تحذيرات من تباطؤ الاقتصاد العربي بسبب أزمة الصين

26 اغسطس 2015
البورصات العربية تعاود الارتفاع (أرشيف/فرانس برس)
+ الخط -


في الوقت الذي واصلت الأسهم الصينية هبوطها أمس، تعافت أسواق المال العربية من موجة خسائر قاسية ضربتها أول أمس، وخيم عليها اللون الأخضر لتلحق بركب انتعاش معظم الأسواق العالمية، ورغم هذا التعافي حذر محللون ماليون في تصريحات لـ"العربي الجديد"، من تداعيات الأزمة الصينية وتراجع النفط على أسواق واقتصاديات المنطقة، مؤكدين أن التعافي قد يكون مؤقتاً حيث ستعاود الأسواق الهبوط الفترة المقبلة.

وهبطت مؤشرات البورصة الصينية الكبرى أكثر من 7% إلى أدنى مستوى لها منذ ديسمبر/كانون الأول بعد أن هبطت أكثر من 8% أول أمس مرسلة موجات من الصدمة في أسواق المال العالمية، إلا أن البورصات العربية سارت في الاتجاه العكسي وبدأت في عمليات ارتدادية بشكل جماعي.

وكانت دول الخليج المنتجة للنفط الأكثر تأثراً في المنطقة العربية بضربات الإثنين الأسود، إلا أن مؤشراتها ارتدت للمكاسب بشكل ملحوظ في جلسة الأمس، وارتفع مؤشر بورصة السعودية أكبر الرابحين بمقدار 518.45 نقطة أي بنسبة زيادة 7.38 %، وبورصة دبي 156.75 نقطة بنسبة 4.61%، والكويت 19.18 بنسبة 0.33%، في حين خسرت بورصة سلطنة عمان 11.99 نقطة بنسبة تراجع 0.57%.

مكاسب الخليج

وتعافت الأسواق الخليجية مع حالة الطمأنة التي جاءت من بورصات عالمية وصعود أسعار النفط العالمية مرة أخرى، أمس، ولكن صاحبت ذلك تحذيرات من محللين ماليين من احتمال إقبال المنطقة على فترة من التباطؤ، وانعدام الثقة، ما يؤثر كثيراً على الاستثمار فيها، ويؤكد الخبير السعودي في البورصات، محمد الضحيان، لـ"العربي الجديد" على أن الاقتصاد الخليجي ولا سيما السعودي، سيتأثر كثيراً بما يحدث في الاسواق العالمية، معتبراً أن انهيار سوق الأسهم في الفترة الماضية قبل تعافيه قليلاً بالأمس يؤكد أن الاقتصاد الخليجي، سيعاني من فترات صعبة، مشدّداً على أنه لا يمكن إبعاد الاقتصاد الخليجي وحتى العربي عما يحدث في آسيا والغرب.

ويقول الضحيان، إن "الخليج جزء من العالم، وما سيحدث في العالم سيؤثر علينا". ويشدّد على أنه "حينما يفقد المستثمر مصداقية السوق تفشل جميع القطاعات والمؤسسات في بناء وحدات اقتصادية جديدة، أو اللجوء لمستثمرين جدد لتكوين رأس مال قوي".

ويتابع، "أن كثيراً من المؤسسات المالية قامت بتصفية مراكز مالية لمستثمرين في البورصة السعودية بشكل جنوني، وكانت نتيجة المبيعات الجنونية التي حدثت يومي الأحد والاثنين، بهدف تغطية مراكزها المالية، لهذا وجدنا كثيراً من المستثمرين انتهزوا الفرصة ودخلوا السوق أمس الثلاثاء واشتروا بقوة".

ويحمل الضحيان ما حدث من هزات أفقدت السوق أكثر من 29% من قيمته الفترة الأخيرة للبنوك والمراكز المالية التي سارعت بتسييل المحافظ التي قامت بتمويلها سابقاً.

ويضيف أن "الفزاعة التي تطلقها البنوك على المستثمرين تضيع الفرص على الكثيرين، وتحاول المؤسسات المالية الحصول على رأس مالها بأسرع طريقة"، ويطالب الضحيان هيئة السوق بالعمل على تقليص الإقراض، وخاصة لدى البنوك التي تقوم بتصفية مراكز كثير من المستثمرين، بحيث تمنع من التمويل بنسبة كاملة، ويسمح لها بالتمويل بنسبة 50% فقط، للحفاظ على استقرار السوق.

من جهته يؤكد المحلل الاقتصادي السعودي، فهد بن جمعة، لـ"العربي الجديد"، على أن الاقتصاد السعودي أقوى مما يتصور البعض، وسيكون قادراً على تجاوز الأزمة الحالية، لأنه يملك المواءمة المالية التي تجعله قادراً على الاستمرار في الإنفاق لحين تحسن أوضاع النفط من جديد، ولكن يشدّد في نفس الوقت على أن الاقتصاد السعودي جزء من العالمي.

اقرأ أيضاً: اضطراب الصين.. مكاسب العرب وخسائرهم

وأكد أن السعودية ستواصل خطتها التنموية وإنفاقها، لأن لديها احتياطياً قوياً لمثل هذه الحالات، مشيراً إلى أن السعودية لن تعاني من أزمة مالية، كما يدعي البعض.

تنوع المصادر

وفي هذا الإطار يطالب رئيس مركز السياسات البترولية والتوقعات الاستراتيجية السعودي، راشد أبانمي، بالاستفادة من الهزات التي تعرض لها الاقتصاد السعودي مؤخراً بسبب تذبذب سوق النفط والأزمة الصينية، عبر الاتجاه إلى تنويع مصادر الدخل.

وتوقع تقرير سابق لصندوق النقد الدولي، صعود عجز الموازنة بالمملكة العربية السعودية إلى 19.5% نهاية العام الحالي.

أما الإعلامي السوري المتخصص في الشؤون الاقتصادية معمر عواد، قال لـ"العربي الجديد"، إن تراجع أسعار الخام بأكثر من 55% للبرميل انعكس سلباً على اقتصاديات دول الخليج التي تمول موازنتها من سلعة متقلبة سعرياً، مع الإبقاء على حجم انفاق مرتفع، ما يعني زيادة العجز المالي لموازناتها عامي 2016 و2017 مع بقاء أسعار النفط دون مستوى 70 دولاراً للبرميل، ما يضعها أمام خيارات الاستدانة الداخلية، كما فعلت السعودية، أو إصدار سندات سيادية، وقد تكون بأسعار فائدة مرتفعة، أو أن تمد يدها للاحتياطات التي راكمتها مع أسعار نفط فوق 100 دولار، أو ربما تلجأ ولأول مرة إلى صناديقها السيادية.

وأضاف، أن الدول العربية غير المنتجة للنفط، سوف تستفيد من تقليل قيمة فاتورة الطاقة على موازنتها، لكن بعضها قد يجد نفسه خارج قائمة الدعم المالي التي كانت توفرها الدول النفطية لدعم أنظمة حكم هنا أو هناك.

ولفت عواد أن الأسواق الخليجية شديدة الحساسية اتجاه العوامل الخارجية، لذلك تساقطت بشكل مبالغ فيه مع هبوط المؤشرات الصينية التي تتذرع بتباطؤ النمو، لكنها في الواقع تقوم بعملية تصحيح طبيعي لتضخم أسعار معظم أسعار الأسهم في أكبرسوق للشركات الصغيرة والمتوسطة في العالم، التي استقطبت سيولة الشعب الصيني في عالم التداولات المالية. ما يعني أن بورصات الخليج تدفع ضريبة فقاعة الأسهم الصينية، والأمر لا يتعلق بأساسيات الأسواق الخليجية مطلقاً، خاصة وأن أسواق الخليج تعتبر من أكثر الأسواق جاذبية لاستقطاب السيولة، بعد أن وازنت بين اقتصادها الحقيقي والورقي قبل فقاعة الصين.

وحول استدامة اللون الأحمر على بورصات الخليج ختم عواد، أعتقد أن مؤشرات أسواق الخليج قد وصلت إلى القاع، وسوف تدخل مرحلة الارتداد، و قد خلق "البيع الخوفي" فرص استثمارية نادرة في بعض القطاعات والأسهم التي تخارج منها الأفراد بسبب الهلع من أزمة الصين، وفسحت المجال أمام مؤسسات محلية وصناديق استثمار أجنبية لتحل مكانها. كما أن أسعار النفط رسمت خطوطاً سعرية جديدة عند 38 دولاراً للخام الأميركي، و 42 دولاراً للبرميل.

عوامل نفسية

بدوره أكد مدير عام شركة وثيقة للأوراق المالية بمصر، حنفي عوض، لـ"العربي الجديد"، أن أسعار النفط لم تكن السبب وراء تراجع البورصات العربية، قائلاً، "إن السبب الرئيسي وراء تراجع البورصات العربية هو توقعات بأزمة مالية عالمية جديدة، عقب تهاوي البورصة الصينية، بالإضافة للاضطرابات الأمنية والصراعات المسلحة التي امتدت لعدد كبير من الدول العربية بداية من سورية والعراق مروراً بليبيا واليمن ولبنان حالياً، ما أدى إلى تراجع الاستثمارات والسياحة".

وعن الهبوط الذي تكبدته البورصة المصرية بشكل خاص أوضح عوض، أن القرارات الاقتصادية المتضاربة بشأن فرض الضرائب، بالإضافة لتراجع معدل الصادرات وتراجع الجنية أمام الدولار وتفاقم عجز الموازنة يزيد مخاوف المستثمرين لأن ذلك يأتي أيضاً في الوقت الذي تراجعت فيه البورصات العربية الأخرى والعالمية. وكانت البورصة المصرية ارتفع مؤشرها أمس، بمقدار183 نقطة بنسبة زيادة 2.75%.

وقال مسؤول في وزارة الاستثمار المصرية لـ"العربي الجديد"، "إن الحكومة عازمة على طرح حصص من شركات حكومية مثل القابضة الغذائية في البورصة بنهاية العام الجاري بهدف تنشيط السوق".

وأضاف أن طرح الحكومة لشركات جديدة، أو حصص لشركات قائمة بالفعل سيعمل على تصحيح الأوضاع في البورصة في الوقت الحالي.

وتوقع حنفي عدم استمرار صعود البورصات، وعودة السوق لموجة هبوط وتراجع مرة أخرى ولكن بوتيرة أقل.

ولفت حنفي أن ذلك الارتفاع يعود لعوامل نفسية لدى المستثمرين لرغبتهم بتعويض جزء من الخسائر التي تكبدوها بعد التراجع الضخم الذي شهدته الأسواق فيحدث الارتفاع الطفيف ثم يعود السوق للهبوط مرة أخرى.

وقال خبير أسواق المال المصري، عيسى فتحي، لـ"العربي الجديد"، إن ما يحدث في البورصات العالمية هو انعكاس لما يحدث في الاقتصاد الصيني.

وأضاف أن صانع القرار الاقتصادي في الدول العربية يقف في مقعد المتفرجين على الأزمة الاقتصادية التي أصبحت أكثر وضوحاً في الأفق "وهو ما سيكون له آثار اقتصادية سلبية كبيرة على البلدان العربية وعلى البورصات في المنطقة باعتبارها أحد منصات التمويل".


اقرأ أيضاً:
يوم أسود للبورصات وعودة الاثنين الأسود
العرب وأزمة الصين.. مكاسب أكثر من الخسائر

المساهمون