عدت من بغداد إلى عمّان، بعدما أمضيت ثلاثة أيام في مؤتمر نظمه مركز الرافدين للحوار بعنوان "الأمن والاقتصاد" تحت شعار "العراق يتعافى". وقد نوقش في جلسات المؤتمر موضوعان رئيسيان: الأمن في العراق، إلى أين وصل؟ وماذا ينتظره من تحديات في المستقبل؟ مثل إدماج الحشد الشعبي في الجيش النظامي.
وركز المؤتمر على البعد الاقتصادي حيث نوقشت مسائل مهمة مثل جذب الاستثمار، والتجارة مع الجوار، وأسلوب حفز الاقتصاد العراقي ليلعب دوراً محورياً في المنطقة.
ولقد مثل الحاضرون الرسميون والمختصون دولا عربية وإسلامية وأجنبية. ومن هؤلاء حسب ما تسعفني الذاكرة كان مندوبون من الكويت والإمارات وسلطنة عُمان ولبنان والأردن ومن تركيا وإيران وماليزيا، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا والصين، وكذلك ممثلون عن منظمات دولية.
أما العراقيون فقد ساهموا بقوة في المؤتمر الذي حضره حوالي مائتي شخص، ولم ينقطع الحضور عن الجلسات مع مرور الوقت. وقد بلغ عدد الجلسات ثمانيَ، وعدد الورش أربعاً، وعدد الجلسات مع القياديين أربعاً كذلك.
وركز الجانب العراقي على أمور هامة، أهمها أن العراق يريد أن يؤكد استقلاليته في القرار، خصوصا عن كل من إيران والولايات المتحدة.
وأثيرت في المؤتمر نقاط منهجية بشأن العلاقات بين المكونات المذهبية.
اقــرأ أيضاً
وتميّز النقاش بالصراحة المطلقة، ففي مداخلة لإحدى الشخصيات الكويتية المعروفة، سعد بن طفله، والذي شغل سابقاً منصب وزير الإعلام ويعمل أستاذاً جامعياً، قال إن المعركة التي دارت في العراق مع الدواعش كانت تحت عنوان الولاية مقابل الخلافة.
وتدخل أحد كبار الحضور من علماء الشيعة ليقول إن الخليفة الوحيد الذي طبّق الشريعة كما وردت في القرآن والسنة المثبتة كان واحداً، أما الثلاثة الآخرون فقد كوّنوا آراء واجتهادات لم تستنبط من المرجعين الأساسيين. وقال إن حرق الدواعش الطيار الحربي الأردني الشهيد معاذ الكساسبة لم يستند إلى القرآن أو الحديث، بل استند إلى عمل قام به الخليفة أبو بكر الصديق.
ومن هنا نرى المذهبية في العراق تحمل في طياتها تعقيدات أيديولوجية، وتفتح الباب على مصراعيه للخلافات المذهبية بين أئمة السنة والشيعة. والتفاوت الكبير في قراءة التاريخ والاختلاف حول المرجعيات، وخصوصا في علم الحديث وأسس القياس والاجتهاد، سيكون مصدر إشكال في المستقبل.
لكن كثيرين من شيعة العراق العرب وكذلك أهل السنة فيه بدأوا يضجرون من هذا النقاش، ويقولون إن استمرار هذا الخلاف العقائدي هو الذي يعطي لإيران العذر للبقاء في العراق، والتأثير على سياساته، والحفاظ على الحشد الشعبي كما هو.
وقد ردّ أحد المتحدّثين العراقيين بأننا لا يمكن أن نسمح بالتفريط بالحشد الشعبي، أو المساس بكيانه منظمة مستقلة، ولولا هذا الحشد الذي أصدر آية الله السيستاني فتوى بإنشائه، والتحميس للانخراط فيه، لما انتصر العراق على الإرهاب، ولاستولى الدواعش عليه.
اقــرأ أيضاً
ورفض مسؤول في الحكومة العراقية ذلك. وقال إن الحشد قد وجد لغاية، والغاية قد انتفت. إضافة إلى ذلك، فإن موازنة الحشد تبلغ عشرة مليارات من الدولارات، وإن الشعب العراقي يدفع هذه الأموال، ومن حق ممثليه في مجلس النواب أن يسألوا كيف تنفق.
ويبدو أن هذه القضية تشكل محور الصراع بين الحكومة برئاسة عادل عبدالمهدي التي تسعى إلى أن تعيد تنظيم المؤسسات العراقية كلها ضمن إطار مؤسسي واحد، تسمح بإصدار قوانين واضحة، وتشريعات استثمارية تنموية، ويمكن العراق الغني بموارده من تكريس هذه الموارد لجعل العراق اقتصاداً متنوعاً يُدهش وبين المعارضين لذلك.
وعلى العراق ديون كبيرة تصل إلى حوالي 150 مليار دولار معظمها داخلي، والخارجي منها يقارب خمسين ملياراً، أو ما يساوي 25% من الناتج المحلي الإجمالي.
ولكن دخل العراق من العملات الأجنبية يصل إلى 99% من مصدر واحد، وهو النفط. وحيث إن دخل النفط يذهب إلى الموازنة العامة، ويشكل حوالي 90% منها، فقد حققت الموازنة فائضاً يساوي 26 مليار دولار العام الماضي (2018).
وبدا الصراع الغربي الإيراني في العراق واضحاً، فالدول الغربية تقول إن الذي حمى العراق من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) هو قوات مكافحة الإرهاب بقيادة الفريق عبد الوهاب الساعدي الذي قدّم مداخلة بيّن فيها ما فعلته قواته في استعادة الموصل والفلوجة وتكريت. ويبدو أنها كبّدته منصبه بعد ذلك بقليل.
وقال إن المساندة الجوية من قوات الحلفاء هي التي دعمت عمله، ومكّنته من أن يحقق نتائج مهمة. ولكن نائب البرلمان المتحيز لإيران قال إن الحشد الشعبي هو الذي عكس المعركة. ونظر إلى الفريق الساعدي قائلاً له: "هل سمعت التصفيق الذي قدّمه الجمهور لك لأنك دافعت عن وطنك. ولكن الحشد الشعبي يستحق التصفيق نفسه وأكثر".
المشكلة أن للعراق طموحات في زيادة إنتاج النفط إلى 6.5 ملايين برميل يوميا، وبناء أنابيب خاصة عبر الأردن لتصديره. وله طموحات بحل مشكلة الكهرباء والربط مع الأردن والسعودية والكويت. ويريد تنمية إنتاجه وزيادة إنتاج صناعاته واستثمار إمكاناته الزراعية والسياحية والمعدنية.
ولكن القصة أن هذا الاعتراك الداخلي يجب أن ينتهي. والعراقيون واعون تماماً أن من حاربوا الإرهاب معه يريدون أن يستعيدوا كلفهم. ويريد العراقيون أن تنتهي الحروب بالإنابة في بلدهم، والتخلص من هذه الجدليات المذهبية، وأن يعطوا الفرصة لإعادة التفاوض مع إيران وخروجها من العراق، ومع تركيا لتخرج قواتها من الشمال، وتعطيهم نصيبهم العادل من مياه دجلة والفرات.
العراق الآن أكثر أمناً، وعلى الرغم من تعقيداته بدأ يتعافى. وهو بحاجة ماسّة إلى دعم من جيرانه العرب، وجرأة أكثر في الدخول إليه ودعمه. وسيجدون أن غالبية الشعب هنالك تقف معهم وتساندهم.
ولقد مثل الحاضرون الرسميون والمختصون دولا عربية وإسلامية وأجنبية. ومن هؤلاء حسب ما تسعفني الذاكرة كان مندوبون من الكويت والإمارات وسلطنة عُمان ولبنان والأردن ومن تركيا وإيران وماليزيا، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا والصين، وكذلك ممثلون عن منظمات دولية.
أما العراقيون فقد ساهموا بقوة في المؤتمر الذي حضره حوالي مائتي شخص، ولم ينقطع الحضور عن الجلسات مع مرور الوقت. وقد بلغ عدد الجلسات ثمانيَ، وعدد الورش أربعاً، وعدد الجلسات مع القياديين أربعاً كذلك.
وركز الجانب العراقي على أمور هامة، أهمها أن العراق يريد أن يؤكد استقلاليته في القرار، خصوصا عن كل من إيران والولايات المتحدة.
وأثيرت في المؤتمر نقاط منهجية بشأن العلاقات بين المكونات المذهبية.
وتدخل أحد كبار الحضور من علماء الشيعة ليقول إن الخليفة الوحيد الذي طبّق الشريعة كما وردت في القرآن والسنة المثبتة كان واحداً، أما الثلاثة الآخرون فقد كوّنوا آراء واجتهادات لم تستنبط من المرجعين الأساسيين. وقال إن حرق الدواعش الطيار الحربي الأردني الشهيد معاذ الكساسبة لم يستند إلى القرآن أو الحديث، بل استند إلى عمل قام به الخليفة أبو بكر الصديق.
ومن هنا نرى المذهبية في العراق تحمل في طياتها تعقيدات أيديولوجية، وتفتح الباب على مصراعيه للخلافات المذهبية بين أئمة السنة والشيعة. والتفاوت الكبير في قراءة التاريخ والاختلاف حول المرجعيات، وخصوصا في علم الحديث وأسس القياس والاجتهاد، سيكون مصدر إشكال في المستقبل.
لكن كثيرين من شيعة العراق العرب وكذلك أهل السنة فيه بدأوا يضجرون من هذا النقاش، ويقولون إن استمرار هذا الخلاف العقائدي هو الذي يعطي لإيران العذر للبقاء في العراق، والتأثير على سياساته، والحفاظ على الحشد الشعبي كما هو.
وقد ردّ أحد المتحدّثين العراقيين بأننا لا يمكن أن نسمح بالتفريط بالحشد الشعبي، أو المساس بكيانه منظمة مستقلة، ولولا هذا الحشد الذي أصدر آية الله السيستاني فتوى بإنشائه، والتحميس للانخراط فيه، لما انتصر العراق على الإرهاب، ولاستولى الدواعش عليه.
ويبدو أن هذه القضية تشكل محور الصراع بين الحكومة برئاسة عادل عبدالمهدي التي تسعى إلى أن تعيد تنظيم المؤسسات العراقية كلها ضمن إطار مؤسسي واحد، تسمح بإصدار قوانين واضحة، وتشريعات استثمارية تنموية، ويمكن العراق الغني بموارده من تكريس هذه الموارد لجعل العراق اقتصاداً متنوعاً يُدهش وبين المعارضين لذلك.
وعلى العراق ديون كبيرة تصل إلى حوالي 150 مليار دولار معظمها داخلي، والخارجي منها يقارب خمسين ملياراً، أو ما يساوي 25% من الناتج المحلي الإجمالي.
ولكن دخل العراق من العملات الأجنبية يصل إلى 99% من مصدر واحد، وهو النفط. وحيث إن دخل النفط يذهب إلى الموازنة العامة، ويشكل حوالي 90% منها، فقد حققت الموازنة فائضاً يساوي 26 مليار دولار العام الماضي (2018).
وبدا الصراع الغربي الإيراني في العراق واضحاً، فالدول الغربية تقول إن الذي حمى العراق من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) هو قوات مكافحة الإرهاب بقيادة الفريق عبد الوهاب الساعدي الذي قدّم مداخلة بيّن فيها ما فعلته قواته في استعادة الموصل والفلوجة وتكريت. ويبدو أنها كبّدته منصبه بعد ذلك بقليل.
وقال إن المساندة الجوية من قوات الحلفاء هي التي دعمت عمله، ومكّنته من أن يحقق نتائج مهمة. ولكن نائب البرلمان المتحيز لإيران قال إن الحشد الشعبي هو الذي عكس المعركة. ونظر إلى الفريق الساعدي قائلاً له: "هل سمعت التصفيق الذي قدّمه الجمهور لك لأنك دافعت عن وطنك. ولكن الحشد الشعبي يستحق التصفيق نفسه وأكثر".
المشكلة أن للعراق طموحات في زيادة إنتاج النفط إلى 6.5 ملايين برميل يوميا، وبناء أنابيب خاصة عبر الأردن لتصديره. وله طموحات بحل مشكلة الكهرباء والربط مع الأردن والسعودية والكويت. ويريد تنمية إنتاجه وزيادة إنتاج صناعاته واستثمار إمكاناته الزراعية والسياحية والمعدنية.
ولكن القصة أن هذا الاعتراك الداخلي يجب أن ينتهي. والعراقيون واعون تماماً أن من حاربوا الإرهاب معه يريدون أن يستعيدوا كلفهم. ويريد العراقيون أن تنتهي الحروب بالإنابة في بلدهم، والتخلص من هذه الجدليات المذهبية، وأن يعطوا الفرصة لإعادة التفاوض مع إيران وخروجها من العراق، ومع تركيا لتخرج قواتها من الشمال، وتعطيهم نصيبهم العادل من مياه دجلة والفرات.
العراق الآن أكثر أمناً، وعلى الرغم من تعقيداته بدأ يتعافى. وهو بحاجة ماسّة إلى دعم من جيرانه العرب، وجرأة أكثر في الدخول إليه ودعمه. وسيجدون أن غالبية الشعب هنالك تقف معهم وتساندهم.