تبحث حكومة تونس عن حلول لوضعية المالية العمومية المهترئة عبر الزيادة في فواتير الكهرباء والماء وفرض مساهمات ظرفية لإنقاذ صناديق المعاشات.
ويأتي ذلك في وقت ينتظر فيه المواطنون خطة لإنعاش دخولهم المنهكة من تداعيات فيروس كورونا الذي تسبب في تضرر أغلب القطاعات الاقتصادية في البلاد.
وقال مواطنون لـ"العربي الجديد" إن شركتي الكهرباء والماء الحكوميتين أضافتا رسوماً جديدة وضرائب على الفواتير، ما تسبب في زيادة الأسعار بنحو 30 بالمائة من دون إعلام مسبق، مطالبين بتوضيحات رسمية حول دواعي هذا الزيادات.
واعتبر المواطنون أن الغلاء والضغوط الضريبية وصلا إلى مستويات قياسية، مطالبين الدولة بالكف عن بحث حلول أخرى بدلاً من البحث في جيوب التونسيين لتعبئة الموارد.
كذلك لم تخف النقابات العمالية استياءها من الاقتطاعات المجحفة من رواتب الموظفين في إطار التضامن الوطني الذي دعت إليه الحكومة لمواجهة جائحة كورونا، مطالبة بالكف عن المساس بمكتسبات الموظفين.
في المقابل تسعى حكومة إلياس الفخفاخ إلى لجم تضخم الدين الخارجي ببحث حلول محلية لوضعية المالية العمومية وتعزيز الموارد الذاتية للدولة.
ومؤخراً بحث وزير المالية، نزار يعيش، مع بعض أعضاء مجلس نواب الشعب المنتمين إلى أحزاب الائتلاف الحاكم وعدد من الخبراء الاقتصاديين حلولاً لزيادة الموارد الذاتية للدولة للحد من الاقتراض الخارجي.
وتطرق الاجتماع إلى ملامح الوضع الاقتصادي العام والضغوطات التي تعرفها الماليّة العموميّة وأهميّة تظافر جهود كلّ الأطراف من حكومة وفاعلين اقتصاديين وأحزاب ومنظمات وطنيّة من أجل دفع الحركة بمختلف القطاعات ووضع كل الإجراءات الكفيلة بتجاوز صعوبات الظرف الراهن وبناء اقتصاد على أسس صلبة.
وتفتش حكومة الفخفاخ عن غطاء سياسي واجتماعي من أجل تمرير ضرائب وزيادات خدماتية جديدة في قانون المالية التكميلي وموازنة العام المقبل، وسط انتقادات لمواصلة سياسة التقشف التي أثبتت فشلها بحسب خبراء الاقتصاد والنقابات العمالية.
وقال الخبير الاقتصادي، مراد سعد الله، إنه يصعب على الحكومة إيجاد حلول لتعبئة الموارد الذاتية نتيجة تراجع الإيرادات الجبائية المتأتية من الضرائب على الشركات والأرباح، مرجحاً أن تزيد الحكومة في قانون المالية التكميلي الضرائب التي توفر موارد مباشرة لخزينة الدولة وفق تصريحه لـ"العربي الجديد".
وقال إن جيوب المواطنين أقرب طريق لتعبئة الموارد المباشرة في غياب خطة للإنعاش الاقتصادي ومعالجة تداعيات كورونا بتنشيط القطاعات المتضررة.
وأضاف أن الحلول الكلاسيكية التي تعتمد على الضغط الجبائي قد تؤدي إلى انفجار اجتماعي وزيادة نسب الفقر، وهي تداعيات تصعب معالجتها لاحقاً، بحسب تقديره.
وتعد الضرائب وإجمالي الرسوم التي تفرض على الرواتب الأثقل عبئاً في البلاد، إذ قد تصل الرسوم العامة التي يدفعها الموظف إلى أكثر من 18.5 في المائة في الشركات التي لا تملك تعويضات أو إعفاءات ضريبية.
وتتضمن هذه الضرائب مجموع الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي (16.5 في المائة)، وضرائب التدريب المهني (1 إلى 2 في المائة من إجمالي الأجور)، ومساهمة لتمويل برنامج الإسكان للموظف (1 في المائة).
وأكد وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية في تونس، غازي الشواشي، أنّ حكومته ستعمل على حشد الموارد الماليّة اللازمة خلال الفترة المقبلة، مشيراً إلى أنّ بلاده تحتاج إلى نحو 350 مليون دولار لمواجهة تداعيات كورونا.
وقال الوزير التونسي، في تصريحات لصحيفة "إرم نيوز"، إنّ الحكومة التونسيّة تراهن على جمع مليار دينار (نحو 350 مليون دولار) من مساهمات الشعب التونسي ولم نجمع حالياً إلا ما يقارب مئتي مليون دينار، التي لا يزال بعضها مجرّد وعود من شركات تونسيّة.
ولم يستبعد الشواشي إمكانية لجوء الحكومة إلى إقرار ما وصفها بـ"الضريبة التصاعدية على الثروات"، وذلك في إطار التوجه نحو تكريس العدالة الضريبيّة من جهة وحشد الموارد المالية اللازمة لمجابهة تداعيات كورونا من جهة أخرى.
ويخشى التونسيون من ضرائب جديدة قد يحملها قانون المالية التكميلي الذي ستعرضه الحكومة على البرلمان. غير أن النقابات العمالية قالت إنها ستمنع أي قرارات قد تزيد في إنهاك الطبقات المتوسطة وتمس حقوق الموظفين أو رواتبهم.
وقال عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل، بوعلي المباركي، إنّ الدولة حققت عائدات كبيرة من خلال المساعدات والإعانات، وإنّه كان يتعيّن عليها عوض التفكير في ضرائب جديدة وتحميل المواطنين أعباء جديدة حلّ ملف الاقتصاد الموازي.
وأكد المباركي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، ضرورة إيقاف اقتطاع 1 بالمائة من أجور الموظفين والعمال لفائدة الصناديق الاجتماعية وأن تبحث الدولة عن حلول أخرى لمشاكلها، وأن تجمع أموالها الموجودة بذمة المتهربين جبائياً.
ومن المرتقب أن يتراجع النمو في تونس سنة 2020 بنسبة 4 بالمائة، على أن يشهد تحسناً سنة 2021 ليبلغ 4.2 بالمائة، وفق تقديرات البنك الدولي التي أصدرها في الثامن من يونيو/ حزيران الجاري.