شتات اقتصادي للمغرب العربي

02 يناير 2015
الصراع في ليبيا يزيد تأزّم الاقتصاد (فرانس برس)
+ الخط -
تستهل بلدان المغرب العربي عام 2015، بهموم متباينة، في ظل عدم بحثها عن مد جسور اقتصادية تخول لها تفادي الخسائر التي تتكبدها والبالغة، حسب تقديرات البنك الدولي، تسعة مليارات دولار، جراء غياب مشاريع اقتصادية ترنو إلى التكامل. وتشير التوقعات إلى أن تونس ستسعى خلال العام الحالي إلى استعادة عافيتها الاقتصادية، بعد اكتمال البناء المؤسساتي عقب الثورة.
وسيكون على الجزائر الحد من النزيف المالي الناجم عن تهاوي أسعار النفط عالمياً. وسيفترض في المغرب العمل على تحقيق معدل نمو يستفيد من تراجع أسعار النفط في السوق الدولية، والتساقطات المطرية الأخيرة.
ويتوقف مستقبل ليبيا الاقتصادي على إخماد حرب أثرت على صحتها المالية، بعدما اتخذ المتصارعون من حقول النفط ومرافئ التصدير ساحة للمعارك. بينما سيكون على موريتانيا مراقبة تراجع أسعار المعادن، خاصة الحديد، بسبب انخفاض الطلب الآتي من الصين. كل ذلك سيحدث في سياق متسم باتساع الفوارق الاجتماعية، وتفشي البطالة في البلدان الخمسة المشكّلة للفضاء المغاربي.

تونس.. عافية مأمولة

يعتبر المحلل الاقتصادي المغربي، محمد الشيكر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه بعد اكتمال البناء المؤسساتي في تونس، يفترض في الحكومة الجديدة تدارك ما فات. وقال إنه من المتصور التركيز خلال العام الحالي، على الترويج للسياحة التي تضررت من الصراعات التي عرفها بلد ثورة الياسمين، غير أن إنعاش القطاع السياحي لن يكون الأولوية الوحيدة في أجندة الحكومة، التي سيكون عليها كذلك، جذب استثمارات خارجية مباشرة تتيح لها المساهمة في تقليص دائرة البطالة التي توسعت في الثلاث سنوات الأخيرة. الشيكر يتصور أن الغرب، خاصة الاتحاد الأوروبي، سيسعى إلى تحويل تونس إلى مختبر للتحول الاقتصادي في المنطقة بعد إنجاز أول ثورة عربية.


الجزائر لعنة النفط

ويشير الاقتصادي الشيكر، إلى أن الهواجس التي تسكن الجزائر في العام المقبل، تختلف تماما عن تلك التي تتفاعل في تونس. فهو يؤكد أن الجزائر التي تعول، بشكل كامل، على عائدات النفط من أجل تمويل اقتصادها، ستعاني كثيرا جراء تهاوي سعر البترول.
ويقول إن سعر النفط الذي يتوقف عليه التوازن المالي في الجزائر، يجب أن يتراوح بين 115 و130 دولاراً للبرميل.
وقد التحقت الجزائر بإيران في انتقادها لموقف منظمة البلدان المنتجة للنفط "أوبك"، التي رفضت خفض إنتاجها بعد تهاوي سعر النفط، الذي يساهم بـ60% من موارد الموازنة في بلد يعول على مداخل البترول من أجل تحقيق السلم الاجتماعي، هذا ما يفسر رد فعل وزير النفط الجزائري، يوسف يوسفي، الذي صرح مؤخراً بأنه "يجب على "أوبك" التدخل من أجل تصحيح الاختلالات، عبر خفض الإنتاج، بغية رفع الأسعار والدفاع عن مداخيل البلدان الأعضاء". تلك مداخيل تراهن عليها كثيرا الجزائر من أجل تهدئة الاحتقان الاجتماعي الذي يعتمل في البلد.‬

موريتانيا.. ذوبان الحديد

وعندما سألت "العربي الجديد" أنتيومان تانديا، الإعلامي المتخصص في شؤون أفريقيا، عن أحوال الاقتصاد الموريتاني في العام الجديد، يذكر أن البلد الذي حقق معدلات نمو اقتصادي تعدت 6%، يواجه الصعوبات الناجمة عن قرار انسحاب العملاق الماليزي "بتروناس" من استغلال حقل النفط "شنقيطي"، الذي شرع في استغلاله منذ 2006، معللا ذلك بغياب المردودية، بسبب تراجع سعر البرميل إلى أدنى مستوياته منذ 2009. ويشير تانديا إلى أن الدولة الموريتانية "ستفقد جراء ذلك، العائدات المالية التي كانت تتلقاها، لقاء استغلال النفط من قبل الشركة الماليزية".
في الوقت ذاته ستعاني موريتانيا، التي تعتبر منتجاً عالميا للحديد، من تراجع الطلب على هذا المعدن، خاصة من قبل الصين التي تعتبر أول مستورد للحديد من موريتانيا.
وعموماً، تعول موريتانيا كثيراً على صادرات المعادن والمنتجات البحرية، من أجل مواجهة تفاقم عجز الميزان التجاري. غير أن ما يثير انتباه تانديا أكثر هو الوضع الاجتماعي في موريتانيا، بسبب البطالة التي تطال الشباب أكثر، والفجوة الاجتماعية التي ما فتئت تتوسع في موريتانيا، فهو يشدد على أنه "لا وجود لطبقة وسطى في موريتانيا، فهناك إما أن تكون فقيرا أو فاحش الثراء".

ليبيا.. حرب مستنزفة

يرسم أنتيومان تانديا، صورة قاتمة للوضع المرتقب في ليبيا في العام الحالي، فهو يربط تحسن أداء الاقتصاد الليبي بمدى قبول الأطراف المتصارعة هناك، بعدم الاحتكام للغة السلاح. ويرى تانديا أن ليبيا التي تعتمد بشكل رئيسي على عائدات النفط، سوف تعاني من تراجع المداخيل في 2015، بل إن الشركات متعددة الجنسيات التي تستغل نفط هذا البلد لن تمضي في مخططاتها الاستثمارية في حال لم تنشأ حالة من الاستقرار، خاصة أن مليشيات متطرفة تراقب مناطق إنتاج النفط هناك، علما أن الطاقة الإنتاجية الحالية لا تتجاوز 50%، ما يؤثر على الإيرادات التي تهاوت إلى 14.3 مليار دولار.
في الوقت ذاته ينتظر أن يؤثر الوضع الحالي في ليبيا على توازن الموازنة في 2015، حيث يتوقع المصرف المركزي الليبي أن يصل العجز إلى 15.3 مليار دولار، ما قد يبرر نية الحكومة برفع الدعم عن استهلاك المنتجات النفطية، ما قد يترتب عنه احتقانات بسبب تأثير ذلك على الأسعار.

المغرب.. عين على الغيث

وإذا كان المغرب قد اطمأن إلى تراجع فاتورة مشتريات النفط في العام المقبل، فإن الأمطار الأخيرة، التي أطلقت التوقعات حول موسم زراعي مبشر يساعد على بلوغ نمو اقتصادي في حدود 4.4%، تدفع الكثيرين إلى الدعوة إلى عدم الاستسلام للتفاؤل. فمحمد هاكش، رئيس الاتحاد المغربي للقطاع الفلاحي، يشدد على أنه يجب انتظار أمطار مارس/آذار التي تكون حاسمة في تحديد حجم محصول الحبوب.
لكن في انتظار ذلك، يفترض في المغرب في العام المقبل معالجة مشكلة عجز الميزان التجاري. فرغم توقع ارتفاع مبيعات الفوسفات والسيارات، فإن ضغط مشتريات الغذاء والنفط سيظل مرتفعاً، رغم تراجع سعر النفط في السوق العالمية.
في الوقت ذاته يتساءل الكثيرون عن الكيفية التي ستتعاطي بها الحكومة مع تفشي البطالة، عبر خطة وعدت بالكشف عنها في 2015، ناهيك عن القرارات التي ستتخذها فيما يتعلق بالتقاعد، خاصة بعد تنظيم الاتحادات العمالية إضرابا عاما في 2014 لم يشهده المغرب مند 25 عاماً.
المساهمون