تصاعد معركة الاستيراد في الجزائر... إجراءات حكومية تهدّد بغلق مصانع السيارات

24 مايو 2019
مصانع تجميع السيارات تواجه أياماً صعبة (فاروق بيطاش/فرانس برس)
+ الخط -
لم تمهل الحكومة الجزائرية المؤقتة كثيرا من الوقت لمصانع تجميع السيارات الناشطة في البلاد، وترجمت إنذاراتها السابقة للمصانع بإصدار قرار منع استيراد الهياكل وقطع الغيار، حتى مطلع السنة القادمة.

وقال مصدر حكومي لـ"العربي الجديد"، إن "وزارة الصناعة الجزائرية اتخذت القرار من دون استشارة مسبقة". وأضاف المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، أن "الوزارة أرسلت برقيات مستعجلة لمُلاك المصانع تبلغهم فيها بالقرار، الذي يعتبر غير قابل للطعن فيه إداريا."

وتعيش السوق المحلية للسيارات اضطرابات منذ سنة 2014، التي شهدت إطلاق أول مصنع للتجميع في البلاد.

وقررت الحكومة، مساء أول من أمس، منع مصانع تجميع السيارات من استيراد الهياكل صنف "Semi knocked down"، بالإضافة إلى قطع الغيار بأثر رجعي، بسبب تجاوز واردات المصانع من الهياكل عتبة ملياري دولار، منذ بداية يناير/كانون الثاني الماضي وحتى الآن.

وتأتي هذه الخطوة في وقت لا تزال فيه مصانع تجميع السيارات تنشط خارج القانون، منذ الأول من يناير/كانون الثاني الماضي، بعدما رفضت وضع طلبات اعتماد وفق دفتر الأعباء الجديد، الذي يلزمها برفع نسبة الإدماج، أي ما يتم إنتاجه محلياً من قطع غيار، بنسبة 15 في المائة من المواد الأولية المستخدمة في عمليات التصنيع، في السنوات الثلاث الأولى من بدء النشاط الصناعي، لترتفع إلى 40 في المائة في السنة الرابعة، ثم إلى 60 في المائة بعد السنة الخامسة.

وفي تعليق على القرار، قال الخبير المختص في سوق السيارات بالجزائر، مالك شرف، لـ"العربي الجديد"، إن "الحكومة الجزائرية ومصانع تجميع السيارات يتحملون مسؤولية ما بلغه القطاع من فوضى، فالحكومة تركت المصانع تشتغل بكل حرية ومنحتها امتيازات كثيرة، من دون أن تكون هناك نتائج ملموسة، أما المصانع فتتحمل المسؤولية كونها رفضت العمل وفق دفتر الشروط الذي كان سيحميها ويحمي حقوقها."

وأضاف نفس المتحدث أن "مصانع تجميع السيارات استوردت، في ظرف 4 أشهر، ما كانت الجزائر تستورده في سنة كاملة، وهذا غير مقبول اقتصاديا، خاصة أن الهدف الأول من وراء اعتماد الجزائر على نشاط التجميع كان كبح واردات السيارات التي بلغت 3 مليارات دولار سنة 2014، والتوجه نحو الإنتاج المحلي تدريجيا ثم التصدير مستقبلا، وهو ما لم يحدث".

وتنشط في الجزائر حاليا مصانع تابعة لعلامة "رينو" الفرنسية، و"فولكس فاغن" و"أودي" الألمانيتين، و"سيات" الإسبانية، بالإضافة إلى "هيونداي" و"كيا" الكوريتين الجنوبيتين، و"سوزوكي" اليابانية، و"ايفيكو" الإيطالية المتخصصة في صناعة الشاحنات.

وكانت مصانع تجميع السيارات في قلب العديد من الفضائح التي شغلت الشارع الجزائري في السنوات الماضية، بدأت مع تسريب صور من ميناء الجزائر لسيارات شبه مركبة لا تنقصها إلا الإطارات، كانت موجهة لأحد مصانع التجميع المعتمدة في البلاد.

أما الفضيحة الأخرى فكانت متعلقة بالأسعار، إذ كشفت الحكومة أن أسعار السيارات المجمعة في البلاد المُعلن عنها من قبل العلامات التجارية المعتمدة تفوق بكثير الأسعار التي تعرض على الجزائريين، وبلغ الفارق في السعر نحو 500 ألف دينار جزائري (4.9 آلاف دولار)، ويصل في بعض الأحيان إلى أكثر من مليون دينار (10 آلاف دولار).

وأشهرت الحكومة المؤقتة، قبل أقل من شهرين، سيفها في وجه مصانع تجميع السيارات الناشطة في الجزائر، مع استهداف أصحاب مصانع تجميع السيارات من قبل حملة "مكافحة الفساد".

ومنعت السلطات محيي الدين تاحكوت مالك وكالة "هيونداي"، ومراد عولمي ممثل علامة "فولكس فاغن"، وبعيري محمد مالك وكالة "ايفيكو" الإيطالية، من السفر وصودرت جوازات سفرهم، مع إحالتهم إلى التحقيق، في قضايا تتعلق بتهريب الأموال والحصول على امتيازات.

وينتظر أن يحدث قرار تجميد استيراد هياكل السيارات حتى مطلع 2020، زلزالا في سوق السيارات الذي يعاني من ارتفاع الأسعار منذ 2017، ما سيزيد من ارتباك الأسواق مستقبلا."

وحسب الخبير الاقتصادي جمال نور الدين، فإن "القرار سيؤثر أولا على مصانع تجميع السيارات التي ستدخل في عطلة إجبارية تدوم ستة أشهر، وهنا نتساءل عن مصير العمال بعد نفاد مخزون الهياكل وقطع الغيار، إذ لا يمكن أن يبقى العمال وتدفع أجورهم بدون عمل".

ويضيف نفس المتحدث، لـ "العربي الجديد"، أن "الأسعار سترتفع في الأشهر القادمة، سواء بالنسبة للسيارات الجديدة أو المستعملة، لتراجع العرض وغياب المنافسة بين المصانع، وبالتالي سيتكرر سيناريو 2017، الذي أدى إلى ارتفاع الأسعار بعد تجميد استيراد السيارات لمدة سنة كاملة."

يذكر أن فاتورة الاستيراد المتعلقة بهياكل السيارات والتجهيزات الموجهة لمصانع التجميع المحلية قد تضاعفت، حيث بلغت خلال السنة الماضية قرابة 3 مليارات دولار، محققة قفزة كبيرة عن المستوى المحقق خلال السنة التي سبقتها والمقدر بـ1.67 مليار دولار.

المساهمون