جاءت الجزائر في صدارة الدول التي تضررت من إغراق السعودية الأسواق العالمية بنفطها، ما أدى إلى تخمة في المعروض وتهاوي الأسعار، وتراجع الإيرادات المالية للجزائر، الأمر الذي أربك حسابات الحكومة وسيؤدي إلى مزيد من العجز بالموازنة وتصاعد نزيف الاحتياطي النقدي.
وتزامن سقوط أسعار النفط إلى نحو 60 دولاراً للبرميل في الأسواق العالمية مع تمرير موازنة الجزائر لسنة 2019، والتي أبدت فيها الحكومة كثيراً من التفاؤل في توقعاتها للسنة القادمة، ما قد يدفعها إلى تعديل خططها المالية من خلال الاعتماد على مصادر تمويل أخرى.
وظلت الجزائر تتحرك مع الدول المنتجة للنفط من أجل إبقاء الأسعار مستقرة ما بين 70 و80 دولاراً في الأسواق العالمية، إلا أن القرارات النفطية التي اتخذتها السعودية استجابة لضغوط الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي طالب الرياض أكثر من مرة بزيادة الانتاج وخفض أسعار الخام، جعلت البلد الأفريقي المصدّر للنفط في وضعية المترقب الصامت، على بعد أيامٍ قليلة على زيارة مرتقبة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الجزائر، خلال الأسبوع الأول من الشهر المقبل حسب مصادر.
ويقول وزير المالية الجزائري السابق عبد الرحمن بن خالفة، لـ "العربي الجديد" إن "الحكومة الجزائرية رفعت من سقف توقعاتها فيما يتعلق بعائدات البلاد من النفط لموازنة 2019 حيث تتوقع دخول 34 مليار دولار، مقابل 31 مليار دولار هذه السنة 2018، كما اعتمدت على متوسط سعر مرجعي في حساب العائدات بين 60 و70 دولاراً".
وأضاف بن خالفة، أنه "بقدر ما يؤثر مثل هذا الوضع على الإيرادات العامة، سيساهم أيضاً في مضاعفة العجز في الميزانية والخزينة الذي سيكون أكبر من توقعات الحكومة في موازنة 2019".
وتابع الوزير الجزائري السابق أن "الحكومة خلال إعدادها لموازنة الدولة تعتمد على صنفين من المعطيات، الأول واقعي تستمدها من واقع الاقتصاد، والثاني افتراضي حسب قراءة الحكومة لمستقبل البلاد وتطور الأحداث في العالم، خاصة إذا كان لديها مصدر واحد للعملة الأجنبية وهو النفط".
ويكشف بن خالفة أنه بعد إعداده لموازنة الجزائر لسنة 2016 عندما كان في الحكومة، ومصادقة البرلمان عليها، اضطر بصفته وزيراً للمالية وبعد مشاورات مع رئيس الوزراء آنذاك عبد المالك سلال، إلى تعديل ميزانية التجهيز الموجهة للمشاريع والوزارات "حيث جمدنا المشاريع الكبرى، وقلصنا الإنفاق العام تماشياً مع تطورات أسعار النفط".
وكانت صادرات النفط الجزائرية قد بلغت ذروتها خلال شهر يوليو/ تموز الماضي، حيث بلغت 26.7 مليون برميل، ما يعادل 822 ألف برميل يومياً حسب أرقام شركة النفط الجزائرية "سونطراك"، ورغم أنها بلغت الذروة إلا أنها بقيت تحت مستوى مليون برميل يومياً.
واعتادت الحكومة الجزائرية منذ بداية أزمة أسعار النفط سنة 2014، على تعديل خططها المالية، وتكييف ميزانية الدولة مع تطور عائدات النفط، والاعتماد "المفرط" على التمويل التقليدي للخزينة من احتياطي العملة الصعبة.
وبدأت الاحتياطات النقدية بالتهاوي منذ النصف الثاني من عام 2014، متأثرة بالتراجع الحاد في أسعار النفط في السوق الدولية، وتراجعت من 194 مليار دولار في نهاية 2013 إلى حوالي 88.61 مليار دولار في النصف الأول من 2018 وفق تقديرات حكومية تتوقع أن يواصل الاحتياطي نزيفه ليصل إلى 62 مليار دولار في 2019.
ومن جانبه، يرى الخبير الاقتصادي ومستشار معتمد لدى الحكومة الجزائرية (2012-2016) عبد الرحمن مبتول، أن "خسارة النفط لثلث سعره في ظرف وجيز قد أيقظ الحكومة الجزائرية التي ترفعت نوعاً ما من توقعاتها الإيجابية للسنة المقبلة في ما يتعلق بأسعار النفط، والشيء الإيجابي أن هذا التراجع جاء قبل بداية السنة المالية التي تبدأ شهر فبراير/شباط، وبالتالي هناك هامش ولو ضيق لتعديل الخطة الحكومية لسنة 2019".
وأضاف مبتول لـ"العربي الجديد" أن "الجزائر تمتلك في يدها بعض الحلول لمواجهة تراجع أسعار النفط، الأول هو اللجوء إلى احتياطي الصرف لسد الثغرة المالية التي خلفتها أسعار النفط على عائدات البلاد، كما فعلت طيلة السنوات الأربع الماضية، أما الحل الثاني فهو الاعتماد على التمويل غير التقليدي الذي بدأت الحكومة في تطبيقه نهاية السنة الماضية والذي سمح للبنك المركزي الجزائري بطباعة ما يعادل أكثر من 30 مليار دولار من العملة المحلية وإقراضها للخزينة العمومية".
وإلى ذلك وفي رده على سؤال لـ"العربي الجديد" قال وزير الطاقة الجزائرية مصطفى قيطوني أول من أمس، إن "زيارة ولي العهد محمد بن سلمان إلى الجزائر رسمية ستحمل العديد من الملفات وليس النفط فقط، وسيلتقي بن سلمان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لتبادل وجهات النظر حول العلاقات بين البلدين".
وأضاف الوزير الجزائري أن "أسعار النفط تناقش داخل الفضاء الذي يضم أعضاء "الأوبك" مع كبار المنتجين خارجها، وسيكون اجتماع السادس من ديسمبر/ كانون الأول القادم فاصلاً لذلك، ولا يمكن الجزم أن السعودية لم تحترم اتفاق الجزائر بل هي رفعت الإنتاج لتغطية حصة فنزويلا مؤقتاً".
وعلى نفس طريق وزير الطاقة الجزائري، سار المدير العام لمجمع "سونطراك" النفطي عبد المؤمن ولد قدور، الذي رفض التعليق على قرار رفع الإنتاج السعودي للنفط، حيث اعتبر ولد قدور في تصريحات للصحافة الجزائرية أن "القرار سيادي لا يمكن التعليق عليه، إلا أنه سيكون ذا نتائج سلبية على الأسواق العالمية وخاصة على المنتجين الصغار".
والى ذلك يرى وزير الطاقة الأسبق والمدير العام سابقاً لمجمع "سونطراك"، عبد المجيد عطار، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "الجزائر لا تريد تعكير العلاقات مع الرياض والتي تحسنت في الأشهر الأخيرة، إلا أن الجزائر تنتظر إشارات ايجابية في المقابل من طرف الرياض قد يحملها ولي العهد السعودي في زيارته إلى الجزائر".
وأضاف عطار أن "الجزائر تتحرك من أجل سعر لا يتعدى 80 دولاراً ولا يقل عن 70 دولاراً وهو سعر يبدو مريحاً للسعودية، إلا أن مدى التزام الرياض بالمطالب الأميركية يبقى العامل الأهم في المعادلة".