العراق: الفساد الحكومي يقتل الصناعة ويُفقر العمّال

16 فبراير 2016
انعدام الأمن ساهم في تعزيز الفساد (Getty)
+ الخط -
لم تسعفه خبرته الطويلة في إصلاح المكائن الصناعية، في أن يتجنب البطالة، فعبدالعزيز الدوري رجل معروف بين مصانع بغداد؛ لما يملك من خبرة في إصلاح المكائن والآلات، ما جعل أصحاب المصانع يتوددون إليه باستمرار.
كثير من فرص العمل كانت تعرض على الدوري دون غيره من أصحاب المصانع للعمل بشكل دائم، لكنه كان يفضل ألا يرتبط بمصنع دون غيره، فهو يستوفي أجوراً أعلى من دون ارتباط، لكن تلك الفرص لم تعد موجودة اليوم، ليس ذلك فقط، بل إن فرصة عمل لم يعد يجدها في هذا المجال، بعد توقف المصانع العراقية عن العمل إلا القليل منها، بحسب حديثه لـ"العربي الجديد".
وتعاني الصناعة في العراق من تدهور كبير، حيث توقفت غالبية المعامل والمصانع الحكومية والأهلية عن العمل. وكانت حتى عام 2003، الذي شهد الاحتلال الأميركي، المزود الأساسي للمنتجات المحلية بالمصنوعات المختلفة، وكانت أيضاً توفر مئات الآلاف من فرص العمل.
كثير من أصحاب المصانع الأهلية لجأوا إلى غلق مصانعهم وتسريح عمالهم، بعد أن توقف العمل على إثر فتح الدولة الباب أمام الاستيراد على مصراعيه، وهو ما تطرق إليه عيسى الحمادي، الذي كان يدير معملَ منتجات الألمنيوم.
وقال الحمادي لـ"العربي الجديد"، إن "رخص أسعار المنتجات المستوردة أغلقت أمامنا أبواب العمل، ما دعاني إلى بيع المعمل وتسريح 23 عاملاً كانوا ينتفعون منه".
سياسيون عراقيون اتهموا الحكومة بالفساد، وإن هذا الفساد وراء تدهور الصناعة العراقية، مؤكدين غياب الحلول الجذرية والفعلية للحكومات السابقة، لا سيما في السنوات التي تولاها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي السلطة، في 2006 - 2014، هي السبب الرئيسي وراء زيادة معدلات البطالة، وهو ما ذهبت إليه النائبة في مجلس النواب العراقي نجيبة نجيب.
وهو ما اتفق عليه، أيضاً، عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية، برهان المعموري، في بيانه، لافتاً إلى وجود تدخلات سياسية تعيق تنفيذ الخطط الصناعية الحقيقية، مضيفاً أن تدهور الصناعة سببه "الفساد المستشري، نتيجة السياسات الاقتصادية الخاطئة في المراحل السابقة".

البحث عن مشروع مربح بديلاً من غلق المعامل الأهلية، ليس بالأمر اليسير للصناعيين في العراق، الذين توارث بعضهم المعامل عن آبائهم، وكثير منهم بدأوا في مشاريع صغيرة تحولت بمرور السنوات إلى معامل حيوية تساهم في دعم السوق المحلية، والقضاء على البطالة، بحسب ضياء الدين العزي الذي ورث عن والده معملاً للصناعات البلاستيكية المنزلية.
وأشار العزي في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن " عدد العمال في معملي كان يتراوح بين 50 إلى 70 عاملاً، ويعتمد ذلك على ارتفاع طلبيات تجهيز التجار. وتصل بضاعتنا إلى مختلف المحافظات، وتدريجياً توقف العمل".
ويُرجع العزي سبب التوقف إلى عدد من العوامل "منها الوضع الأمني المتردي الذي أعقب 2003، ما اضطرني إلى إيقاف العمل نحو 6 أشهر، ثم عدت من جديد وتعرضت إلى السرقة حيث داهم مسلحون المعمل وسرقوا الخزينة وبعض الآلات الخفيفة، ثم تعرضت إلى الابتزاز من مليشيات وكنت أدفع باستمرار إتاوات لهم".
وتنتشر في العراق منذ 2003 مليشيات مسلحة، صارت صاحبة سطوة في الشارع العراقي؛ كونها مدعومة من أحزاب السلطة في العراق، واتهمت بارتكاب أعمال عنف واعتداءات، وفرض إتاوات على التجار وأصحاب المصانع والمحال التجارية.
لكن والحديث للعزي: "كل ذلك وعلى الرغم من تأثيراته السلبية على العمل لم يكن عائقاً كبيراً، بل إن ما اضطرني إلى إغلاق المعمل هو الاستيراد العشوائي من التجار، بفعل عدم وجود تخطيط حكومي صحيح يحافظ على الصناعة الوطنية، لتزيح بذلك المصنوعات الإيرانية والصينية المستوردة، كونها الأرخص سعراً، الإنتاج المحلي، وما عاد لصناعتنا أي رواج".
العزي وكثير من الصناعيين وأصحاب رؤوس الأموال لم يعد أمامهم سوى أبواب محدودة للعمل داخل العراق، منها مجال الاستيراد، الذي صار عملاً مربحاً جداً، أو الانتقال إلى بلدان أخرى والبدء بمشاريع صناعية من جديد.
وهو ما أكده جاسم الحمداني، الذي كان يملك مطبعة وسط بغداد، تدر عليه أرباحاً كبيرة، ولم يعد مهتماً بخسارته حين باعها بسعر بخس بالقياس إلى قيمتها الحقيقية، وفق قوله لـ"العربي الجديد" مؤكداً أنه خطط ليبدأ مشروعاً جديداً خارج بلده.
"أصحاب رؤوس الأموال لا خوف عليهم، لكن ما الذي نفعله نحن الذين لا رؤوس أموال لدينا بعد أن شُلّت الصناعة العراقية" ذلك ما طرحه عبدالعزيز الدوري، الذي قضى أكثر من عشرين عاماً من عمره أجيراً.

اقرأ أيضا:  العراق يخفّض رواتب المتقاعدين ويوسع دائرة التقشف
المساهمون