قطارات تونس مهدّدة... أزمة مالية وعجز في المحروقات وإلغاء رحلات

29 يونيو 2019
تحديات عديدة تواجه السكك الحديدية (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

يهدد الوضع المالي الصعب لشركة السكك الحديدية (حكومية) في تونس، بوقف نشاط قطارات نقل المسافرين والبضائع بعدما باشرت الشركة بإلغاء عدد من رحلاتها، منذ السبت الماضي، نتيجة نقص في مخزون المحروقات لديها وارتفاع ديونها لدى المزودين.

ونهاية الأسبوع، ألغت السكك الحديدية 7 رحلات على خطوطها البعيدة في اتجاه محافظات الشمال والجنوب التونسي، فيما اضطرت الشركة إلى إيقاف رحلات أخرى في منتصف الطريق بعد نفاد كميات المحروقات في خزانات القطارات.

وأول من أمس، أصدرت الجامعة العامة للسكك الحديدية التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل بيانا قالت فيه إن الشركة تعيش وضعا مزريا وهي في الطريق إلى الشلل التام نتيجة عدم توفر المحروقات، في سابقة وصفتها بالخطيرة.

وقال كاتب عام الجامعة العامة للسكك الحديدية، عربي اليعقوبي، لـ"العربي الجديد"، إن النقابة أطلقت نداء استغاثة في ظل صمت حكومي مطبق على وضع الشركة، مشيرا إلى أن كافة نشاطات السكك الحديدية بفرعي نقل المسافرين والبضائع مهدد بالتوقف كليا في الأيام المقبلة.


وأضاف أن قطارات الشركة ستعجز عن القيام بدورها الاجتماعي في نقل المسافرين، والاقتصادي بنقل الفوسفات والحبوب، لافتا إلى أن القطارات تحتاج يوميا إلى 32 ألف لتر من السولار لتأمين الرحلات، في حين توفر الشركة كميات لا تتجاوز 17 ألف لتر بسبب ارتفاع ديون الشركة لدى المؤسسات المزودة بالمحروقات.

وحسب اليعقوبي، فإن القطارات والسكة الحديد تشكو من ضعف في الصيانة ونقص في العمالة، ما يؤثر على سلامتها، داعيا إلى خطة إنقاذ سريعة للمؤسسة. ولفت إلى أن الوضع المالي وسوء تسيير الشركة يهددان بإفلاسها وإنهاء نشاط السكك الحديدية في تونس بعد نشاط تواصل لعقود طويلة وكان رافدا مهما للاقتصاد التونسي، بحسب قوله.

وبدأ استغلال أول خط حديدي في تونس منذ عام 1872، ويمثل نشاط نقل المسافرين نحو 60 بالمائة من رقم معاملات الشركة، فيما يمثل نشاط نقل البضائع الـ40 بالمائة المتبقية. وشركة السكك الحديدية واحدة من بين عشرات المؤسسات الحكومية التونسية المهددة بالإفلاس، وفق تصريحات لمسؤولين حكوميين. وكشف المستشار لدى رئيس الحكومة فيصل دربال، الأسبوع الماضي، أن "50 بالمائة من المؤسسات العمومية مهددة بالاندثار، إذا لم يتم وضع خطة عمل قبل سنة 2020".

وقال دربال: "من الأفضل الحديث اليوم عن خطة إنقاذ بدلاً عن إعادة الهيكلة، فمن بين 119 مؤسسة عمومية توجد 102 مؤسسة تحتاج إلى إصلاح عاجل"، مشدداً على أن بعض المؤسسات تعيش في وضعية العجز عن دفع مستحقاتها.

وأكّد دربال الحاجة إلى ضخ الأموال لفائدة هذه المؤسسات ومعالجة مسألة مراجعة التعرفات الخاصّة بالمنتوج لعدد منها، على غرار شركة نقل تونس والشركة الوطنية للسكك الحديدية التونسية.

وترتفع ديون شركة السكك الحديدية لدى المؤسسات البترولية إلى 37 مليون دينار (الدولار= نحو 3 دنانير)، وفق ما أكده مصدر مسؤول بالشركة لـ"العربي الجديد"، مشيراً إلى صعوبات كبيرة تعترض المؤسسة في توفير مخزونات المحروقات لقطاراتها.

وقال المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، إن نقصا في العنصر البشري والموظفين وقطع الغيار والمحروقات يهدد بوقف سير القطارات تماما. من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي بلحسن الزمني، لـ"العربي الجديد"، أن الوضع المالي المتردي الذي يهدد بوقف تام لنشاط السكك الحديدية وأحد أذرع الاقتصاد هو مآل حتمي لسياسة ارتجالية في إدارة المؤسسات الحكومية تقوم على مواصلة الدعم دون البحث بمعالجة الأسباب الحقيقية لمشاكلها.

وأضاف أن الحكومة أمام خيارين: إما التدخل بسرعة وإيجاد حلول جذرية لرسملة الشركة، أو إحالة النشاط للقطاع الخاص، مشيرا إلى أن وقف رحلات القطارات الذي اضطرت إليه الشركة بسبب عدم قدرتها على توفير المحروقات سيكون متبوعاً بزيادة في أسعار التذاكر لامتصاص جزء من الخسائر.

ودعا الخبير الاقتصادي إلى ضرورة تعديل الأوضاع المالية للمؤسسات العمومية، وتوخي الحذر في معالجة وضعها المالي، لارتباطها الأساسي بالاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في تونس، مشيرا إلى أن خسائرها ستلقي بظلالها على الموازنات القادمة ولن تساعد على تقليص العجز.

وتراجعت الموارد الإجمالية للمؤسسات الحكومية من 14 مليار دينار تونسي سنة 2014، أي نحو 4.6 مليارات دولار، إلى 11.6 مليار دينار عام 2016، أي ما يعادل 3.8 مليارات دولار، حسب تقارير حكومية.

المساهمون