مؤتمر لندن... القوى السياسية الدولية والإقليمية تعزف على وتر الاقتصاد الأردني

27 فبراير 2019
الأردنيون فقدوا الثقة بمؤتمرات المانحين بسبب معاناتهم (Getty)
+ الخط -
تزامناً مع انعقاد مبادرة لندن التي تنطلق أعمالها غداً الخميس لجذب الاستثمارات إلى الأردن، بتنظيم مشترك بين حكومتي البلدين تحت شعار "الأردن: نمو وفرص"، يقف مئات العاطلين من العمل أمام الديوان الملكي، طلباً لفرصة عمل تنتشلهم من صفوف البطالة، فيما يغرق البلد بأزمة اقتصادية ذات امتداد سياسي، تكشف معالمها معاناة مئات الآلاف من الأردنيين العاطلين من العمل، وتذمر الفقراء وذوي الدخل المحدود.

ويخيم الإحباط على الأردنيين الذين شهدوا عشرات المشاركات الحكومية في منتدیات ومؤتمرات سياسة واقتصادية سابقة، تبعتها إعلانات عن توقیع اتفاقات بملیارات الدنانیر، لكن لم تتحسن معدلات النمو، ونسب الفقر والبطالة بارتفاع، فيما تغرق البلاد في مستنقع المديونية، التي وصلت إلى نحو 40 مليار دولار.

وتمنح الأزمة الاقتصادية التي يغرق فيها الأردن المساحة للاعبين الدوليين والإقليميين باستغلال الظروف الاقتصادية من أجل تجيير تلك الحاجة إلى مواقف سياسية تخدم مصالحها، فيما تحاول السياسة الأردنية استثمار الموقع الجغرافي وامتداده السياسي لتحقيق مكتسبات اقتصادية.

واستبقت وزيرة الدولة لشؤون الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة، جمانة غنيمات، نتائج مبادرة لندن بالقول إن "مبادرة لندن تعد محطة في مسيرة الأردن الاقتصادية، والرسالة الأهم التي تحاول التركيز عليها أن الحكومة لن تعود من لندن بالمليارات، إنما هي فرصة لتقديم الأردن نفسه اقتصادياً بالإصلاحات والخطوات التي هيأت البيئة الاستثمارية لاستقطاب المشاريع والفرص القادمة، فيما يحتاج الأردنيون إلى حلول عاجلة تلبي احتياجاتهم المباشرة".


ويحضر العاهل الأردني عبد الله الثاني مؤتمر لندن الذي يقود فيه رئيس الوزراء عمر الرزاز الفريق الحكومي المشارك، والذي يضم وزراء المالية عز الدين كناكرية، والتخطيط ماري قعوار، والصناعة والتجارة طارق الحموري، والطاقة والثروة المعدنية هالة زواتي، والاستثمار مهند شحادة.

الخبير والمحلل الاقتصادي، حسام عايش، قال لـ"العربي الجديد" إن جميع المساعدات والقروض والمنح التي تقدم إلى الأردن تأتي في إطار التوظيف السياسي، والغطاء الاقتصادي الذي يحصل عليه هو بهدف الدعم السياسي، لكن بمظهر خطط حكومية اقتصادية، موضحاً أن الأداء الاقتصادي الأردني غير جاذب للاستثمار والمستثمرين بشكل عام.

وحول مؤتمر لندن يقول عايش إن بريطانيا هي الراعية، وهي الطرف الذي يحشد له، فيما الدور المنوط بالأردن هو التحضير لإقناع المشاركين، مانحين ومهتمين وصناديق إقراض دولية، بأن الأردن يمتلك القدرة على جذب الاستثمار.

ويربط عياش بين مؤتمر لندن والدعم الاقتصادي المقدم للأردن على المستوى الدولي بجهود إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، التي يرى أنها تسعى إلى دعم الأردن كشريك في المنطقة يملك الجرأة السياسية، بخاصة أن هناك عملاً وجهوداً أميركية للحفاظ على استقرار البلد، مشيراً إلى أن مساعدات الولايات المتحدة وصلت الى ما يزيد عن مليار ونصف المليار دولار العام الماضي.

وهو يرى أن الولايات المتحدة تسعى لفرض صفقة القرن كحل للصراع في المنطقة، والأردن سيكون جزءاً من هذا الحل، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، والنجاح في الجانب الاقتصادي يسهل الانخراط في أي حل.

كذلك أوضح أن هناك مساعي لمساعدة الأردن في إعداد المشهد الداخلي عبر مبررات مقبولة، مرتبطة ليس فقط بصفقة القرن بل بجميع التغيرات في المنطقة والتي تشمل سورية والعراق والتطورات في اليمن أيضا. وأشار إلى أن الأردن يحاول أن يكون متسقاً مع هذه الجهود، ليعطي انطباعاً بأن ما يحدث هو نتيجة جهود ومساعٍ وقرارات اقتصادية، وليس من أجل لعب دور سياسي في المنطقة، وهذا الأمر مهم لمصالح الأردن السياسية والاقتصادية.

وحول تصريحات رئيس الحكومة عمر الرزاز عن تناول الأردن الدواء المر، قال "ربما من المنتظر أن نأخذ جرعات أكثر من الدواء المر، ولا يمكن التسرّع بالحديث عن نتائج هذا الدواء"، مشيراً إلى أن مبادرة لندن لن تحمل مساعدات وقروضاً، وهذا يعني الانتظار طويلاً للحكم على النتائج.

بدوره، يقول المحلل السياسي، عامر السبايلة، لـ"العربي الجديد"، إن مبادرة لندن خرجت في الأساس لبحث موضوع اللاجئين السوريين قبل أن تتحول إلى فكرة، للبحث عن جذب الاستثمارات، وكأن موضوع اللاجئين حُل ضمناً، مضيفاً ربما هناك من يعتقد أن عودة اللاجئين هي خسارة، للأهمية السياسية للأردن، رابطاً ذلك بتصريحات رئيس الوزراء الأخيرة حول عدم رغبة غالبية اللاجئين في العودة.

ويضيف السبايلة أن الأردن يشعر بالتهميش السياسي جرّاء قفز الآخرين عنه، إذ إن إسرائيل أصبحت تتواصل مباشرة مع معظم الدول العربية، ودور الأردن أصبح أقرب إلى الفاصل الجغرافي، بعد أن كان لاعباً سياسياً أساسياً في المنطقة، مضيفاً "نحن في وضع غير صحي ونبحث عن دور إقليمي".

السبايلة اعتبر أنه إذا استطاعت الحكومة توظيف المبادرة بجذب استثمارات حقيقة ذات فائدة فإن ذلك سينعكس على تقييمها السياسي، لكنه يستدرك بأن أي أثر واضح سيحتاج إلى فترة طويلة، مشيراً إلى أن الأردنيين فقدوا الأمل بمثل هذه المؤتمرات بعد تجارب عديدة سابقة لم تنعكس على حياتهم المعيشية.

يذكر أن مؤتمر لندن غداً لا يشبه مؤتمر لندن الأول الذي عُقد عام 2016، والذي حصل فيه الأردن على منحة مالية قدرها 2.1 مليار دولار، وتمكن من رفع سقف الاقتراض إلى 5.7 مليارات دولار بسعر فائدة ضئیل، باعتبار أن الظروف والمعطيات الإقليمية تغيّرت كثيراً.

المساهمون