الهويات الفرعية والهوية الجامعة

11 مايو 2017
ضرورة الوصول إلى الانفتاح المتبادل (فرانس برس)
+ الخط -


يقول الأمير الأردني الحسن بن طلال إن الهوية العربية، في الوقت الراهن، تتعرّض لخطر شديد، فقد بدأت كلمة "العربية" تغيب عن الكتابات الإعلامية، وتحل مكانها ألفاظ مثل الأمازيغية، البشمركة، القبطية، وبمفهوم أوسع المسيحية، والسنية، والشيعية، وغيرها.

ويقول إن المشكلة ليست في وجود هذه التقسيمات، ولكن كونها أصبحت بديلاً عن الهوية الجامعة لهؤلاء، وهي الهوية العربية. 

ولم يقتصر الأمر، بالطبع، عند هذا التوصيف الاستاتيكي، بل أصبح توصيف الناس بهوياتهم الفرعية يكتسب هوياتٍ سياسية، وصلت إلى حد التحارب والقتال، ما زاد من تمسّك كل طرفٍ بهويته الفرعية، لأنها الحامية له والضامنة لبقائه حيال احتمالات الهجوم والقتل من أهل الهوية الفرعية الأخرى.

ومع الوقت، تطور الأمر إلى حروبٍ شرسة، قد تطول لأجيال، لأن الصراع صار بين دول، فالمملكة العربية السعودية، ومعها معظم دول الجزيرة العربية وأهلها، في حرب غير مباشرة مع الشيعة.

وفي اللقاء الأخير الذي أجرته بعض المحطات السعودية الرسمية والخاصة مع ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، أكد فيه صراحة أن المذهب الجعفري الاثني عشري يكفّر أهل السنة، ويسعى إلى استبدال مذهبهم بمذهب يؤمن بولاية الفقيه.

ومما زاد من الشرذمة الحاصلة خطورة أنها بدأت تتمحور في سورية والعراق داخل مناطق لكل أهل مذهب أو أصحاب إثنية واحدة.

هذا التمحور الجغرافي لكل طائفةٍ يهدّد بالانقسام، حيث إن بسط هيمنة كل واحدةٍ منها على جغرافيا تقول إنها لها يعني استمراراً في الحروب، وفرض الترحيل القسري على الناس، ومن ثم قتل آلاف المعارضين لهذا الأمر.

وإن استمر الحال على حاله فسوف تنتهي هاتان الدولتان وغيرهما بدويلاتٍ أو مناطق حكم ذاتي، يفرّقها تاريخ الدم، والرغبة في الثأر، والاستعداد لحروب مستقبلية.

لقد قيل إن الربيع العربي الذي بدأ عام 2010، وتحول إلى حروب أهلية وإقليمية ودولية، قد أتى نتيجة إهمال حقوق الأقليات في أن يكون لهم موقع محدّد يمارسون فيه حياتهم وشعائرهم باستقلالية.



وقد يكون من المفيد أن نعترف أن الأقطار العربية قد قصرت أحياناً في حق المكونات السكانية الأقل عدداً. أو أن الأقليات التي حكمت لم تعط الأكثرية حصتها العادلة في صنع القرار، ولكن هذا لا يعني أن الحل البديل هو "سايكس بيكو" جديد يخلق كيانات فرعية تدين كل واحدة منها لدولة إقليمية، أو لدولة عظمى. 

وإذا انطبق هذا الحال على الواقع القادم، فكيف ستمارس دويلات الطوائف واجبها في خدمة مواطنيها، طالما أنها أضحت مستعمرة خاضعة لنفوذ خارجي يمنعها من التعامل أو المصالحة مع دويلة جارة لها من طائفةٍ أخرى وخاضعة لنفوذ دولة إقليمية أو عظمى مختلفة؟

ولذلك، فإن الأمير الحسن يرى من واجبه، كمفكر عربي، أن يستنهض بالفكر أصحاب التأثير في الرأي العام العربي، من أجل البحث عن حلولٍ أخرى. فهو لا يؤمن أن العرب يعيشون تراجيديا يونانية، مثل أوديب، حيث يسعى العربي إلى تجنب مصيره المحتوم، ولكن بدون فائدة تحت شعار أن الأمة لن تستطيع الفرار من قدرها. بل يؤمن أن الفرصة ما زالت متاحة. وأن أهل الفكر مطالبون باجتراح الحلول، وبثّ الأمل، وإعادة الروح إلى الأمة المظلومة.

ولقد طرح فكرتين في هذا الإطار. تقول الأولى إن العرب المشار إليهم تارة بالشرق الأدنى، وتارة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا (المينا) في أدبيات الغرب وأدبيات العرب اليومية، يجب أن يحصلوا على مسمىً جديد يؤكد هويتهم.

ولذلك، فقد أطلق مشروع (وانا) بدلاً من (مينا)، أو منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا، وهكذا تتأكد الهوية العربية القارية. أما استمرار الإشارة إليهم فقط بالشرق الأوسط، فإنه يضيّع هويتهم عرباً، ويدخل معهم في هذا التعريف دولاً أخرى ليست عربية.

فالشرق الأوسط، أو البديل العربي الذي يقترحه الأمير يجعل العرب جزءاً من غرب آسيا القارّة، والجزء الآخر الأكثر وضوحاً هو في شمال أفريقيا، حيث لا يوجد فيه دول غير عربية. ويطالب أن يستخدم مصطلح (وانا) في نشرات الأمم المتحدة، ويعترف بها كمنطقة عربية مستقلة ضمن التقسيمات الدولية التي تتبناها المنظمات الدولية والإقليمية.



واستكمالاً لهذا المفهوم، فإن الأمير الحسن يطرح مفهوماً آخر، وهو ضرورة أن يتفهم العرب الخصوصية لكل مجموعة دول منهم. بحيث تستطيع أن تتعامل مع بعضها بعضاً بشكل أكثر سلاسة وواقعية. ولذلك، فقد قام بتقسيم الدول العربية إلى خمس مناطق. دول الجزيرة العربية، المشرق العربي، وادي النيل، دول شمال أفريقيا، دول شرق أفريقيا. 

ويؤكد الأمير أن لكل مجموعة من هذه المجموعات جذوراً وترتيبات تضمها، ما عدا دول المشرق العربي، وهي العراق وسورية والأردن ولبنان وفلسطين، والتي يجب أن تنتظم ضمن إطار واضح يمكّنها من التعاون، وخلق هوية تتسع الجميع، وتمنحهم الأمن والأمان، والحقوق الأخرى والحريات الأساسية. ويطالب الأمير المفكرين بأن يضعوا مثل هذا الإطار.
ويكرر الأمير هذه الفكرة في محاضراته.

ويقول إن الجوامع التي يجب أن تنظم عمل الجميع واضحة. الأولى أن اتفاقاً على التعامل داخل كل مجموعةٍ يجب أن يكون واضحاً، فدول المشرق العربي الخمس يجب أن تنفتح على نفسها تجارياً واقتصادياً وديمغرافياً، ولا يطغى فيها كبيرٌ على صغير.

وعليها أن تتفق على أسس واضحة، تسمح لها بإعادة البناء، وتؤكد اتفاقها على الجوامع بدل الفوارق، وتؤمّن لكل مواطنٍ حقه في العيش الكريم وممارسة حرياته الدينية والاقتصادية والسياسية والتعبيرية ضمن حدود احترام الآخرين. وأن تسمح كل دولة للناس بممارسة عباداتهم، ولكنها لا تتبنى ديناً ما أو المفهوم الديني لأي منهم.




المساهمون