استمع إلى الملخص
- الانقسام السياسي بين الحكومة في عدن والحوثيين في صنعاء أدى إلى انقسام مالي ومصرفي، مع طباعة كميات كبيرة من العملة دون دعم، مما زاد التضخم ونقص السيولة.
- تفاقم الوضع الاقتصادي بسبب قرارات اقتصادية متضاربة وتوقف تصدير النفط والغاز، والحلول المقترحة تشمل وقف الحرب، تحسين إدارة البنك المركزي، وتعزيز الثقة في الاقتصاد المحلي.
أدَّت الحرب التي يشهدها اليمن منذ مارس/ آذار 2015 إلى انهيار الريال اليمني في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية بنسبة 949%، حيث كان سعر الصرف في 2013 يساوي 214 ريالاً مقابل الدولار، ليصل اليوم إلى 2032 ريالاً. يأتي ذلك بالتزامن مع استقرارٍ نسبي لسعر الصرف في مناطق سيطرة الحوثيين، حيث يبلغ سعر الصرف 535 ريالاً مقابل الدولار الواحد. ويؤدي هبوط الريال إلى أزمة معيشية واسعة النطاق تطاول غالبية الأسر، نتيجة هبوط القدرة الشرائية في مقابل الأجور الزهيدة وارتفاع التصخم.
ويعود التفاوت في سعر الصرف إلى الانقسام المالي والمصرفي الذي جاء انعكاساً للانقسام السياسي في البلد الذي تتقاسمه حكومتان: إحداهما في عدن، وهي الحكومة المعترف بها دولياً، وأخرى تابعة للحوثيين في صنعاء. وقد بدأ الانقسام المالي والمصرفي عقب اتخاذ الرئيس السابق عبدربه منصور هادي قراراً بنقل المقر الرئيسي للبنك المركزي اليمني من العاصمة صنعاء إلى عدن في 18 سبتمبر/ أيلول 2016 بهدف الاستقلال المالي، وسحب البساط من تحت أقدام البنك المركزي اليمني في صنعاء والخاضع لسيطرة الحوثيين.
في العام نفسه، طبعت الحكومة المعترف بها دولياً مئات المليارات من الريالات لتمويل نفقات الدولة على القطاعين المدني والعسكري دون توافر موارد مالية من النقد الأجنبي لحماية العملة الوطنية من التدهور والانهيار، وهو ما يعني غياب الرؤية السليمة لإدارة السياسات المالية والنقدية. جاء ذلك في ظل عدم امتلاك البنك المركزي في عدن الأرصدة من العملات الأجنبية لتوفيرها للبنوك وللتجار المستوردين الذين يعتمدون على العملة الصعبة.
الحاجة إلى العملة الصعبة
في 30 مارس 2024، أصدر البنك المركزي في صنعاء التابع للحوثيين عملة معدنية فئة 100 ريال بديلة عن العملة الورقية التالفة لمعالجة نقص السيولة التي يعانيها، ليحذر بنك عدن من التعامل بها لكونها عملة غير قانونية، ويصدر حزمة من القرارات الاقتصادية بعد ذلك بشهر واحد، وتحديداً في 30 مايو/ أيار 2024، حيث تضمنت القرارات وقف التعامل مع ستة بنوك في صنعاء كان قد أمهلها شهرين لنقل مراكزها الرئيسية إلى عدن.
تضمنت حزمة القرارات الاقتصادية أيضاً التوجيه بوقف الكود العالمي (السويفت) عن هذه البنوك، وإلغاء تراخيص العشرات من محلات الصرافة، وإلغاء عدد من الخدمات البنكية الإلكترونية، وإلزام الجميع بتحويل الأموال عبر الشبكة المالية الموحدة. مثلت هذه القرارات ضربة اقتصادية للحوثيين الذين هددوا باستئناف الحرب وضرب المنشآت والمصالح الاقتصادية في المملكة العربية السعودية، ما جعل الأمم المتحدة، عبر المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، تمارس ضغوطاً على قيادة الشرعية للتراجع عن هذه القرارات، وهو ما تم فعلاً في يوليو/ تموز من العام الجاري، حين أعلن المبعوث الأممي إلغاء القرارات والإجراءات ضد البنوك من الجانبين، والتوقف عن أي قرارات أو إجراءات مماثلة مستقبلاً، ضمن ما سُمي باتفاق خفض التصعيد الاقتصادي بين الحوثيين والحكومة اليمنية.
ومن شأن هذا الانهيار في سعر الصرف أن يفاقم حجم الكارثة الاقتصادية في البلد الذي يعيش 80% من سكانه تحت خط الفقر، في ظل تراجع النشاط الاقتصادي في كل القطاعات الإنتاجية والخدمية.
فراغ في السلطة النقدية
وقال أستاذ علم الاقتصاد بجامعة عدن الدكتور يوسف أحمد، لـ"العربي الجديد"، إنه يتعين على الرئاسة اليمنية الإسراع بإعادة تشكيل مجلس إدارة البنك المركزي، لأن ثلاثة من أعضاء مجلس إدارة البنك المركزي لم يعودوا نظرياً ضمن قوام مجلس إدارة البنك المركزي، والمحافظ المعبقي قدَّم استقالته ولا يزال مُصراً عليها، وهناك عضوان خارج القوام من أعضاء مجلس الإدارة، الأول خالد زكريا توفي، والآخر الدكتور جلال فقيرة، الذي عُيِّن سفيراً لليمن لدى الأردن، وهذه المرة حتى يكون هناك دعم حقيقي لمحافظ البنك المركزي الجديد ومجلس الإدارة يؤدي إلى تدعيم احتياطي البنك المركزي، يتعين التوافق مع الأشقاء في المملكة العربية السعودية على شخصية المحافظ الجديد، لأنها هي الجهة الوحيدة التي تستطيع دعم استقرار العملة".
" 90% نسبة اعتماد الاستهلاك المحلي في اليمن على ما يتم استيراده من الخارج، ويتضمن ذلك العديد من السلع الأساسية للأسر، منها المواد الغذائية والتموينية، والأدوية، ومستلزمات أخرى
وأشار أحمد إلى أن حدوث توافق على تعيين محافظ البنك المركزي بموجب اتفاق الرياض من وجهة نظرنا لن يؤدي إلى إحداث نقلة في استقرار سعر الصرف ما لم تكن السعودية موافقة على الترتيبات الجديدة، وهذا طبيعي، فالبلدان المانحة عادةً ما يؤخذ رأيها في أي ترتيبات جديدة في قيادة البنك المركزي والحكومة، والمملكة تقوم بهذا الدور". وأكد أحمد أن الانهيار الحالي في سعر الصرف ناتج عن الفراغ الذي حدث في مجلس إدارة البنك المركزي، وليس ناتجاً عن عوامل اقتصادية.
أسباب انهيار الريال اليمني
وفي هذا السياق، أدت التوقعات المتشائمة لدى الفاعلين في سعر الصرف بشأن قيادة البنك المركزي والفراغ الذي أحدثه غياب المحافظ المعبقي، بالتوازي مع ارتفاع منسوب الإشاعة، إلى استمرار تراجع قيمة العملة الوطنية في مبادلاتها مع الدولار.
مدير فرع البنك اليمني للإنشاء والتعمير بذمار عبده أحمد المخلافي قال لـ"العربي الجديد"، إن انهيار العملة في اليمن ناتج عن مجموعة من الأسباب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المعقدة، وفي مقدمتها الصراع السياسي والعسكري، حيث أدت الحرب إلى تدمير البنية التحتية، وتعطيل الإنتاج والاقتصاد، وهذا الصراع يؤثر على الثقة في الاقتصاد اليمني، ويزيد عدم الاستقرار، وكذلك انقسام البنك المركزي ووجود إدارتين للبنك المركزي (في صنعاء وعدن)، وهو ما يزيد التضارب ويؤدي إلى سياسات مالية غير متسقة.
وأضاف المخلافي أن من أسباب تدهور العملة التضخم المالي من خلال طباعة كميات كبيرة من العملة دون تغطية حقيقية من الاحتياطي النقدي أو الذهب، ما أدى إلى تضخم مالي يقلل قيمة العملة، وكذلك انخفاض الاحتياطي الأجنبي، حيث إن اليمن يعتمد بشكل كبير على الاستيراد، ولكن مع انخفاض الإيرادات (بسبب تعطل إنتاج النفط والغاز، وتراجع المساعدات الخارجية)، تراجع الاحتياطي الأجنبي، وهو ما يؤثر سلباً على سعر الصرف.
ولفت المخلافي إلى تنامي الفساد وسوء الإدارة، وضعف الإدارة المالية، وغياب الشفافية، وهو ما زاد سوء الوضع الاقتصادي وأدى إلى هروب رؤوس الأموال وقلة الاستثمار وتراجع النشاط التجاري والزراعي.
وأكد المخلافي أنه من أجل إيقاف تدهور العملة لا بد من إيقاف الحرب، والبدء بإصلاحات اقتصادية من خلال تحسين إدارة البنك المركزي وتوحيد سياسته بين الأطراف المتنازعة، والعمل على تعزيز الثقة في الاقتصاد المحلي، وضبط إصدار العملة، وتشجيع الاستثمار والإنتاج المحلي، كما يجب إعادة تأهيل القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة والصناعة لتقليل الاعتماد على الواردات وزيادة الصادرات، واستعادة السيطرة على الموارد الطبيعية من خلال إعادة تشغيل قطاع النفط والغاز، بالإضافة إلى ضرورة وجود دعم دولي ومساعدات اقتصادية، حيث يحتاج اليمن إلى دعم دولي ليس فقط في شكل مساعدات إنسانية بل أيضاً في شكل استثمارات لإعادة بناء الاقتصاد والبنية التحتية، والأهم مكافحة الفساد بما يساهم في جذب الاستثمار الأجنبي وزيادة الثقة في الاقتصاد.
قرارات فاقمت الهبوط
يلجأ التجار إلى الصرافين لتوفير العملة الصعبة، كما يسعى البنك المركزي في عدن هو الآخر لتوفير العملات الأجنبية لتمويل نفقات الحكومة، وفي مقدمتها رواتب المسؤولين في الخارج التي يتم دفعها بالعملة الصعبة، مما ساهم في ارتفاع سعر الصرف وتدهور القيمة الشرائية للريال اليمني.
وفاقم من حجم الانقسام المالي والمصرفي إصدار الحوثيين في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2019 قراراً بمنع تداول الطبعة الجديدة من العملة التي أصدرها البنك المركزي في عدن، وحصر التعامل في مناطق سيطرتهم على العملة القديمة، مما تسبب في وجود فارق صرف بين العملتين. وتضاعف احتياج البنك المركزي في عدن للعملة الصعبة مع توقف تصدير النفط والغاز، بعد قيام الحوثيين في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 بالهجوم بطائرات مسيرة مفخخة على ميناء الضبة في محافظة حضرموت، مما أفقد الحكومة الشرعية العائدات المالية من تصدير النفط والغاز التي كانت تدعم خزينتها المالية.
وفي تتبع زمني لأسعار الصرف، وفقا لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء في محافظة تعز، فقد بلغ سعر الصرف 250 ريالا مقابل الدولار في 2015، و350 ريالا في 2016، و402 ريال في 2017، وصولاً إلى 1129 ريالا في 2022، و1372 ريالا في 2023، ليصل اليوم إلى 2032 ريالا.