تدفع الليرة اللبنانية أثماناً باهظة للصراعات السياسية المحتدمة على خلفية محاربة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة، وكذلك الانهيار الاقتصادي الحاصل، والضغوط التي عادت إلى الشارع وسط مواجهات أمنية خطرة، ليسجل سعر صرف الدولار الأميركي اليوم 4200 ليرة عند الصرافين، رغم قرار مصرف لبنان تحديد الدولار عند 3200 ليرة حداً أقصى لدى شركات الصرافة، مع أن السعر الرسمي لا يزال أعلاه 1515 ليرة.
في السوق السوداء، سجل سعر صرف الدولار الأميركي 4200 ليرة حداً أقصى للشراء، وبمتوسّط بلغ 4100 ليرة، وفقاً لتطبيق "ليبانون ماركتس" الذي يرصد أسعار التداول في العاصمة والمناطق، فيما بلغ سعر الدولار 4100 ليرة حداً أقصى للمبيع، وبمتوسّط 4 آلاف ليرة.
يأتي ذلك في وقت استعاد الشارع نبضه، رغم تدابير الحجر المنزلي، في مواجهة التدهور المعيشي والغلاء الذي فاق كل التوقعات، ولا سيما مع حلول شهر رمضان المبارك.
ويتعزّز دور السوق السوداء عند الصرافين، مع استمرار قيود السحب النقدي من المصارف، التي أعلنت جمعيتها، اليوم الثلاثاء، أنها أنشأت، كما وعدت، مركز استعلام هاتفي لتلقي شكاوى ومراجعات المواطنين في تعاملاتهم مع البنوك.
وقالت الجمعية، في بيان، إنها تضع هذا المركز بتصرّف المواطنين ضمن دوام العمل الرسمي للجمعية (الثامنة والنصف صباحاً - الثانية ظهراً)، علماً أنه يبقى بإمكان زبائن جميع المصارف التواصل مباشرةً مع مصارفهم عبر مراكز الاستعلام العائدة لهذه المصارف.
وقرابة منتصف ليل الاثنين - الثلاثاء، كانت الجمعية قد أصدرت بيانا أعلنت فيه إقفال جميع مقرات وفروع المصارف في مدينة طرابلس (شمالاً)، ابتداء من اليوم الثلاثاء إلى حين استتباب الأوضاع الأمنية فيها، حفاظاً على أرواح الموظفين والزبائن، وذلك "بسبب الاعتداءات وأعمال الشغب الخطيرة التي تتعرّض لها فروع المصارف في عاصمة الشمال".
وفي وقت سابق أمس، أدانت الجمعية "شتّى أنواع الاعتداءات، وبخاصة عمليات التفجير والتخريب التي تعرّضت لها فروع بعض المصارف يوم أمس (الأحد) في عدد من المناطق اللبنانية، وما رافقها من تهديدات شخصيّة طاولت بعض رؤساء وأعضاء مجالس إدارات المصارف".
واعتبرت أن "ليس من شأن هذه الأعمال الإجرامية المُدانة، والمهدّدة للاستقرار الأمني ولسلامة موظفي القطاع، أن تسهم أو تعجّل في حلّ المشكلات المالية والنقدية التي تعانيها البلاد في هذه المرحلة الصعبة، ولا سيما تمكين المصارف من استئناف عملها الطبيعي وتلبية حاجات زبائنها".
غير أن البيانات لم تُلغ الحراك ضد المصارف، حيث أضرم عدد من الشبان المحتجين في مدينة طرابلس، اليوم الثلاثاء، النيران في عدد من فروع المصارف في منطقة التل مقابل مستشفى شاهين، وأقدموا على تكسير بعض واجهاتها، قبل أن تحضر عناصر من الجيش إلى المكان حيث ألقت قنابل مسيلة للدموع لتفريق المحتجين وإعادة الوضع إلى طبيعته.
الهيئات الاقتصادية
ومع ما أدت إليه الخلافات السياسية من تأزيم أكثر للأوضاع، عقدت الهيئات الاقتصادية اجتماعا استكملت فيه مناقشة الورقة التي تعدها، والتي تتضمن اقتراحات الهيئات وملاحظاتها على برنامج الحكومة للإنقاذ المالي.
وسألت الهيئات في بيان:"اليوم، وبعد أعوام طويلة من الصراعات والخلافات والتجاذبات والتعطيل، أقله منذ العام 2005، دفع ثمن خسائرها غالياً الاقتصاد والمواطن والوطن، ألم يحن الوقت كي نتعلم من دروس الماضي وعبره؟"، مشيرة إلى أن "البلد مستنزف جراء أزمات ومشكلات وصراعات مزمنة، أبرز مظاهره: اقتصاد منهار، مؤسسات متهالكة، عملة وطنية في مهب الريح، بطالة مستشرية، فقر وعوز دخلا إلى الأكثرية الساحقة من بيوت اللبنانيين".
وانتهت الهيئات إلى مناشدة "رئيس الجمهورية، ورئيسي مجلس النواب والحكومة، الدفع باتجاه البدء فورا بالإجراءات الكفيلة بولوج عملية الإنقاذ الفعلية، ولا سيما البنود الإصلاحية الكثيرة التي أقرتها الحكومتان الحالية والسابقة، والتي تشكل مطلبا للمجتمعين المحلي والدولي، لأن التأخير وإضاعة الوقت سيراكمان الخسائر وسيقلصان من إمكانية الإنقاذ".
وحذرت من "التعرض واستهداف القطاعات الاقتصادية على اختلافها، لأنها ليست المشكلة إنما تشكل أساس الحل للعودة الى طريق التعافي والنهوض والنمو وخلق فرص العمل".