في شهر يونيو/ حزيران 2016 استيقظ عملاء البنوك اليونانية على خبر صادم، وهو إغلاق كل البنوك العاملة في البلاد، ومعها تم إغلاق البورصة التي شهدت اضطرابات شديدة وتهاوياً في قيمة الأسهم المتداولة بسبب هروب الاستثمارات الأجنبية والمحلية على حد سواء.
كما تم فرض قيود شديدة على المبالغ النقدية التي يمكن سحبها حتى من خلال ماكينات الصرف الآلي وسط تفاقم الأزمة المالية والنقدية بالبلاد، وكذا تم فرض قيود رأسمالية على عمليات تحويل الأموال للخارج للحيلولة دون انهيار القطاع المصرفي وعدم تفريغه من السيولة النقدية.
ساعتها، بررت الحكومة قرار إغلاق البنوك بهدف "حماية الاقتصاد اليوناني نتيجة نقص السيولة الناجم عن قرار يورو غروب (البنك المركزي الأوروبي) رفض تمديد اتفاق القرض مع اليونان"، وذلك عقب تعثرها في سداد أقساط ديون خارجية".
كان هذا المشهد مرعبا للمودعين وأصحاب المعاشات والملايين الذين يعيشون على فوائد البنوك التي يحصدونها عن مدخراتهم في البنوك نهاية كل شهر، إذ إنه بموجب القرار الحكومي لن يتمكن المتعاملون مع البنوك من سحب مبالغ تزيد على 60 يورو في اليوم الواحد في الفترة التي أغلقت فيها البنوك أبوابها.
وزاد من سخونة المشهد انتشار شائعات قوية صاحبها حديث واسع في وسائل الإعلام العالمية عن إمكانية مصادرة الحكومة أموال المودعين مع إعلان إفلاس اليونان بسبب توقفها عن سداد الديون الخارجية، ورفض المؤسسات المالية الدولية، ومنها صندوق النقد، منح أثينا قروضا جديدة.
ما يحدث في لبنان حاليا يعيد إلى الذاكرة السيناريو اليوناني المزعج للمودعين، بل ويتوقع بعضهم وصول لبنان إلى هذا السيناريو الأخير في وقت قريب إذا سارت الأمور على ما هي عليه الآن من طول فترة إغلاق البنوك اللبنانية، وتدهور تصنيفها مع ضعف الجدارة الائتمانية للدولة، وانكشاف مصارف كبرى على الدين السيادي للدولة، وهو ما يُعد مصدراً رئيسياً للمخاطر التي تتهددها.
إضافة إلى تعرض القطاع المصرفي لمخطر عامة أخرى تؤثر سلباً على مراكزها المالية وسمعتها، منها زيادة المخاطر الجيوسياسية والأمنية في البلاد، واتساع رقعة المظاهرات الحالية ضد النخب السياسية الفاسدة، وتراجع قدرة لبنان على سداد ديونها الخارجية والأقساط المستحقة خلال أيام والتي تزيد قيمتها على 10 مليارات دولار، وانخفاض سعر الليرة، وعودة السوق السوداء للعملة لتطل برأسها بعد اختفاء دام سنوات طويلة، وندرة السيولة الدولارية في السوق مع زيادة تخزين العملة من قبل المواطنين، وتراجع تدفق النقد الأجنبي إلى البلاد، وتراجع تحويلات اللبنانيين في الخارج، مما أدى إلى انخفاض احتياطي العملات الأجنبية لدى البنك المركزي.
وإذا تأملنا المشهد الاقتصادي اللبناني خلال الأيام الأخيرة نجد أن السيناريو اليوناني يطل برأسه من حين لآخر، وإن كان بسيناريو وأسباب مختلفة، فقبل أيام خفضت مؤسسات تصنيف عالمية كبرى هي موديز وفيتش وستاندرد آند بورز التصنيف الائتماني السيادي للبنان، ومعها تم خفض التصنيف الائتماني لأكبر ثلاثة مصارف في البلاد، من حيث الأصول، إلى مستويات أعلى للمخاطر، كما حذرت المؤسسات الثلاث من تزايد المخاطر المالية والنقدية في البلاد.
لكن في تقديري، فإن لبنان لن يصل إلى سيناريو اليونان في القريب العاجل، فمصرف لبنان المركزي أعلن استعداده الدفاع عن العملة المحلية ومواجهة أية مضاربات عليها، كما أعلن المصرف التزام البلاد بسداد الديون الخارجية وفي مواعيدها المقررة، إضافة إلى أن المصرف يمتلك من الاحتياطي الأجنبي ما يمكنه من تحقيق الهدفين على المدى القصير، حيث تتجاوز احتياطياته النقدية 38 مليار دولار، منها 30 ملياراً قابلة للاستخدام، لكن ماذا لو استمر المشهد الحالي على ما هو عليه؟
هنا قد تتغير التوقعات، خاصة أن المصرف المركزي ليس اللاعب الوحيد، فهناك انتفاضة شعبية قوية في الشارع، وهناك حالة هلع شديدة بين المودعين مع فرض قيود على عمليات السحب والتحويل، وهناك نخبة سياسية لا تدرك حجم الخطر الذي يكتنف القطاع المصرفي، وهناك مدخرون يتحينون لحظة فتح البنوك أموالها وفك القيود عن أموالهم لسحب مدخراتهم.
من حق المودعين في لبنان أن يصابوا بقلق شديد يصل إلى حد الفزع، وعلى النخبة السياسية أن تدرك أن الوضع خطر بالنسبة للبنوك والمتعاملين معها، وأن الوقت ليس في صالح الجميع وفي المقدمة القطاع المالي والمصرفي.