تعيش محافظة الجوف، شمال شرق اليمن، في وضع مأساوي نتيجة اشتداد المعارك في أغلب مناطقها منذ أسابيع، والتي تسببت في تفاقم الأزمة الإنسانية، وخلقت أزمة غذائية حادة نتيجة إغلاق الطرقات والممرات المؤدية إلى المحافظة.
ويبدي كثير من السكان حيرتهم مما يدور في هذه المنطقة اليمنية التي لم تتوقف فيها المعارك منذ بداية الحرب التي اشتعلت في 2015، إذ تختلف طبيعة الصراع الدائر فيها عن بقية المحافظات، مع تداخل الأطماع الاقتصادية لمختلف أطراف الحرب، وما تشكله المحافظة المحاذية للربع الخالي من أهمية كبيرة للسعودية التي تشن مع الإمارات حربا ضد الحوثيين منذ 5 سنوات.
وتسبب القتال الدائر في الجوف في موجة كبيرة من النزوح من المحافظة التي تعاني أصلا من الإهمال التنموي الشديد منذ عقود، بالإضافة إلى تدمير واسع النطاق للبنية التحتية الخدمية بها.
إغلاق منافذ التجارة
تم عزل الجوف مؤخراً بعد قطع الاتصالات عنها، إلى جانب محدودية برامج الإغاثة المحلية والدولية التي تستهدف مواطنيها المتضررين من الحرب، وقطع الطرق الآمنة التي تشكل الشريان الحيوي لنقل البضائع والسلع إليها، وتوريد منتجاتها الزراعية إلى بقية المناطق اليمنية.
ويتحدث مدير الغرفة التجارية في محافظة الجوف، عبد الحكيم سيلان، في حديث مع "العربي الجديد"، عن شلل تام أصاب الحركة التجارية ومختلف الأعمال في المدينة، وإغلاق أغلب المنافذ والخطوط التجارية التي تربط المحافظة ببقية المحافظات والمناطق الأخرى، ومنها الخط الرئيسي القادم من منطقة الوديعة على الحدود السعودية، وتحويله باتجاه "مأرب - البيضاء - ذمار".
ولم يتبق، حسب سيلان، سوى خط محدود "عمران - الجوف" والذي لا يستطيع تغطية كل متطلبات حركة السلع والبضائع لكافة مناطق الجوف.
تعطيل الثروات
وتستعر الحرب في هذه المحافظة بسبب مركزها الاستراتيجي وموقعها الجغرافي المحاذي للربع الخالي، إذ عملت السعودية جاهدة على منع الحكومة اليمنية من إجراء أي أعمال استكشاف وتنقيب في الجوف، بخلاف بقية محافظات اليمن الشرقية، ضمن نطاق القطاع 18 النفطي التابع لشركة صافر الحكومية.
ويقول الخبير النفطي عبد الله الواسعي، إن الثروة النفطية والغازية في اليمن تتركز في المناطق الشرقية من البلاد في محافظات مأرب والجوف وشبوة وحضرموت. لكن تبقى الجوف لغزا كبيرا، كما يؤكد الواسعي لـ "العربي الجديد"، حيث ظلت في معزل عن توجهات وخطط اليمن في الاستكشافات النفطية، رغم أن شركة صافر كانت قد دشنت أعمال حفر قبل الحرب، وكانت هناك نتائج للتوصل إلى كمية مناسبة من النفط تقدّر بحوالي 20 ألف برميل يومياً، لكن الحرب أوقفت أعمال الحفر والتنقيب.
وانهار إنتاج اليمن من النفط منذ عام 2015، وأدت الحرب إلى كبح إنتاج الطاقة وإغلاق مرافئ التصدير. وكان اليمن ينتج حوالي 127 ألف برميل يوميا في المتوسط قبل الحرب في 2014.
وحسب تقارير رسمية، يعتبر النفط المحرك الرئيسي لاقتصاد اليمن، ويمثل 70% من موارد الموازنة، و63% من الصادرات، و30% من الناتج المحلي، وتمثل عائداته نسبة كبيرة من موارد النقد الأجنبي.
ويوضح الواسعي أن السعودية منعت اليمن في العقدين الماضيين من إجراء أي بحوث وأعمال استكشافية في الجوف، وعرقلت أي استفادة من ثروات هذه المحافظة الشرقية أسوةً بالمحافظات المجاورة.
ووقّعت السعودية واليمن عام 2000 في مدينة جدة اتفاقية شاملة لترسيم الحدود، اعترض عليها كثيرون في اليمن، ونص أحد بنودها على عدم التنقيب عن النفط والغاز واستخراجهما في منطقة تبعد 40 كيلومتراً عن الحدود، إلا بموافقة كلا الجانبين.
كما تضمنت الاتفاقية بنداً يقضي بتبادل المعلومات المتعلقة بالثروات النفطية في المناطق الحدودية، لم تلتزم بها السعودية، حيث رد مسؤولو المملكة على مذكرة احتجاجية رفعتها وزارة النفط اليمنية عقب توقيع الاتفاق بفترة وجيزة بأن وزارة النفط في السعودية ستقوم بتزويد اليمن بالمعلومات بشأن النفط والمعادن الموجودة في الأراضي الحدودية، بموجب "اتفاقية جدة" لترسيم الحدود. إلا أن الأمر لم يتم ولم تفِ السعودية بتعهداتها في هذا الشأن، حسب مسؤولين ومراقبين يمنيين.
في هذا السياق، قالت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد" إن السعودية عرقلت أي خطط يمنية للقيام باستكشافات نفطية في المحافظة المحاذية للمملكة، خوفاً من التأثير على مخزونها النفطي في الربع الخالي.
وأضافت المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، أنه كان هناك اتفاق على فترات متعددة منذ الثمانينيات إلى مطلع الألفية بين الحكومة اليمنية وشركة هنت الأميركية للتنقيب عن النفط في محافظة الجوف ضمن قطاع "مأرب الجوف" النفطي، لكن العملية توقفت أكثر من مرة بسبب تعثّر وصول تلك الشركات للتنقيب إلى المواقع المحددة في مناطق الجوف اليمنية، على الرغم من وجود عشرات الآبار النفطية في الحدود الموازية لها في المناطق السعودية.
في هذا الإطار، طالب مسؤول محلي في الجوف، تحدّث لـ "العربي الجديد"، بضرورة إزاحة التعتيم عن حقيقة ثروات الجوف النفطية وسبب عزلها عن خارطة الاستكشافات النفطية اليمنية في المناطق الشرقية.
وحسب المسؤول المحلي، الذي رفض ذكر اسمه، فإن كل ما يعرفه الناس الذين أنهكتهم الحرب والصراع الدائر في الجوف ما تركته شركات أجنبية مرت من مناطقهم لاستكشاف النفط وبقي أثرها في أماكن عديدة تثير حيرة وتساؤل سكان الجوف عن الهدف من تعطيل استثمار ثرواتهم.
صعوبة التنقل والمعيشة
يتحدث المواطن أحمد شريف العجاجي، وهو من أعيان الجوف، قائلاً: "نشعر وكأن لعنة أصابتنا في الجوف منذ مدة طويلة، وليس في هذه الحرب الراهنة إلا مزيد من الأزمات لنا".
وقال العجاجي لـ "العربي الجديد": نجد صعوبة في التنقل والحصول على السلع الاستهلاكية والاحتياجات الغذائية بسبب العزلة التي تعيشها المحافظة المتباعدة مناطقها، ومحدودية المراكز التجارية العاملة فيها، وكذا محدودية المشاريع التنموية، حيث تعمّد النظام السابق، كما يقول، إهمال الجوف واستثناءها من أي مشاريع تنموية واقتصادية، وإغراقها بالصراعات القبلية لأسباب غامضة رغم إمكانياتها الاقتصادية الهائلة.
ومع اشتداد المعارك في المحافظة منذ نحو شهر، تجد المنظمات الإغاثية والقطاعات التجارية صعوبة كبيرة في التعامل مع المشاكل الإنسانية والغذائية التي تجتاحها الجوف، بسبب التعقيدات الجغرافية التي تعاني منها، سواءً من ناحية تصميم وتنفيذ برامج إغاثية وممرات إنسانية آمنة لمناطقها المختلفة شديدة الوعورة، أو من ناحية التناثر الجغرافي والسكاني المعقد، كما يصفه المسؤول في المنظمة اليمنية للتنمية الاقتصادية (منظمة مستقلة)، فهمي العباسي.
ويرى العباسي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الجوف محافظة واسعة تعد الثانية من حيث المساحة في اليمن بعد حضرموت وتشكل ما نسبته 2.5% من سكان اليمن. ويقول إن أغلب سكانها يشتغلون في الزراعة وتنقلاتهم محدودة في اليمن، لهذا يجدون صعوبة بالغة في النزوح بسبب الحرب الدائرة حالياً والتي نالت كثيراً من أعمالهم وحقولهم، وأجبرت بعضهم على النزوح بشكل محدود إلى المناطق القريبة والمجاورة، مثل مأرب شرقاً وعمران شمالاً.
وتشكل المحاصيل الزراعية في الجوف ما نسبته 4.9% من إجمالي الإنتاج الزراعي في اليمن، ومن أهم محاصيلها الحبوب والخضروات والفواكه والأعلاف.
وأدت الحرب الدائرة في اليمن منذ خمسة أعوام إلى نزوح نحو 4 ملايين شخص مازالوا مشردين منذ بداية النزاع، حسب تقرير أممي حديث.
ووفق التقرير الصادر الأسبوع الماضي عن صندوق الأمم المتحدة للسكان، فإنه مع دخول النزاع عامه الخامس لا يزال اليمن يمثل أسوأ أزمة إنسانية في العالم مع مستويات مذهلة من الاحتياجات الإنسانية، مؤكداً حاجة 80% من السكان، أي نحو 24.1 مليون شخص، إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية العاجلة.