امتص الاقتصاد التركي، محاولات إرباكه عبر عقوبات واشنطن التي فرضتها وزارة الخزانة الأميركية أول من أمس، على وزارتي الدفاع والطاقة التركيتين، بالإضافة إلى 3 وزراء، بسبب العمليات العسكرية لأنقرة في سورية.
وتماسكت الليرة رغم المخاوف التي أصابت المستثمرين من التوترات العسكرية والعقوبات الأميركية، كما كشفت بيانات رسمية عن تحسن الاستثمارات الأجنبية في تركيا.
وتترقب الأسواق التركية التطورات السياسية والعسكرية المقبلة وأبرزها نتائج زيارة مسؤولين كبار من واشنطن منهم مايك بنس، نائب الرئيس الإميركي، إلى أنقرة، إذ إنه في حالة التوصل إلى حلول مشتركة ستتحسن الأسواق، أما في حالة فشل المفاوضات بين الجانبين يتوقع أن توسع أميركا عقوباتها على أنقرة، حسب مراقبين لـ"العربي الجديد".
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أمس، إن بلاده سترد على العقوبات التي فرضتها واشنطن بسبب العملية العسكرية التركية في شمال شرق سورية، مضيفا أن جميع التهديدات والعقوبات على أنقرة غير مقبولة.
وذكر أوغلو أيضا، في كلمة بالبرلمان، أن تركيا تتوقع من الكونغرس الأميركي التراجع عن "نهجه المدمر"، مضيفا أن العلاقات بين أنقرة وواشنطن تمر بمنعطف خطير.
استقرار الليرة
وعلى عكس المخاوف من تداعيات التوترات العسكرية والعقوبات الأميركية السلبية على الأسواق التركية، تماسكت الليرة منذ بدء عملياتها في سورية الأربعاء قبل الماضي، إذ تراجعت بصورة ليست كبيرة، في بداية العمليات قبل أن تعود للتحسن. وبلغ سعر العملة التركية، أول من أمس، نحو 5.92 ليرات مقابل الدولار، وتعافت في التعاملات المبكرة أمس الأربعاء، لترتفع إلى نحو 5.90، ما يعد دليلاً على متانة وقدرة الاقتصاد التركي، على تخطي التوترات العسكرية والعقوبات الأميركية، حسب مراقبين لـ"العربي الجديد".
وقال محمد كامل ديميريل، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في إسطنبول، لـ"العربي الجديد" إن تأثير العقوبات الأميركية على الأسواق التركية لم يكن "جديراً بالذكر"، بل أثبت اقتصاد البلاد أنه لا يوجد أسباب اقتصادية أو مؤشرات سلبية تبرر هبوط الليرة، فرأيناها تحسنت، صباح أمس، بعد أن تراجعت بنحو 2%، أول من أمس، كردة فعل مباشرة بعد انتشار خبر العقوبات والتصريحات والوعيد الأميركي.
وأضاف: طاول التحسن البورصة أيضاً، لترتفع من 92 ألف نقطة أول من أمس، إلى 94.5 ألف نقطة أمس، وما زاد من طمأنة الأسواق المؤشرات الإيجابية التي ظهرت مؤخرا ومنها استقطاب رأس المال الأجنبي بنسبة 11%، خلال الشهور الثمانية الأولى من العام الجاري، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وأكد ديميريل أن تركيا استعدت جيدا لمثل هذه المواقف والأزمات، إذ استحدثت قانون التجنيس مقابل شراء عقار بـ250 ألف دولار بدلا من مليون دولار، ومن المتوقع أن تزيد عوائد العقارات 31% هذا العام مقارنة بالعام الماضي.
كما تتم دراسة تحفيز الاستثمارات طويلة الأمد سواء في الطاقة أو الصناعات العسكرية الدفاعية، وعلى الأرجح، لن تثني الأحداث الجديدة، المصرف المركزي عن تخفيض ثالث لأسعار الفائدة، حسب ديميريل، متوقعا أن يصل سعر الفائدة إلى 11%، في ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
فضلاً عن دعم رأسمال وسيولة المصارف الحكومية" وغيرها من الإجراءات، حسب مدير مركز الدراسات، الذي يرى أن جميع المؤشرات الاقتصادية، تدعو للطمأنة، فالصادرات تؤشر لزيادة بنحو 12% على أساس سنوي ومتوقع أن تتعدى 170 مليار دولار نهاية العام.
عقوبات الطاقة
وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على 3 وزارات تركية منها الطاقة، ردا على الهجوم التركي في شمال شرق سورية. والطاقة من القطاعات الاستراتيجية بالنسبة للاقتصاد التركي إذ ترتبط شركتان وطنيتان بالوزارة. تديرالأولى، بوتاش، البنية التحتية التركية لنقل الغاز وهي طرف في عقود استيراد الغاز. والثانية شركة تباو النفط الوطنية، بالإضافة إلى العديد من شركات الطاقة الأخرى وسفن التنقيب.
وكانت شركة بوتاش للطاقة استوردت 85% من احتياجات تركيا من الغاز الطبيعي العام الماضي. ولدى الشركة طرف في عقود استيراد الغاز عبر خطوط الأنابيب طويلة الأجل مع روسيا وأذربيجان وإيران فضلا عن عقود طويلة الأجل لاستيراد الغاز الطبيعي المسال مع نيجيريا والجزائر. وتستورد الشركة أيضا الغاز الطبيعي في السوق الفورية من عدد يصل إلى 13 دولة من بينها الولايات المتحدة وقطر.
ويرتقب أن تكون تأثيرات العقوبات الأميركية على هذا القطاع طفيفة، حسب الاقتصادي التركي، خليل أوزون، لـ"العربي الجديد"، إذ يقول إن أثر العقوبات سيكون محدوداً، نظراً لمحدودية العلاقات التركية الأميركية بهذا الجانب، بل إن معظم الاتفاقات والشراكات بقطاع الطاقة مع أوروبا، وفي مقدمتها ألمانيا التي دخلت عبر شركة سيمنس بأكثر من مليار دولار بالقطاع، وأيضاً مع روسيا عبر المفاعل النووي في "مرسين" ومع كوريا الجنوبية واليابان بالمفاعل النووي في "سينوب".
ويضيف أوزون: تأخذ تركيا بالاعتبار التحرر من الاستيراد بقطاع الطاقة، وتسعى للاكتفاء الذاتي فيه 100% عام 2023 وهي تنتج حاليا نحو 40% من استهلاكها.
ويستدرك الاقتصادي التركي: لطالما طاولت البلاد عقوبات أميركية أحادية، فلا مزيد من التخوف، ولكن إن امتدت إلى أطراف ثالثة، أي الدول التي تتعاون وتتشارك مع تركيا بهذا القطاع، أو توسعت العقوبات، فحينها ستكون هناك آثار كبيرة.
ويلفت إلى أن الاستثمارات ورغم محاولات التضييق على تركيا واستهداف اقتصادها وعملتها منذ سنوات، إلا أن تدفق رأس المال الأجنبي، لم يتأثر، مبرراً ذلك باتساع السوق التركية، وما تقوم به الحكومة من تشجيع للاستثمار عبر التسهيلات والإعفاءات وتقديم منح للقطاع الأجنبي. كما أن لموقع تركيا الجغرافي وإطلالها على منافذ بحرية دولية والتصدير إلى مختلف دول العالم، كل ذلك يجعل تركيا مغرية وجاذبة للاستثمار، وربما العقوبات الأميركية تشجع رأس المال الصيني والروسي والإيراني على زيادة الاستثمار في البلاد، حسب أوزون.
جذب الاستثمارات
أكدت مؤشرات رسمية تم نشرها، أمس، ارتفاع استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية، إذ جذبت تركيا استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 4 مليارات و282 مليون دولار، خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني إلى أغسطس/ آب من العام الجاري، في مؤشر على ثقة رؤوس الأموال الأجنبية بالاقتصاد المحلي.
ووفق بيانات البنك المركزي التركي، شهدت نسبة تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى تركيا، في الفترة من يناير/ كانون الثاني إلى أغسطس/ آب، ارتفاعا بنسبة 11 بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وتظهر البيانات قدرة تركيا على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، رغم التحديات الاقتصادية التي واجهتها اعتبارا من أغسطس/ آب 2018، وأثرت على العملة المحلية ونسب التضخم، قبل أن تعاود تسجيل استقرار تدريجي.
وتبلغ حصة بلدان تكتل الاتحاد الأوروبي من الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى تركيا، خلال الفترة المذكورة نحو 2.3 مليار دولار بنسبة 53.7 بالمئة. وكانت بلدان القارة الآسيوية ثانيا بعد الاتحاد الأوروبي، بقيمة 1.7 مليار دولار تشكل نسبتها 39.7 بالمئة، وفق بيانات البنك المركزي.
وحضرت الولايات المتحدة في قائمة المستثمرين الأجانب داخل تركيا خلال أول 8 شهور من 2019، بقيمة استثمارات 306 ملايين دولار، ونحو 31 مليون دولار قدمت من القارة الأفريقية. ومن ناحية ترتيب البلدان، تصدرت المملكة المتحدة وقطر وأذربيجان وهولندا واليابان، قائمة البلدان التي أقامت استثمارات أجنبية مباشرة في تركيا، خلال الشهور الثمانية.