يفاقم ارتفاع أسعار النفط العالمية من أزمات الاقتصاد اليمني وينهك المواطن جراء الزيادات المتصاعدة في أسعار الوقود من البنزين والديزل والتي تنعكس في ارتفاع أسعار السلع وأجور النقل والكهرباء والمنتجات الزراعية، وبذلك أصبحت الأزمة التي تواجه اقتصاد البلاد مركبة مع التهاوي المتسارع في قيمة العملة المحلية (الريال).
ويتجاوز ما يدفعه اليمن لاستيراد مشتقات نفطية، إيراداته من صادرات النفط، ومع ارتفاع الأسعار العالمية للنفط ترتفع تكلفة استيراد المحروقات، خاصة الديزل الذي يستخدم لتشغيل محطات توليد الكهرباء.
وتبلغ فاتورة المشتقات النفطية المستوردة ملياري دولار ويبلغ الاستهلاك المحلي لليمن من النفط قرابة 19.5 مليون برميل في السنة، بحسب تقرير حكومي، فيما لا تتجاوز عائدات النفط الخام 900 مليون دولار سنوياً، وفقاً لمحافظ البنك المركزي اليمني.
وأوضح المتحدث باسم شركة مصافي عدن الحكومية ناصر شائف، أن ارتفاع أسعار النفط الخام عالمياً انعكس في ارتفاع أسعار المشتقات النفطية وبالتالي ترتفع الفاتورة الشهرية التي تدفعها الحكومة بحسب نسبة الزيادة العالمية.
وقال شائف لـ"العربي الجديد": "الحكومة توقفت منذ أغسطس/ آب 2017 عن تقديم الدعم لمادة البنزين وأعلنت تحرير سعر البنزين وفتح الباب أمام القطاع الخاص لاستيراده، لكنها لا تزال تدفع تكلفة الديزل المخصص لتشغيل محطات توليد الكهرباء والتي تصل إلى نحو 50 مليون دولار شهرياً، وسوف ترتفع التكلفة بارتفاع أسعار الخام".
وأشار شائف إلى أن ارتفاع الأسعار العالمية للخام أدى إلى ارتفاع أسعار البنزين في السوق المحلية، متوقعاً أن تشهد أسعار البنزين زيادة جديدة مع اتجاه أسعار الخام إلى حاجز 100 دولار للبرميل الواحد.
كما انعكس غلاء النفط عالمياً على القطاع الصناعي المحلي الذي يستخدم الديزل والمازوت في تشغيل المصانع، إذ أوضحت مصادر صناعية، أن ارتفاع أسعار الوقود المستخدم في صناعة الإسمنت أدى إلى ارتفاع في أسعاره محلياً بنسبة 20%.
وحسب المصادر، التي فضّلت عدم ذكر أسمائها، ارتفعت أسعار المنتجات الغذائية المصنعة محلياً بنسب متفاوتة نتيجة زيادة أسعار المحروقات والتهاوي المتسارع للعملة المحلية.
وحتى منتصف 2014، قبل اجتياح الحوثيين للعاصمة اليمنية كان اليمن يعتمد على شركة مصافي عدن في تغطية نحو نصف الاستهلاك المحلي من الوقود من خلال تكرير النفط الخام من حقول صافر بمحافظة مأرب (شرق البلاد)، واستخدامه محلياً. وأدى القتال إلى إعاقة نقل النفط الخام من حقول صافر إلى المصافي.
ووفقاً لوزارة التخطيط اليمنية، فإن مصفاة عدن بمفردها غطت 44% من الاستهلاك المحلي من الوقود عام 2013، لكنها تعثرت منذ عام 2015، نتيجة لعدم تزويدها بالنفط الخام من مأرب، مما ولد الحاجة لاستيراد معظم احتياجات الوقود من الخارج. وبالتالي، استنزاف مليارات الدولارات من النقد الأجنبي.
وطالبت التخطيط في تقرير صدر مطلع يوليو/ تموز الماضي، استئناف تكرير خام مأرب في مصافي عدن لمواجهة تأثيرات ارتفاع أسعار النفط العالمية وتهاوي العملة المحلية.
في السياق، أعلنت شركة النفط الموالية للحوثيين، مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، زيادة في أسعار المشتقات النفطية من البنزين والديزل، فيما لا تزال العاصمة اليمنية تعاني أزمة خانقة في المحروقات وغاز الطهو نتيجة قلة المعروض وتوقف إمدادات الوقود من ميناء الحديدة المطل على البحر الأحمر غرب البلاد إلى صنعاء.
ووفقاً لبيانٍ، تم رفع سعر اللتر من البنزين إلى 575 ريالاً من 420 ريالاً، ليصبح سعر غالون البنزين سعة 20 لتراً (11.500 ريالاً)، مرتفعاً من 8300 ريال مطلع سبتمبر/ أيلول الماضي، وتم رفع سعر الديزل (السولار) من 350 ريالاً مقابل اللتر الواحد إلى 580 ريالاً للتر.
وتسارعت وتيرة تهاوي العملة اليمنية، منذ مطلع سبتمبر، ووصل سعر الدولار الواحد إلى 700 ريال يمني منذ 27 سبتمبر الجاري في عدن، مقارنة بنحو 513 ريالاً منتصف الشهر الذي يسبقه، فيما كان سعر الصرف يبلغ 215 ريالاً للدولار مطلع 2015.
وتصاعدت أزمة انهيار الريال اليمني والتردي المعيشي، لتدفع نحو إقالة الرئيس عبد ربه منصور هادي، لرئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر، وتعيين وزير الأشغال العامة معين عبد الملك، رئيساً جديداً للوزراء. ويرتقب أن تتولى الحكومة الجديدة إيلاء الملف الاقتصادي اهتماماً أكبر، وأن يتصدر إنقاذ الريال وحل الأزمات المعيشية أولويات المرحلة المقبلة.
وتتفاوت أسعار الوقود في اليمن بين مناطق سيطرة جماعة المتمردين (الحوثيين) في صنعاء ومحافظات الشمال، ومناطق سيطرة الحكومة الشرعية في العاصمة المؤقتة (جنوبي البلاد) ومحافظات شرق وجنوب البلاد، وتعد أسعار الوقود الأكثر ارتفاعاً في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
وأقرت شركة النفط اليمنية الحكومية، بمحافظة حضرموت (شرق)، 24 سبتمبر، رفع أسعار البنزين بنسبة 21.2%، وسط أزمة شح في معروض الوقود ونتيجة تهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية.
وبحسب مصادر ومتعاملين، ارتفع سعر اللتر الواحد من البنزين إلى 400 ريال من 330 ريالاً مطلع الشهر الجاري، فيما توقعت مصادر حكومية أن تعلن الحكومة زيادة جديدة خلال أكتوبر/ تشرين الأول بفعل ارتفاع أسعار الخام عالمياً.
الباحث في هيئة النفط اليمنية، لبيب ناشر أكد لـ"العربي الجديد" أن أزمة الوقود أكثر تعقيداً في اليمن، جراء ارتفاع أسعار الخام مع تهاوي العملة المحلية.
وقال: "ارتفاع أسعار الخام عالمياً يرفع أسعار المشتقات وهذا ينعكس بصورة فورية على السوق المحلية، لكن مشكلة اليمن مضاعفة ففي الوقت الذي ارتفعت فيه الأسعار العالمية بمقدار ثلثين، انخفضت القوة الشرائية للعملة المحلية بمقدار الثلث".
ويتوقع الخبير اليمني أزمة طويلة الأمد، قائلاً: "النفط الخام سيستمر في التصاعد وقد يصل إلى 100 دولار للبرميل الواحد، السعودية ودول أوبك لديها سياسة جديدة تقضي برفع أسعار الخام عالمياً، ولن تتراجع على المستوى القريب".
ويعاني اليمن وهو منتج صغير للنفط، ضائقة مالية بسبب الحرب وتوقف إنتاج وتصدير النفط، وتوقف الإيرادات الجمركية، وتفاقمت المشكلة مع استنزاف الحوثيين لما تبقى من موارد البلاد وتسخيرها للمجهود الحربي، الأمر الذي أدى إلى انخفاض وتراجع الاحتياطي النقدي الأجنبي للبلاد.