"المضاربون الإرهابيون".. ومستقبل الليرة التركية

14 يناير 2017
تراجع الليرة التركية (Getty)
+ الخط -
تحاول تركيا بشتى الطرق حماية عملتها الوطنية ومنعها من الانهيار أمام الدولار، مرة بتشجيع الحكومة المواطنين على حيازة الليرة، ومرة ثانية من خلال حث الدولة المؤسسات الرسمية على التعامل بالليرة وحيازة الأصول بها، وثالثة بتدشين حملة قومية تستهدف حث الأتراك على التنازل عن ودائعهم الدولارية والتخلي عن سياسة "الدولرة" بتحويل ودائعهم إلى الليرة، ومرة رابعة بإعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن تحويل كل ثروته ومدخراته إلى الليرة.

لكن رغم كل هذه الخطوات نجد أن العملة التركية تواصل هبوطها مقابل الدولار، حيث تراجعت منذ مطلع العام الجاري 2017 بنحو 9.4% رغم الإجراءات المتواصلة التي اتخذتها الحكومة والبنك المركزي والتي لم تفلح في تهدئة قلق المستثمرين الأجانب والمحللين على حد سواء، كما فقدت نحو 25% من قيمتها منذ انقلاب يوليو/ تموز الفاشل، بل وهناك توقعات باستمرار هذا التراجع حتى إقرار التعديلات الدستورية في استفتاء عام، وربما التراجع حتى نهاية العام مع استمرار الاضطرابات الأمنية الناجمة عن الحرب في سورية والعراق وشرق تركيا.

هناك بالطبع أسباب موضوعية وراء تراجع سعر صرف الليرة خلال الفترة الأخيرة، منها القلق السياسي السائد بالبلاد منذ محاولة الانقلاب الفاشل في منتصف يوليو/ تموز 2016، والحرب التي تخوضها تركيا ضد تنظيم داعش وحزب العمال الكردستاني وغيره من المنظمات التي تصفها الدولة بأنها إرهابية، وهناك تراجع لإيرادات السياحة بسبب تكرار الحوادث الإرهابية التي تقع من حين لآخر بالبلاد وآخرها في ملهى بمدينة إسطنبول، وقبلها تراجع السياحة بسبب الخلافات الروسية التركية منذ إسقاط القاذفة الروسية على الحدود.

وهناك أسباب أخرى لتراجع الليرة تتعلق بالوضع السياسي الحالي بالبلاد والمتمثل في بدء مناقشة البرلمان التركي مشروع قانون يقضي بإدخال تعديلات جوهرية على الدستور وتحويل النظام السياسي من برلماني لرئاسي وإلغاء المحاكم العسكرية وزيادة عدد أعضاء البرلمان إلى 600 عضو.

لذا يعتبر تراجع الليرة مقابل الدولار طبيعياً من وجهة نظري، ففي أسواق الصرف الحرة تخضع تحركات العملة للعرض والطلب، وترتبط تحركاتها ارتفاعا وانخفاضا بالأوضاع الاقتصادية والسياسية، بل والاجتماعية السائدة بالبلاد.




صحيح أن تركيا تتعرض لمؤامرة شديدة من قبل قوى إقليمية ودولية تستهدف النيل من اقتصادها وعملتها الوطنية، وصحيح أيضا أن الذين فشلوا في انقلاب يوليو الماضي يسعون لزعزعة البلاد اقتصاديا وسياسيا، وصحيح ثالثاً أن وكالات التصنيف الدولية تلعب دورا مهما في زعزعة الاستقرار المالي والنقدي داخل تركيا وتخويف المستثمرين الأجانب وحثهم على سحب استثماراتهم من البلاد، بل وإثارة الرعب بين المستثمرين الأتراك، لكن تظل هناك أسباب موضوعية لتراجع العملة التركية.

ولذا استغربت وصف أردوغان، يوم الخميس الماضي، المضاربين على الليرة بالإرهابيين، ومطالبته البنك المركزي باتخاذ المزيد من الإجراءات لحماية العملة الوطنية.

الاستغراب هنا لسببين، الأول هو أن من أبرز أدوات مكافحة الدولرة وحيازة العملات الأجنبية داخل أي دولة هو زيادة أسعار الفائدة على العملة المحلية، وهذه الخطوة لم تتم حتى الآن بسبب سياسات الرئيس التركي نفسه، ذلك لأن أردوغان يحث البنك المركزي التركي دوما على انتهاج السياسة العكس وهي خفض سعر الفائدة على الليرة لا زيادتها بهدف تشجيع الاستثمار، وبالتالي فإن توجهات الرئيس التركي قد تعرقل محاولات البنك المركزي الدفاع عن العملة المحلية عبر ألية زيادة سعر الفائدة.

كما أن وقف تهاوي الليرة يتطلب توفير البنك المركزي سيولة دولارية ضخمة وتلبية احتياجات المستثمرين المتزايدة عبر ضخ جزء من الاحتياطي الأجنبي في السوق لزيادة المعروض، وهذا لم يتم أيضا مع أن البنك المركزي يمتلك احتياطيات ضخمة وكافية من النقد الأجنبي تتجاوز 106 مليارات دولار، ربما تهدف الحكومة من وراء هذه الخطوة الحفاظ على الاحتياطي.

وبالتالي لا يمكن الحفاظ على مستوى الاحتياطي وعدم رفع سعر الفائدة في نفس الوقت، وبعدها يطالب أردوغان البنك المركزي بالحفاظ على العملة المحلية والحد من المضاربة عليها.

السبب الثاني لاستغرابي هو أنه لا يمكن التعامل مع المضارب على أنه "إرهابي"، فالمضارب يهمه بالدرجة الأولى تحقيق أعلى ربح في أقل وقت، وهذا شيء مشروع تعرفه كل الأسواق العالمية، طالما أن هذا الربح جاء من مصادر مشروعة.

لكن هنا يجب التفرقة بين مضارب صائد للأموال يقتنص الفرصة لتحقيق مزيد من الأرباح، وبين مضارب يتفق مع جهات دولية ومحلية على دفع عملة بلد ما نحو الانهيار بهدف إسقاط نظام سياسي أو اقتصادي، وهذا إن حدث فإن المضارب يتحول من مجرد صائد للأرباح إلى إرهابي حقيقي تجب معاقبته، وخاصة أن ما يقوم به يؤثر وبشدة على ملايين الفقراء، إذ يرفع الأسعار لمستويات قياسية، ويؤدي إلى انتشار حالات الإفلاس في المجتمع، وإغلاق المصانع وتشريد العمال وزيادة حدة الفقر والبطالة. 


المساهمون