الخيار المر.. سداد الديون أم خفض الأسعار؟

18 فبراير 2018
ربما يتطور "التخيير" بين سداد الديون ورغيف الخبز(فرانس برس)
+ الخط -

بات "الاقتراض الخارجي وطرح سندات دولية" كلمة شبه ثابتة في قاموس تصريحات كبار المسؤولين بالحكومة المصرية، بل باتت الكلمة تتفوق على عبارات حكومية تقليدية وتاريخية تتردد على مسامع الرأي العام ليل نهار منها: "حماية محدودي الدخل"، وخطط الحكومة لخفض الأسعار، ومواجهة الاحتكارات وأباطرة الأسواق، وتوفير فرص عمل للشباب، وإشادة المؤسسات الدولية بنجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي، ونجاح الحكومة في جذب استثمارات خارجية.

ولا يكاد يمر يوم واحد حتى يخرج علينا مسؤول في الحكومة ليعلن عن الحصول على قروض جديدة، أو التفاوض مع المؤسسات الدولية للحصول على تسهيلات أئتمانية، أو سداد الحكومة لقرض قائم، أو تأجيل سداد قرض مستحق عبر مد أجل السداد، أو صرف دفعة جديدة من قرض صندوق النقد الدولي، أو استقبال وفد من البنك الدولي لبحث تسريع إجراءات الشريحة الثالثة من قرضه البالغة قيمتها 3 مليارات دولار.

ولن نرصد هنا أخبارا أخرى فرعية، من عينة استقبال مسؤولين كبار بالحكومة المصرية لوفود من مؤسسات مالية عدة، للتباحث حول الحصول على دعم مالي جديد خاصة من المؤسسات الإقليمية، مثل البنك الأفريقي للتنمية والبنك الإسلامي للتنمية والبنك الأفريقي للاستيراد والتصدير وغيرها.

وقبل أيام، اقترضت الحكومة المصرية أكثر من 8 مليارات دولار من الخارج خلال فترة زمنية لا تتجاوز الأسبوعين، منها 4 مليارات دولار تم اقتراضها يوم الأربعاء الماضي 14 فبراير، و3 مليارات من مؤسسة تابعة للبنك الإسلامي للتنمية بجدة، وأكثر من مليار دولار تم اقتراضه منتصف الأسبوع الماضي عبر طرح البنك المركزي أذون خزانة دولارية.

حينها، توقع كثيرون حدوث هدوء في موجة الاقتراض الخارجي لفترة طويلة خاصة مع تصريحات عدد من المسؤولين، عن حدوث طفرة في النقد الأجنبي المتدفق على البلاد من قطاعات عدة منها السياحة والصادرات الخارجية وتحويلات المغتربين والاستثمارات الأجنبية المباشرة وقناة السويس وغيرها، إضافة للاستثمارات في أدوات الدين الحكومية.

لكن خاب ظن هؤلاء حيث خرج أحمد كجوك، نائب وزير المالية للسياسات المالية اليوم الأحد، كاشفا عن أن الحكومة تستهدف الحصول في السنة المالية القادمة 2018-2019 على قروض جديدة تتراوح قيمتها بين 3 و4 مليارات دولار، وذلك من خلال طرح سندات دولية.

وعقب اقتراض مصر الأربعاء الماضي 4 مليارات دولار عبر طرح سندات دولية، خرج عمرو الجارحي وزير المالية، وفي نفس اليوم، ليعلن أن مصر ستبدأ في إجراء محادثات مع بنوك أوروبية لطرح سندات دولية مقومة باليورو يتم من خلالها اقتراض ما بين مليار و1.5 مليار يورو.

ومع السباق المحموم بين كبار المسؤولين عن إدارة السياسة المالية والنقدية في البلاد، لم يعد السؤال المطروح هو: ما تأثير مثل هذه القروض الضخمة على مستقبل الأجيال، وهل لدى مصر القدرة على سداد كل هذه القروض مستقبلا؟ فهذه أسئلة باتت مكررة وتقليدية

بل بات السؤال المطروح هو: متى سيتوقف السباق نحو الاقتراض الخارجي، وهل يتم مرور شهر أو أقل دون الإعلان عن الحصول على قرض جديد؟ ولماذا كل هذا السيل من التصريحات الرسمية حول القروض الجديدة، لدرجة توحي بأن هؤلاء يتفاخرون بذلك؟

هل يبعث هؤلاء المسؤولون برسائل منها طمأنة المقترضين الدوليين بأن قروضكم سترد إليكم في موعدها عبر الحصول على قروض جديدة، أم يبعثون برسالة تقول إن البنك المركزي مستمر في سياسة إعادة بناء الاحتياطي الأجنبي "وتضخيمه" عبر القروض الخارجية وليس من الموارد الذاتية؟

أم أن المسؤولين يبعثون برسالة مضمونها أن صانع القرار يقظ لمخاطر الاستثمارات الأجنبية الساخنة سواء المستثمرة في البورصة أو أدوات الدين كأذون الخزانة والسندات، وأنه لا خطورة تذكر في حال قيام الأجانب بسحب هذه الاستثمارات والتي تزيد قيمتها عن العشرين مليار دولار؟

أم أن المسؤولين يبعثون برسالة للداخل خاصة للذين يسعون للمضاربة مجدداً على الدولار وإحداث اضطرابات في سوق الصرف، والتأكيد لهؤلاء أن السيولة النقدية الدولارية تتدفق على البلاد، وأن السلطات لن تسمح مجددا بخفض كبير في قيمة العملة المحلية مقابل الدولار، بل تسعى للعكس وهو زيادة قيمة الجنيه المصري؟

أياً كانت طبيعة الرسائل التي يود هؤلاء المسؤولون إرسالها، فإن مصر دخلت دوامة الاقتراض الخارجي، دوامة تجعل المسؤولين يخيرون المصريين بين أمرين كلاهما مر، خفض الأسعار، أم سداد الديون الخارجية، وبين سداد الديون أو إقامة مشروعات استثمارية في مجال البنية التحتية والطرق والكباري والكهرباء.

وربما يتطور "التخيير" في وقت لاحق ليصبح بين سداد الديون، أو تقديم الدعم للسلع التموينية ورغيف الخبز والمستشفيات العامة والتعليم المجاني؟

خيارات كلها مرة بالنسبة للمواطن والوطن، ولا تنم إلا عن شيء واحد هو الفشل في إدارة الاقتصاد، ورهن البلاد للخارج ومؤسساته المالية وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي الذي من المستحيل أن يعمل لصالح المصريين، بل يعمل لصالح الدائنين الدوليين وفي مقدمتهم الولايات المتحدة ودول نادي باريس.

المساهمون