القمح المصري ما بين مرسي والسيسي

13 مايو 2017
الأزمات تلاحق مزارعي القمح (Getty)
+ الخط -

وافقت الحكومة المصرية على مشروع موازنة 2017 /2018 خالٍ تماماً من دعم محصول القمح، وفي حين تجاهل الإعلام الرسمي، تناول الإعلام المؤيد للسلطة والمعارض الخبر بقراءات متباينة، باعتباره محصولاً استراتيجياً يمس الأمن القومي.

اعتبر الإعلام المعارض الأمر تفريطاً في الأمن القومي، وتكريساً للتبعية وإهمالاً للفلاحين بالتزامن مع زيادة المخصصات المالية لوزارة الداخلية ورفع رواتب الضباط على حساب الدعم المقدم للفلاحين الذين يمثلون 53% من الشعب، بهدف تقليل عجز الموازنة.

بينما تناول الإعلام المؤيد للسلطة الأمر مشفوعاً بتصريح مضلل لرئيس قطاع الإرشاد الزراعي بوزارة الزراعة، الذي يشغل منصب نقيب الزراعيين في نفس الوقت بأن الموازنة لا تزال "مقترحات" ومن الوارد أن تدخل عليها تعديلات قريبًا.

وعلى الرغم من خطورة الخبر، فقد تجاهله الإعلام الرسمي تماماً ولم تشر إليه صحيفة مختصة بالشأن الزراعي، كالأهرام الزراعي أو الأهرام التعاوني التابعتين لمؤسسة الأهرام الحكومية صاحبة مانشيت "القمح في ذمة الله.. وزيرا الزراعة والتموين يعلنان نهاية عصر زراعة المحصول في مصر".

والحقيقة المنقوصة، عمداً أو جهلاً، أن الحكومة لم تلغ دعم محصول القمح فقط، ولكنها تنهب مزارع القمح، القمحاوي، وتبخس أسعاره بالمقارنة بالقمح الذي تشتريه من السوق الدولية رغم فارق الجودة الكبير، فقد قررت الحكومة شراء القمح من الفلاحين بالأسعار العالمية مطلع العام، وبعد ارتفاعها لصالح المزارعين تراجعت عن القرار لتشتريه بأسعار تقل كثيراً عن السعر العالمي.

الدعم الذي تلغيه الحكومة تماماً ليس ترفاً ولكنه واجب في ظل ما يعانيه مزارع القمح المصري من عجز في التقاوي المحسنة بنسبة 70%، وفي الأسمدة الكيميائية بنسبة 50%. وعلى الرغم من تخطي إنتاجية الحقول الإرشادية 30 أردباً للفدان مقابل 16 أردباً لدى عموم المزارعين، لا تتعدى نسبتها حقلين بين كل 1000 حقل بسبب عجز الإرشاد الزراعي بنسبة 95%.

إفقار المزارع

في الوقت الذي تستورد فيه الحكومة المصرية القمح بسعر 4000 جنيه للطن، ما يعادل 215 دولاراً، شاملاً تكاليف الشحن من المناشئ القريبة في روسيا وفرنسا، تشتريه من المزارعين المصريين بسعر 3700 جنيه للطن، 200 دولار، وبفارق 300 جنيه في الطن الواحد.

وبعد زيادة الحكومة أسعار السماد بنسبة 50%، ومضاعفة أسعار التقاوي والسولار وتكاليف الحصاد، وصلت كُلفة فدان القمح هذا العام إلى 11700 جنيه ما يعنى أن عائد الفدان لا يتجاوز مبلغ 9500 جنيه، ليحقق المزارع خسارة متوقعة في حدود 2200 جنيه.

ولا يقارب جودة القمح المصري، الأجود على مستوى العالم، إلا القمح الأميركي من الرتبة الأولى، والذي يزيد سعره عن الأقماح الأخرى بـ70 دولاراً في كل طن، ليساوي 5100 جنيه للطن، ما يعني أن المزارع المصري يدعم حكومة الجنرال السيسي بـ 1400 جنيه عن كل طن قمح.

السعر الحكومي يخالف المادة 29 من الدستور والتي تنص على أن، تلتزم الدولة بشراء المحاصيل الزراعية الأساسية بسعر مناسب يحقق هامشَ ربح للفلاح، وفي نفس الوقت يستهدف وزير التموين استلام 4 ملايين طن من القمح من المزارعين الموسم الحالي، ما يعني أن مزارعي القمح سوف يدعمون حكومة الجنرال السيسي بمبلغ 6 مليارات جنيه، أو بالأحرى تسرقها من قوت أولادهم.

السعر الحكومي يقل عن سعر الردة، وهي أحد منتجات طحن القمح وتستخدم علفاً للحيوانات، التي زادت إلى 4200 جنيه للطن، وهو الأمر الذي يشجع أصحاب المزارع لشراء القمح واستخدامه علفاً لحيواناتهم بسبب تدنى سعره وارتفاع قيمته الغذائية لينعم الحيوان بغذاء الإنسان!

وبحسب بيانات وزارة الزراعة فإن 85% من محصول القمح المصري ينتجه صغار المزارعين، وبدلاً من دعمهم وتحسين عوائدهم حتى تزدهر إنتاجيتهم، تؤكد تقارير البنك الدولي أن 80% من الفقراء في مصر أصبحوا من فئة صغار المزارعين، ليكشف التقرير عن مسؤولية مثل هذه السياسات في إفقار مزارع القمح! ونتيجة هذا الإهمال الحكومي والإفقار المتعمد أصبحت مصر أكبر مستورد للقمح في العالم بمعدل 12 مليون طن وبنسبة اكتفاء 40%!

فارق الجودة

الحكومة المصرية تستورد قمحاً من الدرجة الرابعة والخامسة، وهي آخر رتب القمح المعد للاستهلاك الآدمي، والتي ليس دونها إلا القمح المخصص للأعلاف الحيوانية طمعاً في السعر المنخفض وزهداً في سلامة المواطن وصحته.

وكذلك الدول المصدرة للقمح لا تبيع مصر إلا القمح القديم المتبقي في صوامعها، منذ عام 2015، بما فيه من فطريات وبقايا الحشرات وفضلاتها المسرطنة وهو ما لا يلتفت إليه المتخصصون.

في هذه النوعية من القمح يقول د.عبدالعظيم طنطاوي، الخبير الدولي ورئيس مركز البحوث الزراعية الأسبق، في تصريح في مارس/ آذار الماضي، إن الدولة تشتري القمح بالسعر العالمي بمعدل 670 جنيهاً للأردب، وهو مليء بفطر الأرجوت وحشيش الإمبروزيا، ما يؤكد تعمد الدولة تدمير القمح المحلي لصالح المستورد، على الرغم من أن هذا القمح يصنف درجة أولى على مستوى العالم.

لا للقمح المصري

بعد أسبوعين من بداية موسم استلام القمح، رصدت الأهرام الحكومية انخفاض معدلات التوريد في ظل انعدام حافز السعر وجاء التقرير بعنوان "القمح يرفض دخول صوامع الحكومة، وأسعار التوريد غير عادلة وأصحاب المزارع الحيوانية يحولونه أعلافاً".

ورغم بخس الحكومة أسعار القمح المحلي وتصريحها بتيسير إجراءات الاستلام، يتفنن وزير التموين، علي المصيلحي، في وضع العراقيل وتأخير استلام القمح بالحيل التي كان يمارسها عندما كان وزيراً للتضامن في عهد المخلوع مبارك، ليصرف المزارع عن زراعة هذا المحصول الاستراتيجي، مرة بحجة أجولة الجوت وأخرى بالحيازة. ويعتبر مستشار الوزير تكدس سيارات القمح أمام نقاط الاستلام وتفريغ السيارة الواحدة في أربع ساعات أمراً طبيعياً، بحسب الأهرام الحكومية في 4 مايو/ أيار.

تعنت الوزير في حق المزارع يكشفه عضو لجنة الزراعة بالبرلمان، محمود شعلان، فيقول، إن "الحكومة بتذل الفلاح علشان توريد القمح، وتتركه أمام الصوامع بالـ 10 أيام، والحكومة بتذل الفلاح علشان فلوسه" بحسب موقع برلماني.

الوزير ينفذ سياسة سلفه خالد حنفي، والذي أرغم المزارعين على النوم أمام شون القمح ليالي عدة ليتمكنوا من التوريد دون جدوى، وقال أحدهم إنه تنقّل بين 3 شون في 3 مراكز على مدار أسبوع كامل، ولم يتمكن من توريد محصوله بسبب التكدس المفتعل.

وفي المنيا ثالث أكبر المحافظات إنتاجاً للقمح تظاهر مزارعو القمح بسبب غلق الشونة، وصرخ أحدهم موجهاً كلامه للسيسي "الفلاح قرب يشحت يا ريس، وخلاص بقينا جيعانين، ولو يا حكومة مش عايزة محصولنا، خلاص مش هنزرعه تان".

وكان استيراد القمح في موسم الحصاد إحدى ألاعيب حنفي التي استنكرها المصيلحي، وأصدر قراراً بحظر استيراد القطاع الخاص القمحَ، خلال الموسم، وعلى الرغم من ذلك تراجع، المصيلحي، عن قراره، ثم فتح باب الاستيراد خلال موسم التوريد واسعاً، ووصلت الكمية إلى مليون طن في الأسبوعين الأولين من مارس/ آذار الماضي، وهي تعادل 20% من إجمالي القمح المستورد.

استيراد القمح في موسم الحصاد كان السبب الرئيس في أكبر قضية فساد للقمح، العام الماضي، وهي السياسة التي أوقفها تماماً، الدكتور باسم عودة، وزير التموين الأسبق في عهد الرئيس، محمد مرسي، ليعطي الفرصة لشراء أكبر كمية من القمح المصري دون معاناة من الفلاح.

القمح بين مرسي والسيسي

 لم ينطق الجنرال السيسي ببنت شفة عن الاكتفاء الذاتي من القمح مطلقاً، طوال فترة حكمه، كما لم يستهجن تصريح وزير تموينه السابق، خالد حنفي، حين اعتبر وصف مصر بأكبر مستورد قمح في العالم "نقطة قوة".

ولا حين قال "لا يجب أن يكون عندنا اكتفاء ذاتي من القمح، وليس من مصلحة مصر أن تكتفي ذاتياً من القمح"، وقفز بالاستيراد إلى 12 مليون طن، بزيادة 70%.

وفي عهده انتكست المساحات المزروعة بالقمح، وكشف تقرير رسمي صادر عن شؤون المديريات الزراعية على مستوى الجمهورية، التابع لوزارة الزراعة في 2016، عن تراجع بمقدار 500 ألف فدان عن العام السابق بنسبة 16%، وجاء تقرير نفس الجهة، هذا العام، كاشفاً عن تراجع آخر بلغ 269 ألف فدان عن العام السابق بنسبة 11%.

وفي الموسم الماضي، أعلن خالد حنفي عن استلام 5.2 ملايين طن من المزارعين، ليكشف النائب العام عن توريدات وهمية بنسبة 40% من الكمية وخلط القمح المستورد بالمحلي، وتدخلت مؤسسة الرئاسة التي تدعي محاربة الفساد لغلق الملف، بحسب مصدر برلماني لـ "العربي الجديد" واكتفى النظام بإقالة الوزير بدلاً من محاكمته.

في المقابل تعهد د. محمد مرسي بالاكتفاء الذاتي من القمح في غضون 4 سنوات، وزادت المساحة المزروعة بنسبة 10%، والإنتاجية بنسبة 30%، بحسب إحصاءات وزارة الزراعة الأميركية، وأوقف استيراد مليون طن في موسم الحصاد، ولم تزد فاتورة الاستيراد في عهده عن سبعة ملايين طن.

بالغ الرئيس مرسي في تقدير مزارع القمح، وفي أحد حقول القمح بقرية بنجر السكر، التابعة لمحافظة الإسكندرية، افتتح مرسي موسم حصاد القمح وقال بين المزارعين من القمحاوية "الفلاح المصري في عين الشعب المصري، ننتج حتى لا يتحكم فينا أحد، من يريد أن يكون عنده إرادة لازم ينتج غذاءه".

المساهمون