مأزق لبنان الحكومي يُفقد سنداته جاذبيتها ويستدعي إصلاحاً سريعاً

01 أكتوبر 2018
فشل الحريري بتشكيل حكومته يزيد التحديات خطراً (فرانس برس)
+ الخط -

يُجمع الاقتصاديون على أن لبنان يواجه تحديات مالية واجتماعية شديدة تعزّزت بفعل الخلاف المحيط بتقاسم مقاعد وحقائب الحكومة الجديدة برئاسة سعد الحريري، لكنهم ينقسمون في مدى خطورة ما آلت إليه الأوضاع، خصوصاً بعدما بدأت جاذبية سندات الديون الحكومية تفقد بريقها.

فقد أثارت أسوأ أزمة خلال 10 سنوات تواجهها سندات لبنان مخاوف بشأن ما إذا كانت المصارف المحلية قادرة على مواصلة تمويل الحكومة، ما يزيد الضغوط على القوى السياسية لتسريع تنفيذ إصلاحات.

ففي سبتمبر/أيلول الفائت، ارتفعت تكلفة التأمين على الديون السيادية ضد مخاطر التخلف عن السداد إلى أعلى مستوى منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، ما ينطوي على احتمال تخلف لبنان عن السداد بنسبة تزيد عن 40% في السنوات الخمس القادمة.

لكن كثيراً من الخبراء يصفون هذا السيناريو بأنه مفرط في التشاؤم، ويقولون إن المستثمرين الأجانب يحوزون نحو 11% فقط من الدين العام اللبناني.

وفي السياق، قال مدير وحدة الدراسات في "بنك بيبلوس"، نسيب غبريل: "لا أحد هنا يقول إنه لا توجد تحديات، لكن هناك فارقا كبيرا بين أن تكون هناك تحديات وأن وتواجه خفضا إجباريا لليرة والاتجاه إلى السيناريو اليوناني أو التركي".

ومع ذلك، فإن فرص التوصل إلى حلول للمشكلات الأساسية تبدو بعيدة، بعدما تعهد رئيس الوزراء سعد الحريري في إبريل/نيسان بخفض عجز الموازنة العامة، فيما الإصلاح المالي لا يمكن أن يتم إلا حين تشكيل حكومة، الأمر الذي لا يزال محل جدل بين السياسيين منذ الانتخابات النيابية التي أُجريت في مايو/أيار الماضي.

ويلاحظ رئيس قسم الأبحاث في بنك "بلوم إنفست"، مروان ميخائيل، أنه "حين وجدت الكيانات الأجنبية أن البنوك اللبنانية تبيع محافظها بكثافة، بدأت تتخلى عن محافظها"، بينما أشار أنتوني سيموند من "ستاندرد أبردين" لإدارة الأصول، إلى تحوّل في هيكل حائزي السندات.
وقال سيموند، وهو مدير استثمار يعمل في لبنان: "في السابق، كانت البنوك المحلية تشتري السندات الدولية دائما حتى عندما ترتفع الفائدة عليها. لذا فقد اعتاد لبنان فعليا على أن يتفوق في أدائه عندما تتراجع الأسواق لأنك كنت تجد عروض الشراء تلك كمصدر دعم".

وقبل ما يزيد قليلا عن عامين، كان بحوزة البنوك المحلية ما يقل قليلا عن 20 مليار دولار من السندات الدولية اللبنانية. لكن بحلول يوليو/تموز، بلغت تلك الحيازات ما يزيد قليلا عن 16 مليار دولار، بعد أن انخفضت إلى 13 مليار دولار في إبريل/نيسان، بينما كان إجمالي عبء الديون يرتفع.

وأشار سيموند إلى أن انحسار دور البنوك المحلية كمشتر موثوق للسندات حول انتباه السوق إلى جودة ائتمان لبنان عند تسعيرها لأدوات الدين التي تصدرها.

عجز مالي مستمر

ويعاني لبنان من عجز مستمر في الموازنة وفي ميزان المعاملات الجارية. وتصنف وكالات التصنيف الائتماني البلد عند درجة مرتفعة المخاطر على قدم المساواة مع مصر أو أنغولا، فيما حذرت "ستاندرد أند بورز غلوبال" في أغسطس/آب من أن الديون ستستمر في الصعود من مستويات مرتفعة بالفعل.
وفي يونيو/حزيران، دق صندوق النقد الدولي ناقوس الإنذار، وحض بيروت على إجراء ضبط مالي "فوري وكبير".

الاعتماد على ودائع المغتربين

ومع انخفاض النمو وتضرر المصادر التقليدية للنقد الأجنبي كالسياحة والعقارات والاستثمارات الأجنبية جراء التوترات الإقليمية والحرب الدائرة في الجارة سورية منذ سنوات، يتزايد اعتماد لبنان حاليا على ودائع اللبنانيين المقيمين بالخارج في البنوك المحلية، والتي تعد بمليارات الدولارات.

ويعرض البنك المركزي عوائد مرتفعة للبنوك التجارية التي تودع دولارات لديه، ومنذ منتصف 2016 نفذ البنك سلسلة من العمليات المالية المعقدة شملت مبادلة ديون مع وزارة المالية وعمليات مبادلة مالية مع بنوك، لجمع المزيد من الدولارات بما يساعده في دعم احتياطيات العملة الصعبة لديه.

لكن هذا قلص حجم النقد الأجنبي الإضافي الذي تستطيع للبنوك ضخه في السندات الدولية السيادية.

ويعطي لبنان أولوية لتعزيز احتياطيات النقد الأجنبي لديه دفاعا عن ربط العملة المستمر منذ نحو 20 عاما، والذي تعرض لضغوط في الآونة الأخيرة بعد استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري القسرية إبّان الحديث عن احتجازه في السعودية في نوفمبر/تشرين الثاني 2017.

منذ ذلك الحين، عوضت الأصول الأجنبية للبنك المركزي، باستثناء الذهب، ما خسرته في الدفاع عن الليرة لتبلغ أعلى مستوى على الإطلاق عند 45 مليار دولار بنهاية مايو/أيار، قبل أن تتراجع إلى 43 مليار دولار بحلول منتصف سبتمبر/أيلول.

وعلى مدى الأيام القليلة الأخيرة، سادت حالة من الهدوء نوعا ما في سوق الدين. وانخفضت عقود مبادلة الائتمان لأجل 5 سنوات إلى ما يزيد قليلا عن 700 نقطة أساس من ذروة بلغت 803 نقاط أساس في منتصف سبتمبر/أيلول، على رغم أنها أنهت أغسطس/آب عند 642 نقطة أساس.

استحقاقات الدين ومخاطره

ويسعى المستثمرون الأجانب إلى تقييم المخاطر إذا واجهت سندات لبنان المزيد من التراجع، ما قد يجعل من الصعب على الحكومة اللجوء إلى الأسواق في الخارج بأسعار فائدة معقولة.

وأظهر بحث من "بنك ميتسوبيشي يو.إف.جيه" أن من المقرر أن يحل أجل استحقاق نحو نصف الدين الحكومي بالعملة الأجنبية على مدى السنوات الخمس القادمة.
وكتب جيسون تورفي لدى "كابيتال إيكونوميكس" في مذكرة إلى العملاء في الآونة الأخيرة يقول إن "موازنة البلاد هي الأسوأ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بل يمكن القول في العالم الناشئ"، مضيفا أن الديون الحكومية بالعملة الأجنبية تبلغ 50% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وأن تسابق المستثمرين الأجانب على التخارج قد يدخل البلد الصغير في أزمة أعمق.

وأردف قائلا إن "استمرار خروج رأس المال قد يجفف سريعا الاحتياطيات الأجنبية ويجبر السلطات في نهاية المطاف على خفض قيمة الليرة".

نجاح الهندسة المالية

ويقول سيموند إن عمليات الهندسة المالية التي يجريها البنك المركزي لدعم احتياطياته من العملات تكللت بالنجاح حتى الآن، لكن اعتماده على تدفقات الودائع بالعملات الأجنبية من البنوك التجارية يعني أن يكون الموقف أشبه بمخطط الاحتيال الهرمي.
ثم ينتهي إلى القول إن "البنك المركزي أنشأ نظاما يدفعون فيه لشخص من أجل أن يدفع لشخص آخر لكي يجلب المال، والأمر ينجح. لكن في نهاية المطاف قد لا ينجح، ولهذا عليهم أن ينفذوا إصلاحات وبسرعة جدا".

(رويترز، العربي الجديد)
المساهمون