كشفت جولة لـ"العربي الجديد" في مدينة غريان التي سيطرت عليها قوات حكومة الوفاق الوطني الليبية، أول من أمس، عن أوضاع معيشية صعبة يعيشها سكان المدينة، تتمثل في أزمة سيولة خانقة ونقص الوقود والخدمات الأساسية وارتفاع أسعار معظم السلع.
وشهدت مدينة غريان التي تقع على بعد 100 كيلومتر جنوب العاصمة الليبية طرابلس، حربا ضارية لنحو ثلاثة أشهر بين قوات حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، التي اتخذت من المدينة غرفة عمليات عسكرية كانت تدير الهجوم على العاصمة طرابلس.
وخلال جولة لـ"العربي الجديد" في سوق الخضروات بمدينة غريان، لوحظ وجود عدد قليل من البائعين والمشترين، بخلاف ما كان عليه السوق قبل الحرب، والذي كان يعج بالحركة.
وقال تجار ومستهلكون إن أسواق المدينة تعاني من أوضاع صعبة في ظل انعدام سيولة ونقص البنزين والسلع الضرورية، وسط غياب شبه تام للدعم الحكومي خلال فترة المعارك التي دارت بين الطرفين.
وقال تاجر خضروات محمد أبولقاسم، لـ"العربي الجديد"، إن سبب نقص السلع هو ارتفاع تكلفة النقل، في ظل أزمة البنزين التي تعاني منها المدينة، مشيراً إلى أن الطريق الرئيسي لطرابلس مقفل بسبب المعارك الضارية، ما ساهم في تفاقم الأزمات التي تعاني منها الأسواق.
ولفت التاجر الليبي إلى أن سيارات نقل السلع تسلك طرقا زراعية وعرة إلى مدينة الزاوية، على بعد ما يقرب من 200 كيلومتر، من أجل شراء السلع، مضيفاً أن أسعار الخضروات ارتفعت بسبب الحرب، إذ إن كيلو الفلفل الأخضر والطماطم يبلغ 7 دنانير (الدولار = نحو 1.4 دينار) على سبيل المثال.
ومن جانبه، أكد صاحب محل للمواد الغذائية علي برشان، لـ"العربي الجديد"، أن أسعار السلع الغذائية مرتفعة جدا، مع نقص معظمها بالسوق. وأشار إلى أن التجار يتكبدون خسائر كبيرة بسبب تراجع المبيعات، في ظل ضعف القدرة الشرائية للمواطنين.
كما قفزت أسعار اللحوم؛ حيث ناهز سعر كيلو لحم الخروف الوطني 45 دينارا ولحم الأبقار 35 دينارا.
وقال المواطن سعيد محمد، لـ"العربي الجديد"، إن الليبيين في المدينة زادت معاناتهم في ظل الحرب، وسط موجة غلاء أصابت معظم السلع.
وخصصت حكومة الوفاق، قبل نحو شهرين، ملياري دينار (1.43 مليار دولار) لمعالجة الأزمات المعيشية الناجمة عن الاشتباكات. ويأتي هذا المبلغ لتوفير احتياجات النازحين من مواقع المعارك وجميع المتضررين في مختلف المناطق، وتقديم الخدمات الضرورية التي تشمل مستلزمات العلاج.
وفي محطة غريان للنقل، قال سائق سيارة تاكسي سالم الغرياني، لـ"العربي الجديد"، إن أسعار النقل من غريان إلى طرابلس تبلغ 50 دينارا للراكب الواحد، مقارنة بخمسة دنانير فقط قبل شهر رمضان.
وأضاف أن سبب ارتفاع الأجرة يرجع إلى بعد المسافة عبر الطرق الفرعية الجديدة التي نسلكها بسبب الحرب، فضلا عن نقص البنزين بالمدينة.
ولم تفلت الخدمات الصحية من موجة الغلاء، إذ رفعت العيادات الخاصة أسعارها، حيث يبلغ سعر كشف المريض 30 ديناراً، وفقا للمواطن سالم الفطيسي، لـ"العربي الجديد".
ويترافق هذا الوضع المتأزم لمعيشة الليبيين مع ارتفاع الأسعار بنسبة 9.2 في المائة عام 2018، وتوقع ارتفاع التضخم خلال عام 2019 إلى 15 في المائة، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي.
وحسب تقارير رسمية، تنفق ليبيا سنوياً 30 مليار دولار لتغطية الإنفاق العام، من دعم ورواتب ونفقات حكومية، ويبلغ الحد الأدنى للأجور 450 دينارا (321 دولاراً).
وتمثل سيطرة قوات حكومة طرابلس على غريان ضربة كبيرة لقوات شرق ليبيا بقيادة حفتر، والتي كانت قد بدأت في الرابع من إبريل/نيسان الماضي هجوما للسيطرة على طرابلس من الحكومة المعترف بها دوليا.
وتتعرض مناطق جنوب العاصمة، منذ أكثر من 80 يوما، إلى هجمات عسكرية من قبل قوات تابعة لحفتر، فيما تبادلها قوات حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا الاشتباك.
وتسبب هجوم حفتر في إحباط خطط قادتها الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في ليبيا بعد سنوات من الصراع الذي قسم البلاد وأدى إلى تراجع مستويات المعيشة وتدهور جميع المؤشرات الاقتصادية.
واتخذت ليبيا منذ عام 2015 عدة إجراءات تقشفية، بسبب تراجع احتياطي النقد الأجنبي وتدني إنتاج النفط، وارتفاع عجز الموازنة العامة، مع انحسار مصادر الدخل. وتغطي عائدات النفط نحو 95% من إجمالي الإيرادات المالية للبلاد.
وبلغت قيمة واردات ليبيا عام 2013 حوالي 32.2 مليار دينار ليبي (23 مليار دولار)، لتنخفض هذه القيمة تدريجياً عاماً بعد آخر إلى أن وصلت في عام 2017 إلى 8.1 مليارات دينار (5.8 مليارات دولار)، ثم ارتفعت بنسبة 18 في المائة في 2018.