تسود الأسواق السودانية حالة من الحذر والترقب عقب محاولة التمرد التي سيطر عليها الجيش، لكنها أدت إلى إغلاق بعض أسواق العاصمة الخرطوم، خاصة التي تقع بالقرب من مناطق الأحداث.
وأكد تجار لـ"العربي الجديد"، أن الاشتباكات أثرت على المتاجر التي شهد بعضها نقصا في سلع أساسية، ومنها الخضروات ومنتجات غذائية أخرى، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها.
كما أحجم مواطنون عن الخروج من منازلهم، ما أحدث ركودا حتى في الأسواق التي واصلت عملها والتي كانت بعيدة عن أماكن المواجهات، حسب التجار.
ولم تتأثر مدينة أم درمان كثيرا لبعدها عن الاشتباكات، إلا أن تجارا أكدوا تراجع مبيعات الأسواق المركزية (الجملة) لعدم وجود طلب على السلع والخضروات بسبب إحجام التجار عن الشراء في الخرطوم.
وواصل تجار إغلاق محالهم، أمس الأربعاء، رغم سيطرة الجيش على الأوضاع، أول من أمس، تخوفا من تجدد الأحداث وحدوث فوضى تؤثر على ممتلكاتهم.
وفي سوق العملات، تراجع الطلب على الدولار عما شهده السوق الأسبوع الماضي، وانخفض سعر العملة الأميركية في السوق السوداء إلى 91 جنيها، أمس، مقارنة بنحو 95 جنيها منذ يومين، في حين يبلغ سعر الدولار الرسمي نحو 45 جنيها.
ويأتي ذلك وسط تفاقم معاناة السودانيين المعيشية، إذ قفزت أسعار السلع الضرورية بمستويات كبيرة خلال الفترة الأخيرة.
ورغم انفلات الأسواق وارتفاع الدولار، إلا أن وزارتي التجارة والمالية لم تتحركا في اتجاه تنفيذ المقترح الذي أعلنتاه سابقا بتكوين جمعيات تعاونية تطرح فيها السلع الرئيسية بأسعار مخفضة، بهدف تخفيف الأعباء المعيشية عن المواطنين.
وبعد مرور ثلاثة أشهر على حديث وزارة التجارة بشأن الجمعيات التعاونية، واصلت أسعار السلع الضرورية ارتفاعها.
وزير المالية السوداني، إبراهيم البدوي، قال في حديث سابق إن برنامجه الاقتصادي سيهتم في مرحلته الأولى بمعالجة القضايا الإسعافية وغلاء المعيشة وتخفيف معاناة المواطن، باتخاذ إجراءات وتدابير سريعة تعمل على تثبيت الأسعار.
ولكن خبراء اقتصاد أكدوا أن وزارة المالية ليس بمقدورها العمل على حل مشكلات الغلاء أو تثبيت أسعار الصرف، مشيرين إلى أن الوزير نفسه قال إن خزينة النقد الأجنبي خاوية.
ويرى نائب رئيس الغرفة التجارية، سمير أحمد قاسم، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن رؤوس أموال التجار تآكلت نتيجة لانهيار أسعار العملة المحلية.
وقال قاسم: "إذا شعر المستورد بتضييق عليه وعدم ثبات في السياسات النقدية، سيتوقف تلقائيا عن الاستيراد، ما قد يقوده إلى التحول إلى سوق العقارات والعملات الأجنبية، وهذا ينعكس سلبا على المواطن في معيشته اليومية".
وكشفت مسؤولون بالغرفة القومية للمستوردين عن تراجع الواردات بنسبة أكثر من 50% خلال الفترة الأخيرة، وأقروا بتأثر قطاعات المستوردين سلبا بالوضع الاقتصادي، ما يعني نقصا في السلع الغذائية الأساسية.
وقال رئيس قطاع التدريب وتنمية القدرات بالغرفة القومية للمستوردين، قاسم الصديق، لـ"العربي الجديد"، إن حركة الاستيراد تراجعت، وهذا يفقد الدولة عائدات كبيرة، إضافة إلى تكبد تجار ومستوردين خسائر باهظة.
وأضاف أن أبرز أسباب تراجع الاستيراد تتمثل في صعوبة الحصول على النقد الأجنبي وعدم تناسب سعر الصرف الرسمي مع سعر السوق الموازية، وخلل السياسات المتعلقة بالاستيراد.
وركزت سياسات بنك السودان المركزي لعام 2020 على تحقيق هدفي الاستقرار النقدي والمالي عن طريق ضبط الكتلة النقدية، بهدف احتواء معدلات التضخم وارتفاع الأسعار واستقرار واستدامة سعر الصرف، بتشجيع وتمويل الإنتاج والصادرات.
ولكن المصرفي إبراهيم الشيخ قال لـ"العربي الجديد": "ليس هنالك جديد في ما يتعلق بسياسة المركزي، وهي أمنيات لن تتحقق في ظل خواء خزينة البنك المركزي من النقد الأجنبي".
وأضاف أن هناك إحجاما من الشركات عن فتح حسابات في البنوك المحلية لعدم وجود ضمانات كافية من البنك المركزي وعدم استقرار الأوضاع الاقتصادية عموما.
وقال الخبير الاقتصادي محمد الزين، لـ"العربي الجديد"، إن جهود الحكومة ظلت حبيسة الأدراج لأنها لا تعتمد على الموارد السودانية، بل ذهبت تستجدي من الخارج، ما أثر على متطلبات المعيشة في الداخل.