انهيار غير مسبوق لأسعار الخضر في الجزائر... وارتفاع مخاوف الفلاحين من الإفلاس

26 يونيو 2017
+ الخط -
يعيش فلاحو الجزائر على أعصابهم منذ قرابة الأسبوعين بعد أن تهاوت أسعار الخضر بشكل غير مسبوق، بسبب ارتفاع المعروض، ما جعلهم يدقون ناقوس الخطر لإنقاذهم من الإفلاس الذي بات قريباً للآلاف منهم.
ويتكبد الفلاحون يومياً في العديد من المحافظات خسائر معتبرة، بسبب الوفرة وقوة العرض قابلها استقرار الطلب، ما أرغمهم على بيع منتجاتهم بأبخس الأثمان أو رميها كأعلاف للأبقار.
يقول الحاج عمر بلخديم فلاح من محافظة المدية (130 كم جنوب العاصمة الجزائرية) إن ما يعيشه اليوم والآلاف من الفلاحين لم يسبق وأن عاشوه من قبل، فجل أنواع الخضر هوى سعرها إلى ما دون 10 دنانير (0.09 دولار) كما هو الشأن بالنسبة للخس الذي يباع بـ 6 دنانير للكيلوغرام الواحد، و8 دنانير للكوسا و5 دنانير للطماطم وللباذنجان.
ويضيف نفس المتحدث لـ "العربي الجديد" أنه "اضطر إلى إلزام تجار الجملة بشراء كميات كبيرة تساوي حمولة شاحنة صغيرة من "هاربيل" (شاحنة صينية صغيرة)، حتى لا يتحمل خسارتها لوحده بعد أن كان محصول السنة الحالية كبيراً جداً".
ويتساءل الفلاح الجزائري عن سبب ارتفاع الأسعار التي تباع بها الخضر في الأسواق والتي تتضاعف خمس إلى ست مرات كما هو الشأن بالنسبة للطماطم التي تباع بـ 40 ديناراً (0.36 دولار) للكيلوغرام الواحد، وهو أمر يدفع الفلاح نحو البيع مباشرة للمستهلك بالرغم من رفض التجار لهذه الفكرة حسب الحاج عمر بلخديم.
ويكلف المحصول الواحد من الخضر منذ انطلاق عملية رمي البذور إلى جني المحصول مروراً بعمليات الري والسقي بين 3 ملايين دينار (28 ألف دولار) إلى 6 ملايين دينار (56 ألف دولار) حسب حجم الأراضي المغروسة. بعض الفلاحين يضطر للاقتراض عند بداية الموسم ومنهم من يرهن الأرض مقابل القروض الفلاحية التي تقدمها المصارف، ما جعل الفلاحين يعيشون كابوساً وينتظرون انزلاقاً بات وشيكاً للكثير منهم في مستنقع الإفلاس.
يقول الفلاح محمد رشاش إنه "اعتاد كل سنة على اقتراض قرابة ثلث ما تكلفه عملية الغرس على أن يدفع لمن أقرضه بعد بيع المحصول (طماطم). إلا أن هذه السنة فقد ظهرت بوادر "الخسائر" مبكراً حيث بات يبيع الكيلوغرام الواحد أقل بكثير من تكلفته.
ويتخوف نفس المتحدث من عدم استطاعته إرجاع الدين المترتب عليه في الآجال المتفق عليها وهو ما سيكلفه جزءاً من الأرض المغروسة وسيكلفه أيضاً سمعته.
ويطالب محمد رشاش في حديث لـ "العربي الجديد" بالتدخل لإنقاذهم من الإفلاس عن طريق شراء المحاصيل وضخها مباشرة في الأسواق حتى تنخفض الأسعار أكثر "لأننا نرى ظلماً فيما يتعلق بالأسعار بين سعر الحقل وسعر السوق".
وليس الفلاحون وحدهم من يشتكون من الهبوط التاريخي للخضر، حيث انضم إليهم تجار الجملة الذين تضرروا حسب أقوالهم من هذا التهاوي الذي قلص هامش ربحهم.
تنقلت "العربي الجديد" في سوق الجملة "الكاليتوس" الذي يمون العاصمة بالخضر والفواكه، وسجلت فارقاً ضئيلاً بين الأسعار التي يبيع بها الفلاح سلعه، أي الحلقة الأولى والأسعار التي يبيع بها تجار الجملة، باعتباره الحلقة الثانية في السلسلة التجارية. حيث لم يتعد الفارق في أسعار بعض أنواع الخضر 9 دنانير، وهو ما جعل تجار الجملة يتذمرون من هذه الوضعية.
يقول حسان دريسي تاجر جملة للخضر والفواكه إن "هوامش الربح الضعيفة لا تغري كثيرًا التجار لكي يشتروا الخضر".
ويضيف أن "التجار يضطرون للعمل من الساعة الثانية صباحاً إلى منتصف النهار من أجل هامش ربح لا يتعدى كما هو حال الخس 3 دنانير، ومع احتساب تكاليف إيجار المكان في السوق وثمن "الحمالين" (من ينزلون السلع من الشاحنات) تصبح التجارة في الخضر أقرب إلى الانتحار".
ومن المفارقات التي تعرفها الجزائر، فإن وفرة الإنتاج أصبحت تولد أزمة مثلما يحدث نقص العرض أزمة، وهو الأمر الذي لم تجد له الحكومات المتعاقبة حلاً.
وفي السياق يقول محمد علويي رئيس اتحاد الفلاحين الجزائريين إن الجزائر لا تملك اليوم غرف تبريد تساعد الفلاح على تجميد معرضه ولو لمدة قصيرة. ويضيف في تصريحات لـ "العربي الجديد" أن "إشكالية النقل هي الأخرى باتت تهدد المحاصيل بالتلف، وذلك لغياب شبكات نقل محترفة ومختصة في هذا المجال".
ويدعو محمد علويي الحكومة إلى التدخل من أجل إنقاذ موسم الفلاحين من السنة البيضاء، مثلما فعلت السنة الماضية مع ما عرف بـ "أزمة البطاطا" التي ألزمت الحكومة بالتدخل لتصدير جزء من المحصول.
المساهمون