انتشار العمولات في العراق... مسؤولون وأحزاب متورطون

31 مارس 2019
الحكومة شكلت مجلساً لمكافحة الفساد (Getty)
+ الخط -


لم تعد الأموال المدفوعة "تحت الطاولة" أو ما يعرف بالعمولات، قاصرة على قطاع الأعمال في العراق، بغرض تمرير الصفقات والمشاريع، وإنما تحولت إلى ظاهرة واسعة النطاق، تحول من خلالها مسؤولون حكوميون كبار وبرلمانيون إلى "سماسرة" وفق تقارير رقابية، يحصلون على نصيبهم من الصفقات الحكومية لإرسائها على من يدفع، ما أدى إلى انتشار الفساد وانهيار الخدمات.

"هنا كل شيء بمقابل، العمولة أضحت لغة الجميع من مسؤولين نافذين في الدولة وأحزاب ومليشيات وبرلمانيين، وسادت كل المشروعات من الجنوب حتى كردستان شمال العراق". هكذا وصف مسؤول في دائرة الأمانة العامة لمجلس الوزراء واقع المشاريع في العراق.

وقال المسؤول لـ"العربي الجديد" إن "كل مشاريع البناء والإعمار في البلاد تتعرض لما يُعرف بالكومشن (العمولة)، حتى مشاريع إقليم كردستان تتعرض لذات المشكلة، والحكومة ورئيسها سواء السابق حيدر العبادي، أو الحالي عادل عبد المهدي، يعرفون جيداً كيف تُدار الأمور".

وأوضح أن "الأحزاب تضغط على الحكومة حتى ترفع من قيمة مخصصات المشروعات لضمان عمولتها حين يجري الدفع باتجاه منح العقود إلى شركات بعينها، كما تحصل أيضاً من الشركات على نصيبها مقابل تأمين المشروعات خلال عمليات التنفيذ".

وأضاف أن "العمولات التي تطلبها الأحزاب، دفعت الكثير من المقاولين إلى طلب أموال إضافية من الحكومة لإتمام المشروعات، بعد أن أفلسوا بسبب ضغوط الأحزاب والمليشيات لاستقطاع حصة من أموال المشروع، وهناك عشرات الحالات عجز خلالها المقاولون عن تنفيذ الأعمال وتركوا البلاد دون استكمالها".

وحسب المسؤول في مجلس الوزراء فإن "الأمر تطور ولم يعد مقتصراً على دور الوسيط من قبل الأحزاب في الفترة الأخيرة، فقد عمل الكثير منها على تأسيس شركات مسجلة في غرفة التجارة العراقية على أنها كيان مستقل ولا ترتبط بأي حزب، بينما في الواقع تحظى بنفوذ سياسي وباتت تتحكم في تحديد مسار الصفقات والعقود الحكومية"، موضحاً أنه "حالياً، غالبية الشركات العملاقة التي تنجز المشاريع الخدمية تابعة لأحزاب كبيرة".

وفي يناير/كانون الثاني الماضي، أعلنت الحكومة، عن تشكيل مجلس مختص لمكافحة الفساد ومتابعة الملفات المتعلقة به، وأشرف رئيس الوزراء عادل عبد المهدي على أول اجتماعاته.

وأكد عبد المهدي أنّ الهدف من المجلس هو "اتخاذ الإجراءات الرادعة، وتوحيد جهود الجهات الرقابية في سياق عمل جديد قادر على التصدي لأي جهة أو شخص مهما كان موقعه".

ووفقاً لتقديرات أصدرتها اللجنة المالية في البرلمان، فإن حجم خسائر العراق جراء الفساد في السنوات الاثنتي عشرة الماضية بلغ نحو 450 مليار دولار، من بينها 360 مليار دولار خلال فترة حكومتي نوري المالكي الأولى والثانية (2006 ـ 2014).

وأعلنت هيئة النزاهة العام الماضي 2018، أن الأموال التي رُصدت وأعيدت للدولة خلال 2017 بلغت 938 مليار دينار عراقي (800 مليون دولار)، من دون أن تذكر ما خسره العراق بفعل جرائم الفساد المالي والإضرار بالمال العام.

وأقدمت لجنة النزاهة في البرلمان الحالي، على فتح ملفات الفساد في العقود والصفقات، وكذلك تفاصيل العمولات التي تفرضها الأحزاب والمليشيات على الشركات والمقاولين في محافظتي البصرة وبغداد، والتي أثرت على المشاريع وكانت من المسببات المؤججة للتظاهرات التي شهدها العراق خلال السنوات الماضية، بحسب النائب عن تحالف "سائرون" صباح الساعدي.

وقال الساعدي لـ"العربي الجديد"، إن "عمليات الفساد والكومشنات (العمولات) التي تحدث في الوزارات والمؤسسات هي محط أنظار عمل لجنة النزاهة النيابية وهيئة النزاهة كجهة تنفيذية، ونعدّها من الملفات الخطيرة، وقد طلبنا من المجلس الأعلى لمكافحة الفساد الذي يترأسه عبد المهدي، فتح ملفات العقود الكبيرة التي تمس حياة المواطنين بشكل كامل ومباشر".

وليست العمولات مقتصرة على الأحزاب والمليشيات وإنما تورط مسؤولون كبار فيها خلال السنوات الماضية، منهم وزراء، في الحصول على ثمن تمرير الصفقات.

وفي البرلمانات السابقة، تحدى أعضاء فيها، وزراء ومسؤولين وهددوهم بالاستجواب، في محاولة للحد من مسألة العمولات التي عطلت مشاريع عديدة. لكن سرعان ما تسربت معلومات بعدها تظهر استغلال برلمانيين هذه القضايا للحصول على عمولات بدورهم من الوزراء، ما يعني أن الحراك البرلماني كان هو الآخر ضمن صفقات مالية، وفق كلام رئيس حركة "تمدن" فائق الشيخ علي.

وقال الشيخ في حديثٍ متلفز مؤخراً إن "نواباً يعتاشون على ابتزاز الوزراء من أجل الحصول على الكومشنات (العمولات)، فإما الموافقة على طلب تعيين عدد من المواطنين أو الحصول على الموافقة بعقد أو صفقة أو تقديم أموال للنواب لقاء عدم استجواب هذا الوزير".

وتسرب الفساد إلى مشروعات إعادة إعمار المناطق المحررة من قبضة تنظيم داعش في شمال وغرب البلاد، وفق تقرير برلماني لتقصي الحقائق في مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى (شمال).

وقال رئيس تجمع كفى والنائب السابق رحيم الدراجي: "حين تضع الحكومة أسعار المشاريع المُراد تنفيذها، فإن المبلغ المالي يكون ثلاثة أو أربعة أضعاف المبلغ الفعلي لإنجاز المشاريع، لأن الفارق من المبلغ يذهب لجيوب الفاسدين والأحزاب والوسطاء بين الحكومة والجهات التي حصلت على المشاريع".

وأضاف الدراجي لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة تعرف بتفاصيل العمولات، وكيف تنجز المشاريع والنسب التي تأخذها الأحزاب من الشركات، لكنها لا تتحرك لمنع هذا الاستهتار بالمال العام، لأن ممثلي الأحزاب يسيطرون على الحكومة".

المساهمون