يسيطر القلق على سوق السيارات الجديدة والمستعملة على حد سواء في مصر، من انكماش قريب، بفعل تحرير أسعار الوقود وارتفاع أسعاره إلى مستويات كبيرة خلال الفترة المقبلة، ما يدفع الكثير من المواطنين إلى العزوف عن شراء السيارات، في ظل تخطي فاتورة التزود بالوقود، القدرات المالية للكثيرين، في ظل الأعباء المعيشية المتزايدة.
ومن المتوقع أن تعمق زيادة أسعار الوقود من ركود مبيعات السيارات الجديدة، التي تضررت بالأساس منذ مطلع العام الجاري 2019 من حملة مقاطعة متصاعدة، احتجاجا على مغالاة وكلاء وتجار السيارات في هوامش الأرباح التي يحصلون عليها.
ووفق البيانات الصادرة عن مجلس معلومات سوق السيارات في مصر "أميك"، فإن مبيعات السيارات بمختلف أنواعها تراجعت خلال فبراير/شباط الماضي بنسبة 5.2 في المائة، مقارنة مع الشهر نفسه من العام الماضي، مسجلة 10857 وحدة، إلا أن هذه النسبة بلغت في سيارات الركوب (الخاصة) 9 في المائة، بعد أن تراجعت المبيعات إلى 6980 وحدة.
وأرجع عاملون في سوق السيارات هذا التراجع إلى حملة المقاطعة التي رفعت شعار "خليها تصدي" رفضا لارتفاع أسعار السيارات في السنوات الأخيرة بشكل كبير.
ورغم تأثير حملة المقاطعة، إلا أن تجار السيارات لا يخشونها كثيراً على ما يبدو، لاحتمال تراجع تأثيرها بمرور الوقت، وإنما ينظرون إلى ارتفاع أسعار الوقود وتراجع القدرات الشرائية للطبقة المتوسطة على أنه الخطر الأكبر، الذي يهدد بانحسار نشاطهم وتغيير خريطة السوق خلال الفترة المقبلة.
إلغاء دعم الوقود
وكانت مصر قد أبلغت صندوق النقد الدولي، اعتزامها إلغاء الدعم على معظم منتجات الوقود
وتنفذ الحكومة بالتعاون مع صندوق النقد، برنامجاً اقتصادياً منذ 2016 مدّته ثلاث سنوات، يتضمن إلغاء دعم الطاقة وتحرير سعر الصرف، وزيادة الضرائب، وتقليص أعداد العاملين في الجهاز الإداري للدولة، مقابل قرض بقيمة 12 مليار دولار تم الحصول على 10 مليارات دولار منه، حتى الآن.
وسبق أن رفعت الحكومة أسعار الوقود ثلاث مرات منذ نهاية 2016، لتصل النسبة الإجمالية للزيادات إلى 500 في المائة، ويتوقع أن تتجاوز الزيادة هذه المستويات كثيرا بتحرير الأسعار بشكل كامل في غضون العام المالي المقبل، وفق الاتفاق المبرم مع صندوق النقد.
قال عمر الأبيض، السكرتير العام لشعبة السيارات بالغرفة التجارية بالجيزة غرب القاهرة، لـ"العربي الجديد" إن "الشركات خفضت من توقعات مبيعاتها المستقبلية نتيجة حالة الركود، وعدم وجود رؤية واضحة للسوق، هناك ارتباك للمنظومة بأكملها من مُصنعين ووكلاء وموزعين وتجار".
وأضاف الأبيض: "هناك تراجع للقوى الشرائية، كما أن الزبون متخوف من الشراء، نتيجة القلق من ارتفاع أسعار الوقود بشكل أكبر، وكذلك الحملات الإعلامية التي تدعو لمقاطعة شراء السيارات، وكلها عوامل تلقي بظلال سلبية على سوق السيارات سواء الجديدة أو المستعملة، ما يعمق من الركود الذي بدأ بالفعل يقلق الجميع".
محاولات لتحريك المبيعات
ولم يكن للتخفيضات التي أعلنت عنها الشركات في الأشهر الماضية، دور ملموس في تحريك
وقال مدير مبيعات في إحدى أكبر شركات السيارات لـ"العربي الجديد": " هذه الفترة هي الأسوأ منذ عام 2011، لقد تضافرت مجموعة من العوامل التي ضربت السوق في وقت واحد، منها الحديث عن إلغاء الجمارك على السيارات ذات المنشأ الأوروبي، وحملة خليها تصدي التي تدعو لمقاطعة الشراء".
وأضاف أن "تنافس الشركات لتحريك المبيعات عن طريق التخفيضات في الأسعار لم يحقق المستهدف، وإنما يأتي بنتائج عكسية، فزيادة العروض الترويجية تجعل المشتري يؤجل قراره آملًا في المزيد من التخفيضات".
لكن أحمد إبراهيم الخبير الاقتصادي، قال لـ"العربي الجديد" إن "المشكلة أكبر من انتظار الزبون لمزيد من التخفيضات، فهناك بالفعل تراجع كبير في القدرات الشرائية للمصريين وتزايد في الأعباء المعيشية وتغيير خريطة الإنفاق".
وأضاف إبراهيم أن الكثير ممن ينتمون إلى الطبقة المتوسطة أضحوا لا يحتملون بالفعل فاتورة الإنفاق على اقتناء سيارة خاصة لارتفاع أسعار الوقود والصيانة ورسوم التراخيص وتجديدها، ويتوقع أن يتفاقم الأمر خلال السنوات المقبلة مع الزيادات الجديدة لأسعار الوقود وتكاليف الصيانة.
وقفز سعر لتر البنزين 95 أوكتان من 5.85 جنيه في 2013 إلى 7.75 جنيهات، وبنزين 92 اوكتان من 1.85 جنيه إلى 6.75 جنيهات، والسولار من 1.1 جنيه إلى 5.5 جنيهات للتر.
وتابع: "على وكلاء وتجار السيارات أن يدركوا أن هناك تغييرا كبيرا في أنماط الإنفاق يسطر لمرحلة جديدة، وأن هناك تغييرا متوقعا لخريطة السوق، ليس فقط السيارات، وإنما أغلب السلع المعمرة وما يمكن أن يطلق عليها الكمالية، ومن المتوقع أن يزيد اللجوء إلى وسائل النقل الجماعي بشكل أكبر في السنوات المقبلة وانحسار اقتناء السيارات الخاصة وهذا حدث بالفعل في دول عدة مرت بنفس ما تشهده مصر حاليا".
امتداد للسيارات المستعملة
ووفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي)، فإن عدد عدد السيارات الملاكي (الخاصة) المرخصة بنهاية العام 2017 بلغ 4.7 ملايين سيارة بنسبة 92 في المائة من إجمالي السيارات المرخصة البالغ نحو 5.1 ملايين سيارة.
وقال عبدالعزيز سالم، الخبير في قطاع السيارات إن ركود السوق لا يقتصر على المركبات الجديدة وإنما المستعملة أيضا، التي قدر تراجع مبيعاتها بنسبة 50 في المائة في الأشهر الماضية، وذلك رغم انخفاض الأسعار بنحو 20 في المائة.
وأضاف سالم: "نتوقع تراجع أكبر في المبيعات وأسعار السيارات في الأشهر المقبلة، لذا نرجح استغناء الكثير من الأفراد عن السيارة الملاكي". وقال علي يوسف، الذي يعمل مدرساً في القاهرة، إنه ينفق في المتوسط 70 جنيها على سيارته. وأضاف: "اضطر في الكثير من الأوقات إلى ترك السيارة واللجوء إلى وسائل المواصلات الجماعية".