مبكر هذا العام برفقة عائلته جني ثمار الزيتون من أرضه القريبة نسبيا من مستوطنة "إيتمار" المقامة على أراضي نابلس، خشية من تعرضها للسرقة أو التكسير والحرق، في ظل تهديدات المستوطنين المتصاعدة باستهداف المزارعين.
يقول الجمل لـ"العربي الجديد": "منذ عقود ونحن نقطف ثمار الزيتون في أواسط نوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام، لكننا أجبرنا على النزول مبكرا جدا، خشية من أن يسبقنا المستوطنون ويسرقوا الثمار أو يحرقوا الأرض".
معركة البقاء في موسم دموي
يدرك الجمل (55 عاماً) أن المعركة الحالية هي معركة بقاء وصمود، في ظل تهديدات كبار قادة الاحتلال والمستوطنين بطرد الفلسطينيين وتهجيرهم، ويقول: "لا مجال للاستسلام، لكن أيضا علينا أن نتعامل بحنكة وذكاء ونحمي أنفسنا وأرضنا ونحافظ على هذا الموسم المبارك، الذي ننتظره في كل عام على أحرّ من الجمر".
ويقول مدير مركز أبحاث الأراضي في محافظة نابلس محمود الصيفي لـ"العربي الجديد" إن "كل البوادر والمؤشرات تقود إلى موسم يمكن وصفه بالدموي في ظل ارتفاع عدد الشهداء برصاص المستوطنين إلى 22 شهيداً منذ بداية حرب (طوفان الأقصى) في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، 2023، جلّهم من المزارعين".
محرومون من الوصول لأراضيهم
يتهدد الخطر ضياع مساحات واسعة من أراضي الفلسطينيين المزروعة بالزيتون، لعدم قدرة أصحابها على الوصول إليها، لعدم وجود تنسيق هذا العام بالوصول لمناطق محاذية للمستوطنات، كما جرى العام الماضي، وفق مدير مركز أبحاث الأراضي في محافظة نابلس، الذي يلفت إلى أن 91 موقعًا بالضفة الغربية بحاجة لتنسيق للسماح للمزارعين بالوصول لأراضيهم وجني ثمار الزيتون.
نحو 20% من الأراضي المزروعة بالزيتون، حسب الصيفي، لم يتم جني ثمارها العام الماضي، متوقعا أن تتضاعف النسبة بسبب توجهات الاحتلال بالتعامل مع مناطق (ب) كمناطق (ج)، إضافة إلى عدم وجود تنسيق كما كان في سنوات سابقة.
وضرب الصيفي مثالا على ذلك بلدة عقربا التي حرمت العام الماضي، من قطف أراضي تقدر بـ1500 دونم مزروعة بالزيتون، بسبب عدم وجود تنسيق بالوصول للأراضي وجمع المحصول.
موسم خير وبركة
وفق تقديرات وزارة الزراعة، يبلغ عدد أشجار الزيتون في فلسطين حوالي 13.2 مليوناً، منها نحو 10 ملايين شجرة مثمرة، ونحو 3 ملايين شجرة لم تصل بعد إلى مرحلة الإنتاج، وتبلغ المساحة الإجمالية للأراضي المزروعة بالزيتون حوالي 935 ألف دونم، وتتم زراعة حوالي 300 ألف شتلة جديدة سنويا. فيما يبلغ معدل استهلاك الفرد من زيت الزيتون في فلسطين حوالي 3 لترات فقط.
وتعد محافظة جنين شمالا من أعلى المحافظات، من حيث مساحات الأراضي المزروعة، وهو ما يؤكده مدير مجلس الزيت والزيتون الفلسطيني فياض فياض، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، حيث تستحوذ المحافظة على حوالي ربع إنتاج فلسطين من زيت الزيتون سنويا، بمعدل 5500 طن سنويا (عام 2019 القياسي بلغ إنتاج المحافظة 8 آلاف طن)، ولهذا، فهي التي تحدد تقديرات الإنتاج.
كذلك، فإن تقديرات الموسم في محافظتي طولكرم وسلفيت "ممتازة" وفق فياض، أما محافظة نابلس فإن تقديرات حمل الأشجار بها تتراوح بين 40 و50%، ترتفع النسبة في محافظة رام الله والبيرة إلى ما بين 60 و70%.
أما في الجنوب: القدس، وبيت لحم، والخليل، فإن التقديرات منخفضة، ولا تتجاوز ثلث المعدل السنوي، فيما لا يُتوقع أن يتجاوز الإنتاج في قطاع غزة 10% من المعدل، أو ربما يبلغ صفراً بسبب تدمير مزارع الزيتون وعدم القدرة على قطف ما تبقّى منه بسبب حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على القطاع منذ أكثر من عام.
حرب الاحتلال تقلل الإنتاج
مع توقعات بأن يكون الإنتاج هذا العام حول المعدل السنوي (حوالي 20 ألف طن زيت) أو يتجاوزه بقليل، لكن المخاوف من إجراءات الاحتلال وهجمات المستوطنين تتزايد، إذ تهدد بفقدان حوالي 15% من إنتاج الموسم.
وفقاً لتقرير لمعهد الأبحاث التطبيقية – القدس (أريج)، تم في العام الماضي 2023 اقتلاع 8814 شجرة مثمرة في الضفة، من بينها 7904 أشجار زيتون مثمرة (90% من العدد الإجمالي للأشجار الفلسطينية المثمرة التي تم اقتلاعها)، مشيرا إلى أن الإنتاج المتوسط لكل شجرة زيتون في الأراضي الفلسطينية هو 16 كيلوغرامًا. وبحساب تكلفة سعر الكيلوغرام الواحد من ثمار الزيتون (15 شيكلاً لكل كيلوغرام)، تنتج عنه خسارة اقتصادية إجمالية تكلفتها حوالي 513 ألف دولارا.
كما أن هذه الأشجار التي تم اقتلاعها تؤدي إلى خسارة في كمية ثاني أوكسيد الكربون الممتص من الجو بما يصل إلى 5.7 ملايين كيلوغرام.
ويقول فياض لـ"العربي الجديد": "من الصعوبة الحديث بلغة الأرقام، لكن مع تصاعد الانتهاكات قد لا يتمكن المزارعون من الوصول إلى 80 ألف دونم من المساحة المزروعة بالزيتون، ما قد يترتب عليه فقدان نحو 15% من الإنتاج، خاصة أن إنتاجية الشجرة خلف جدار الفصل العنصري أصلا ضعيفة لعدم تمكن أصحابها من خدمتها طوال العام".
ويشير فياض إلى أن معدل الاستهلاك المحلي حوالي 15 ألف طن، يقل في بعض السنوات إلى 13 ألف طن ويرتفع في بعضها إلى 18 ألف طن تبعا للأسعار ومدى تناسبها مع القدرة الشرائية للمواطنين، بينما يتم تصدير نحو 500 طن إلى الأردن وما بين 3 و5 آلاف طن إلى دول الخليج، معظمها هدايا للأقارب وحقوق وأمانات وحصص لأصحاب الأرض من المغتربين، وما بين ألف وألفي طن صادرات تجارية إلى الأسواق العالمية بواسطة شركات، وهي في مجموعها تعادل تقريباً معدل الإنتاج السنوي لفلسطين.
ومع النقص في الأسواق العالمية، قد تكون هناك فرصة أكبر لتصدير الزيت الفلسطيني هذا العام، ما يساعد على بقاء الأسعار عند مستوى مرتفع.
ويوضح مدير عام دائرة الزيت والزيتون في وزارة الزراعة رامز عبيد، أن قطف الزيتون الناضج في الموعد المحدد (وهو العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول وفق إعلان الوزارة) يُنتج زيتًا يزيد بنسبة 60% مقارنة بالزيت المستخرج من الثمار المقطوفة قبل أوانها، داعيا المزارعين إلى استخدام القاطفات الميكانيكية التي تعمل بالبطارية، نظرًا لقدرتها على زيادة الإنتاجية.
ورغم تحديد وزارة الزراعة لموعد لقطف ثمار الزيتون، إلا أن الكثير من المزارعين بدأوا مبكرا قبل أسابيع خاصة في المناطق القريبة من المستوطنات مع التنسيق في ما بينهم من أجل عدم الاستفراد بهم من قبل المستوطنين وجيش الاحتلال.
وفي ما يخص الإنتاج المتوقع، يشير عبيد في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن إنتاج الضفة الغربية سيبلغ حوالي 18 ألف طن من الزيت، يتم تصدير منها بين 4 إلى 5 آلاف طن سنويًا، بينما يُستهلك الباقي محلياً.
خسارة كبيرة في غزة
بسبب الحرب الدموية المتواصلة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من عام، فقد قطاع غزة جزءًا كبيرًا من إنتاجه خلال عامي 2023 و2024، حيث دُمرت أكثر من 75% من أشجار الزيتون من أصل 1.3 مليون شجرة، وفق مدير عام دائرة الزيت والزيتون في وزارة الزراعة الفلسطينية.
وتوقعت وزارة الزراعة أن يتراوح سعر كيلو الزيت بين 27 و30 شيكلاً للمستهلك، مع حاجة المحافظات إلى حوالى 11 ألف طن من الزيت سنوياً.
وحسب وزارة الزراعة في قطاع غزة، هناك 33 ألف دونم مزروعة بالزيتون تُنتج نحو 23 ألف طن. لكن هذه الإحصائية تعود إلى ما قبل الحرب على القطاع، الذي شهد تجريفًا وقصفًا لأراضيه الزراعية الغنية بأشجار الزيتون، والذي يعاني من نقص حاد في المستلزمات الزراعية نتيجة الحرب والحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع. ويواجه مزارعو غزة على مدار أكثر من عام مخاطر الموت قتلا في ظل العدوان الإسرائيلي، ما أدى إلى خسائر مادية جسيمة للمزارعين.