الحرب عبر التصريحات الرسمية، والمقالات الصحافية، وتغريدات "تويتر" بين إيران والولايات المتحدة، تعلو وتنخفض في حدّتها وشدّتها. وإذا صرح المرشد الإيراني علي خامنئي بأن حرباً لن تقع بين الدولتين، نسمع كلاماً من مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، يرد بتصريح ناري. وإن قال وزير خارجية إيران، محمد جواد ظريف، إن بلاده لا تريد الحرب ولكنها جاهزة، يغرّد الرئيس الأميركي، ترامب، أنه لا يقبل التهديد من أحد، وأن إيران سوف تهاجم ويتغير النظام فيها.
وفي الوقت نفسه، يدعو الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى عقد مؤتمري قمة، عربية وخليجية، ومن المقرر أيضاً عقد مؤتمر قمة إسلامية في مكة المكرمة كذلك.
وقد رافقت الدعوة إلى عقد مؤتمري القمة تصريحات من وزير الدولة للشؤون الخارجية، عادل الجبير، تقول إن الهدف هو وضع حد للاعتداءات الإيرانية على المرافق النفطية السعودية والبارجات البحرية، حاملات النفط السعودي، عبر الخليج والبحر الأحمر.
ووفق آخر لوائح الأسعار للنفط، بلغت يوم الإثنين الماضي، أو حين كتابة هذا المقال، قرابة 73 دولاراً لبرميل نفط برنت. وبحسب تحليلات بلومبيرغ، فإن هذا السعر هو أقل مما يجب أن يكون عليه في ظل الظروف الحالية.
وللسعي إلى الإجابة على هذا السؤال المعقد، لا بد أن نضع على خريطة البحث نقاطاً أخرى ذات علاقة. الأولى، الموقف الأميركي من أسعار النفط. وقد طلب الرئيس ترامب من دول الخليج، خصوصا السعودية والإمارات، أن يزيدا إنتاجهما حتى يعوّضا النقص الحاصل في كميات النفط المعروضة من إيران، بسبب الحصار الاقتصادي الذي تفرضه الولايات المتحدة عليها. وقد لبّت الدولتان الطلب، واستمرّتا في تنفيذ عقود بيع للدول المستوردة للنفط بالأسعار التي تعاقدت عليها تلك الدول مع إيران.
والواضح أن الإجراء يعني أن أسعار النفط لن ترتفع كثيراً، وأن ترامب يقدر على إقناع المشتكين، مثل ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها من الدول (ما عدا الصين) بشراء النفط السعودي والإماراتي، بدلاً من النفط الإيراني.
ولا ننسى أيضاً أن الولايات المتحدة قد قامت مؤخراً بتصعيد جديد ضد الصين، في مسلسل الحرب التجارية بين الدولتين.
ومع أن موعداً قد ضُربَ لاجتماع سيُعقد بين الرئيسين، ترامب وتشي، على هامش قمة العشرين في نهاية الشهر المقبل (يونيو/حزيران)، في مدينة أوساكا باليابان، إلا أن واحداً وأربعين يوماً تفصل العالم عن ذلك الاجتماع.
وسواء كانت التوقعات باحتمال النجاح في تحقيق تقدم في المفاوضات التجارية قوية أو ضعيفة، فإننا سنشهد طوال الفترة حتى الموعد المضروب مناورات وتغريدات وتصريحات كثيرة.
وقد ترى الولايات المتحدة أن استخدام الضغط على الصين، من خلال تهديد الملاحة في باب المندب، وفي مضيق هرمز فرصة لمنع وصول الشحنات النفطية إلى الصين، ومن أجل الحيلولة دون مرور البضائع الصينية إلى أسواقها في أفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط، فإن ذلك سيحسّن الموقف الأميركي التفاوضي.
والصين يمكنها بالطبع الحصول على النفط الذي تريد من خارج منطقة الخليج من دول كالجزائر ونيجيريا ودول أفريقية ذات إنتاج أقل، ولكن ذلك سيكون بكلفةٍ عالية، إذا أرادت الحصول عليه عن طريق المحيط الأطلسي، فرأس الرجاء الصالح فالمحيط الهندي، ثم الوصول إلى شرق الصين على المحيط الباسيفيكي. هذه الطريق في حالة إغلاق باب المندب طويلة.
أما الاعتماد على الدول النفطية في جنوب شرق آسيا فهذا أيضاً ممكن، ولكن ربما بمقادير لن تكفي الصين. ومن هنا، سيكون موقف الصين مؤيداً لإيران. وكذلك سيكون موقف روسيا. وتستطيع روسيا، بالطبع، تزويد الصين بالنفط، ولكن أيضاً بكلفة مرتفعة نسبياً. ولهذا، الصين معنية بالنفط الموجود عند مسلميها في غرب الصين.
ومن هنا، يسعى الجانب الأميركي إلى إثارة الفتن في تلك المنطقة، وتردّ الصين بإجراءات قمعية، حتى لا تفتح المجال لإحداث ثغرةٍ ينفذ الأميركيون منها إليها. فالنفط إذاً هو الحاضر الغائب في كل ما نراه من صراعاتٍ في المنطقة، فهو غاية بحد ذاته، وهو وسيلةٌ مهمةٌ في المناورات والمفاوضات الدائرة رحاها بين العملاقين، الأميركي والصيني.
ولأسبابٍ داخلية بحتة، لا يريد الرئيس الأميركي أمام كل ما يواجهه من تحدّياتٍ أن يخسر المعركة الانتخابية المقبلة، خصوصا أمام احتمالات الظهور بمظهر الضعيف، إن لم تستجب إيران لمقاطعته الاقتصادية أو لتهديداته العسكرية، أو أن يظهر كمتهوّر إن قام بضربةٍ ضد إيران، أدت إلى إشكاليات وتعقيدات كبيرة، تنال من مصالح أميركا وحلفائها العرب في المنطقة.
وإذا تراجع ترامب، فسوف ينتقده الديمقراطيون. ولكن من الواضح أن سعر النفط الذي لم يرتفع بالقدر الذي تبرّره الأزمات الحالية لن يبقى عند هذه الحدود، ولربما تندلع أسعاره في المستقبل، وتصل إلى مستوياتٍ غير مسبوقة.