يوم 6 فبراير الماضي، قال صندوق النقد الدولي إن دول الخليج، التي تُعَدّ من أغنى دول العالم، قد تنفد ثروتها المالية التي تقدر بألفي مليار دولار في غضون 15 سنة، في ظل تدني إيرادات النفط والغاز، ووضعها المالي الحالي، وتعرض ميزانياتها لمزيد من الاستنزاف بفعل الإنفاق العام السخي على الدعم والرواتب والخدمات الاجتماعية ومعاشات التقاعد، واشترط الصندوق لوقف النزيف إسراع هذه الدول في اجراء إصلاحات مالية عاجلة.
كانت هذه التوقعات المخيفة والمتشائمة، من وجهة نظر كثيرين، قبل تفشي فيروس كورونا الذي خفض بشدة الطلب على النفط الخليجي، المصدر الأول لإيرادات دول الخليج، وكبد موازنات الدول الست خسائر تقدر بمئات المليارات من الدولار، وعطل أنشطة رئيسية مثل المصانع والسياحة والطيران والعمرة والسفر.
كما كانت توقعات الصندوق أيضاً قبل خوض السعودية حرباً نفطية شرسة ضد روسيا منذ بداية شهر مارس الماضي، أدت إلى تهاوي أسعار النفط الخام وفقدانه نحو 70% من قيمته في الربع الأول من 2020، كما يتواصل التهاوي رغم توقف الحرب النفطية عقب الاتفاق قبل أيام داخل تكتل "أوبك+" على خفض الإنتاج بنحو 10 ملايين برميل يومياً بداية من بعد الغد الجمعة.
لكن بعد حدوث هذين التطورين "انتشار وباء كورونا وتهاوي أسعار النفط"، بات على صندوق النقد وغيره من المؤسسات المالية إعادة النظر في عدد السنوات التي تتوقع فيها نفاد أموال الخليج المستثمرة في الخارج والمودعة في البنوك الأميركية والأوروبية، خاصة في ظل الأرقام الصادمة الصادرة اليوم الأربعاء عن وزارة المالية السعودية والتي تكشف عن حدوث نزيف سريع لإيرادات المملكة المالية، وسحب غير مسبوق من الاحتياطيات الخارجية التي تجاوزت قيمتها 727 مليار في يناير 2014.
وحسب الأرقام الرسمية فإن احتياطيات السعودية من النقد الأجنبي تراجعت إلى أدنى مستوى منذ 9 سنوات خلال شهر مارس الماضي، وأن هذه الاحتياطيات فقدت 32.9 مليار دولار من قيمتها لتصل إلى نحو 472 مليار دولار، أي إن الحكومة سحبت خلال شهر واحد ما يعادل 89.7 مليار ريال من أرصدتها في الخارج.
كما انخفض الاحتياطي العام للدولة الذي يحوّل إليه ما يتحقق من فائض في إيرادات الميزانية 1.2 مليار ريال خلال شهر مارس ليتراجع إلى 469.6 مليار ريال.
وبالنسبة لإيرادات الدولة فقد هوت عائدات تصدير النفط بنحو 24% لتبلغ 192.072 مليار ريال. وفي المقابل، ارتفعت المصروفات 4% لتصل إلى 226 مليار ريال، كما بلغ عجز الميزانية في الربع الأول من 2020 نحو 34.107 مليار ريال.
ومع ضخامة الأموال التي من المتوقع سحبها من قبل الحكومات الخليجية لاحتواء تأثيرات فيروس كورونا الخطيرة وتهاوي أسعار النفط، فإن نبوءة صندوق النقد قد تتحقق قبل موعدها بسنوات، خاصة أنه حسب توقعات وكالة "فيتش" العالمية للتصنيف الائتماني يوم 24 مارس الماضي، فإن دول الخليج ستسحب 110 مليارات دولار من احتياطيات صناديق الثروة السيادية، خلال العام الجاري 2020 مقابل 15 مليار دولار فقط في العام الماضي 2019.
إضافة إلى عنصر أخر يتعلق بضخامة حجم القروض الضخمة التي ستحصل عليها دول الخليج من الخارج في حال استمر تفشي فيروس كورونا وهبوط إيرادات النفط مع خفض الإنتاج الذي يدخل حيز التنفيذ في الأول من مايو.