ليس واضحا بعد، متى سيرحل كورونا عن إيران، وسط توقعات رسمية بطول أمده لنحو عامين، لكن الواضح أنه بدأ يترك آثارا سلبية للغاية على الاقتصاد المتأزم بفعل العقوبات الأميركية على مدى العامين الأخيرين، ليضع السلطات أمام خياري "الحفاظ على صحة المواطنين" أو "إنقاذ الاقتصاد"، وهما خياران يصعب التوفيق بينهما، إن لم يكن مستحيلا.
فالخيار الأول يستدعي اتخاذ تدابير مشددة، تحد بشكل كبير من الأنشطة الاقتصادية الداخلية للبلاد، فضلا عن أن كورونا ضرب تجارتها الخارجية في الصميم، أما الثاني فيتطلب تعزيز هذه الأنشطة لمواجهة العقوبات، والحد من مفاعيلها التي طاولت كل مفاصل القطاع الاقتصادي الإيراني.
السلطات نفسها، تعلم جيدا أنها أمام هذين الخيارين، حيث قال نائب وزير الصحة الإيراني، في وقت سابق من الشهر، إن بلاده تخوض "حربا على جبهتين، مع كورونا والعقوبات"، مشيرا إلى أن تحقيق المطلوب في آن واحد بالحربين هو "الجمع بين النقيضين، حيث من جهة يجب كبح المرض وتقليل الوفيات عبر تشديد تدابير التباعد الاجتماعي، ومن جهة أخرى ينبغي خفض تداعيات ذلك اقتصاديا"، وهذا أمر صعب للغاية.
إلا أن أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، دعا يوم الإثنين، إلى ألا توقف "الثنائية القطبية الكاذبة"، أي الاقتصاد والصحة، عجلة البلاد، معتبرا أن "العامل والطبيب" هما ركنا استراتيجية العبور من الأزمة.
أمام هذا الوضع الصعب وثنائية "الصحة والاقتصاد"، بدا أن الحكومة اضطرت إلى الجنوح للثاني من خلال الإعلان عن استئناف الأنشطة الاقتصادية بالتدرج، اعتبارا من السبت المقبل، حسبما أعلن الرئيس حسن روحاني، الإثنين الماضي، في خطوة، ستزيد من جهة من تفشي كورونا في البلاد بحسب خبراء الصحة.
اقــرأ أيضاً
ومن جهة ثانية، تظهر عجز الحكومة في مواجهة المتطلبات الاقتصادية لفرض إغلاق تام على البلاد، بسبب عدم قدرتها على تحمل التداعيات الاقتصادية لكورونا وتأمين الاحتياجات الضرورية لـ83 مليون نسمة على ضوء الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد نتيجة العقوبات الأميركية.
كما أن إغلاقا كهذا يوقف عجلة الاقتصاد الداخلي مما يؤدي إلى إفلاس عام، وتكون له تداعيات كارثية على جميع المستويات، سياسيا واجتماعيا ويضعف الجبهة الداخلية بشكل كبير في المواجهة الدائرة مع واشنطن.
ويأتي استئناف الأنشطة الاقتصادية في إيران اضطرارا، بعدما أخفقت الحملة الدبلوماسية المكثفة للحكومة في دفع الإدارة الأميركية إلى إلغاء العقوبات أو تخفيفها بسبب كورونا، وكذلك رفض صندوق النقد الدولي منحها قرضا بقيمة 5 مليارات دولار، طلبته طهران منتصف مارس الماضي، بالإضافة إلى عدم تحرير أموال مجمدة لها في الخارج، حتى اليوم بسبب العقوبات الأميركية.
لا توجد تقديرات رسمية حول حجم الخسائر الاقتصادية التي خلّفها كورونا حتى الآن، لكن الخبير الاقتصادي الإيراني، سعيد ليلاز توقع في تصريحات، نشرتها صحيفة "همشهري"، قبل أيام، أنه في حال استمرار الفيروس حتى آخر مايو/إيار المقبل فإنه سيقلص نحو 2 إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي، أي من 20 إلى 30 مليار دولار.
وأشار إلى أنه يمكن أيضا أن يؤدي إلى "إفلاس عام في قطاعات غير حكومية وأصحاب المشاغل الجزئية"، لافتا إلى أن قطاع الخدمات هو أكثر القطاعات عرضة لتبعات كورونا، وهو قطاع يشكل 55% من اقتصادها.
وأضاف أن الخدمات تمثل 44% من الناتج المحلي الإجمالي الإيراني، مشيرا إلى أن أعداد العاملين في هذا القطاع تُقدر بنحو 10 ملايين من أصل 25 مليونا العدد التقريبي للعمّال. إلا أنه أكد في الوقت ذاته أن كورونا "لن يترك آثارا ملحوظة على القطاع الزراعي وكذلك قطاع الصناعات الثقيلة إذا لم يتفشّ الفيروس بين العمّال الإيرانيين".
اقــرأ أيضاً
ومع ذلك، قال ليلاز، أمس الثلاثاء في مقابلة مع موقع "فرارو" الإصلاحي، إن آثار كورونا على الاقتصاد الإيراني تبقى أقل من تداعياته على اقتصادات العالم، بسبب تراجع العلاقات التجارية مع الخارج خلال السنوات الماضية على خلفية العقوبات.
وعلى الرغم من المؤشرات السالبة، لكن ليلاز لم يستبعد أن تسجل إيران نموا اقتصاديا "إيجابيا" مع نهاية العام الراهن "أو عدم تسجيل نمو سلبي".
وكان روحاني، قد كشف، يوم الإثنين، تأثر نحو 3 ملايين و200 ألف من أصحاب المشاغل بكورونا.
إلى ذلك، وفي رسالة موجهة إلى الرئيس الإيراني، يوم الجمعة الماضي، أشار 50 عالما اقتصاديا إيرانيا إلى أن كورونا حتى إذا ما تم كبح جماحه على المدى القصير، سيترك تداعيات كبيرة على الاقتصاد، محذرين من أن هذه التبعات يمكن أن تشعل احتجاجات في أرياف المدن خلال النصف الثاني من العام الحالي الذي بدأ في 20 مارس/آذار الماضي، والعام المقبل.
وعدّ هؤلاء الاقتصاديون تداعيات كورونا في "تشديد الركود وتراجع الإنتاج والنمو الاقتصادي في غالبية القطاعات الاقتصادية وزيادة البطالة وانخفاض معدل خلق فرص العمل وزيادة الفقر وسيما الفقر المطلق وزيادة عجز الموازنة".
اقــرأ أيضاً
وقدّم الخبراء للحكومة رزمتي مقترحات، الأولى تتضمن إجراءات اقتصادية عاجلة لدفع مساعدات للأسر من محدودي الدخل والمصانع والمعامل المتضررة وأصحاب المشاغل وتحديد مصادر لهذه المساعدات والثانية هي مجموعة تدابير للخروج من الركود والأزمة الاقتصادية.
إلى ذلك، يُتوقع أن يزيد كورونا من عجز الموازنة للعام الحالي ليصل إلى نحو 35% من حجم الموازنة البالغ أكثر من 500 تريليون ريال، بعد تراجع متوقع في إيراداتها، سواء فيما يتعلق بالضرائب التي تشكل مصدرا رئيسيا للموازنة بعد انخفاض حاد في الصادرات النفطية نتيجة العقوبات، حيث اضطرت الحكومة لتأجيل جني هذه الضرائب لثلاثة أشهر على الأقل.
كما أن تضرر قطاعات اقتصادية بسبب كورونا، يجعل من الصعب تحصيل الضرائب المتوقعة في الموازنة، أو ما يرتبط بعوائد التجارة الخارجية، خصوصا في قطاعي البتروكيماويات والنفط بسبب سقوط أسعار النفط نحو 60%.
وبنت الحكومة موازنتها الحالية على أساس بيع مليون برميل من النفط يوميا بسعر 50 دولارا للبرميل، لكن من الصعب بمكان تمكنها من بيع هذه الكمية بسبب العقوبات الأميركية، حيث تشير تقارير إعلامية إلى تراجع صادراتها النفطية إلى نحو 300 ألف برميل يوميا، وبذلك تراجعت إيراداتها إلى حد كبير بسبب سقوط حاد في أسعار النفط.
بالإضافة إلى ذلك، ما ينذر بتفاقم الوضع الاقتصادي أكثر خلال الفترة المقبلة، أن إيران ودّعت عامها المالي السابق، في 20 مارس، بنمو اقتصادي سالب بنسبة 7.2- %، وتضخم بلغ 41.2% بحسب إعلان البنك المركزي، أمس الثلاثاء.
اقــرأ أيضاً
وفي مواجهة الوضع الاقتصادي الصعب الناتج عن الفيروس التاجي، اضطرت الحكومة إلى الاستعانة بصندوقها السيادي بالعملة الصعبة، ووافق المرشد الأعلى علي خامنئي، على طلب الحكومة استخراج مليار يورو من الصندوق أخيرا وتخصيص أكثر من ألف تريليون ريال لمواجهة كورونا وهو ما يعادل 20% من الموازنة، بحسب روحاني.
وكان الرئيس الإيراني قد كشف أمس الإثنين، عن رزمة مساعدات اقتصادية لـ23 مليون أسرة (نحو 70 مليون شخص) تبلغ 250 تريليون ريال، حيث فتحت خط ائتمان لكل أسرة بمقدار 10 ملايين ريال على أن يتم تسديدها خلال عامين، بالإضافة إلى مساعدات نقدية أخرى تقدم على مراحل لثلاثة ملايين من محدودي الدخل، بمقدار 80 تريليون ريال.
فالخيار الأول يستدعي اتخاذ تدابير مشددة، تحد بشكل كبير من الأنشطة الاقتصادية الداخلية للبلاد، فضلا عن أن كورونا ضرب تجارتها الخارجية في الصميم، أما الثاني فيتطلب تعزيز هذه الأنشطة لمواجهة العقوبات، والحد من مفاعيلها التي طاولت كل مفاصل القطاع الاقتصادي الإيراني.
السلطات نفسها، تعلم جيدا أنها أمام هذين الخيارين، حيث قال نائب وزير الصحة الإيراني، في وقت سابق من الشهر، إن بلاده تخوض "حربا على جبهتين، مع كورونا والعقوبات"، مشيرا إلى أن تحقيق المطلوب في آن واحد بالحربين هو "الجمع بين النقيضين، حيث من جهة يجب كبح المرض وتقليل الوفيات عبر تشديد تدابير التباعد الاجتماعي، ومن جهة أخرى ينبغي خفض تداعيات ذلك اقتصاديا"، وهذا أمر صعب للغاية.
إلا أن أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، دعا يوم الإثنين، إلى ألا توقف "الثنائية القطبية الكاذبة"، أي الاقتصاد والصحة، عجلة البلاد، معتبرا أن "العامل والطبيب" هما ركنا استراتيجية العبور من الأزمة.
أمام هذا الوضع الصعب وثنائية "الصحة والاقتصاد"، بدا أن الحكومة اضطرت إلى الجنوح للثاني من خلال الإعلان عن استئناف الأنشطة الاقتصادية بالتدرج، اعتبارا من السبت المقبل، حسبما أعلن الرئيس حسن روحاني، الإثنين الماضي، في خطوة، ستزيد من جهة من تفشي كورونا في البلاد بحسب خبراء الصحة.
كما أن إغلاقا كهذا يوقف عجلة الاقتصاد الداخلي مما يؤدي إلى إفلاس عام، وتكون له تداعيات كارثية على جميع المستويات، سياسيا واجتماعيا ويضعف الجبهة الداخلية بشكل كبير في المواجهة الدائرة مع واشنطن.
ويأتي استئناف الأنشطة الاقتصادية في إيران اضطرارا، بعدما أخفقت الحملة الدبلوماسية المكثفة للحكومة في دفع الإدارة الأميركية إلى إلغاء العقوبات أو تخفيفها بسبب كورونا، وكذلك رفض صندوق النقد الدولي منحها قرضا بقيمة 5 مليارات دولار، طلبته طهران منتصف مارس الماضي، بالإضافة إلى عدم تحرير أموال مجمدة لها في الخارج، حتى اليوم بسبب العقوبات الأميركية.
لا توجد تقديرات رسمية حول حجم الخسائر الاقتصادية التي خلّفها كورونا حتى الآن، لكن الخبير الاقتصادي الإيراني، سعيد ليلاز توقع في تصريحات، نشرتها صحيفة "همشهري"، قبل أيام، أنه في حال استمرار الفيروس حتى آخر مايو/إيار المقبل فإنه سيقلص نحو 2 إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي، أي من 20 إلى 30 مليار دولار.
وأشار إلى أنه يمكن أيضا أن يؤدي إلى "إفلاس عام في قطاعات غير حكومية وأصحاب المشاغل الجزئية"، لافتا إلى أن قطاع الخدمات هو أكثر القطاعات عرضة لتبعات كورونا، وهو قطاع يشكل 55% من اقتصادها.
وأضاف أن الخدمات تمثل 44% من الناتج المحلي الإجمالي الإيراني، مشيرا إلى أن أعداد العاملين في هذا القطاع تُقدر بنحو 10 ملايين من أصل 25 مليونا العدد التقريبي للعمّال. إلا أنه أكد في الوقت ذاته أن كورونا "لن يترك آثارا ملحوظة على القطاع الزراعي وكذلك قطاع الصناعات الثقيلة إذا لم يتفشّ الفيروس بين العمّال الإيرانيين".
وعلى الرغم من المؤشرات السالبة، لكن ليلاز لم يستبعد أن تسجل إيران نموا اقتصاديا "إيجابيا" مع نهاية العام الراهن "أو عدم تسجيل نمو سلبي".
وكان روحاني، قد كشف، يوم الإثنين، تأثر نحو 3 ملايين و200 ألف من أصحاب المشاغل بكورونا.
إلى ذلك، وفي رسالة موجهة إلى الرئيس الإيراني، يوم الجمعة الماضي، أشار 50 عالما اقتصاديا إيرانيا إلى أن كورونا حتى إذا ما تم كبح جماحه على المدى القصير، سيترك تداعيات كبيرة على الاقتصاد، محذرين من أن هذه التبعات يمكن أن تشعل احتجاجات في أرياف المدن خلال النصف الثاني من العام الحالي الذي بدأ في 20 مارس/آذار الماضي، والعام المقبل.
وعدّ هؤلاء الاقتصاديون تداعيات كورونا في "تشديد الركود وتراجع الإنتاج والنمو الاقتصادي في غالبية القطاعات الاقتصادية وزيادة البطالة وانخفاض معدل خلق فرص العمل وزيادة الفقر وسيما الفقر المطلق وزيادة عجز الموازنة".
إلى ذلك، يُتوقع أن يزيد كورونا من عجز الموازنة للعام الحالي ليصل إلى نحو 35% من حجم الموازنة البالغ أكثر من 500 تريليون ريال، بعد تراجع متوقع في إيراداتها، سواء فيما يتعلق بالضرائب التي تشكل مصدرا رئيسيا للموازنة بعد انخفاض حاد في الصادرات النفطية نتيجة العقوبات، حيث اضطرت الحكومة لتأجيل جني هذه الضرائب لثلاثة أشهر على الأقل.
كما أن تضرر قطاعات اقتصادية بسبب كورونا، يجعل من الصعب تحصيل الضرائب المتوقعة في الموازنة، أو ما يرتبط بعوائد التجارة الخارجية، خصوصا في قطاعي البتروكيماويات والنفط بسبب سقوط أسعار النفط نحو 60%.
وبنت الحكومة موازنتها الحالية على أساس بيع مليون برميل من النفط يوميا بسعر 50 دولارا للبرميل، لكن من الصعب بمكان تمكنها من بيع هذه الكمية بسبب العقوبات الأميركية، حيث تشير تقارير إعلامية إلى تراجع صادراتها النفطية إلى نحو 300 ألف برميل يوميا، وبذلك تراجعت إيراداتها إلى حد كبير بسبب سقوط حاد في أسعار النفط.
بالإضافة إلى ذلك، ما ينذر بتفاقم الوضع الاقتصادي أكثر خلال الفترة المقبلة، أن إيران ودّعت عامها المالي السابق، في 20 مارس، بنمو اقتصادي سالب بنسبة 7.2- %، وتضخم بلغ 41.2% بحسب إعلان البنك المركزي، أمس الثلاثاء.
وكان الرئيس الإيراني قد كشف أمس الإثنين، عن رزمة مساعدات اقتصادية لـ23 مليون أسرة (نحو 70 مليون شخص) تبلغ 250 تريليون ريال، حيث فتحت خط ائتمان لكل أسرة بمقدار 10 ملايين ريال على أن يتم تسديدها خلال عامين، بالإضافة إلى مساعدات نقدية أخرى تقدم على مراحل لثلاثة ملايين من محدودي الدخل، بمقدار 80 تريليون ريال.