النفط السوداني ... أزمات الوقود والسيولة وراء تقارب جوبا والخرطوم

12 يونيو 2018
أزمات الوقود والسيولة الحادة دفعت البلدين للتقارب(Getty)
+ الخط -


تدفع أزمات الوقود والسيولة الحادة التي تعاني منها كل من حكومتي السودان وجنوب السودان، نحو التقارب السياسي وربما إيجاد مخرج للحرب الأهلية المستعرة في دولة الجنوب بين الرئيس سلفاكير ميارديت وخصمه اللدود رياك مشار. ويعيش البلدان أوضاعاً مأساوية على الصعد السياسية والاقتصادية، وسط حروب أهلية وتمرد.

وتنعكس هذه الحروب سلباً على مستقبل الشباب الذي يبحث عن الفرار من البلاد إلى أية جهة وبأي ثمن. وبالتالي استبشر الناس حينما قبل رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير دعوة نظيره السوداني عمر البشير لعقد قمة في الخرطوم مع رياك مشار زعيم المعارضة منتصف يونيو/حزيران الجاري.

وعقدت آمال على أن اللقاء سيكون بداية لإنهاء الأزمات الاقتصادية التي تعيشها الدولتين جراء الصراع الدائر في حقول النفط الواقعة في منطقة جنوب غربي البلاد وتحديداً في منطقة بانتيو ضمن حقول الوحدة، المجاورة لحقول هجيلج المنطقة الغنية بالنفط في البلاد.

واعتبر مراقبون قبول سلفاكير لدعوة نظيره البشير، أنها تمثل انطلاقة جديدة "اقتصادية سياسية" ربما تسهم بقدر كبير في جلب الأمن والاستقرار لدولة الجنوب الذي لا ينفصل عن أمن السودان، كما أنه بالضرورة سينهي دعم الحركات المتمردة للدولتين.

ويعد اللقاء المرتقب فرصة لحكومة البشير لضرب الحركات المتمردة، كما سيساعد على توجيه الموارد وتحسين الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها المواطنون في البلدين.

وحدد للقاء في ثالث أيام عيد الفطر بالخرطوم بين سلفاكير ورياك مشار بجانب حضور رئيس الوزراء الإثيوبي أبي احمد، وذلك وفقاً لمواقع سودانية.

وكانت حكومة جنوب السودان، كشفت عن اتفاق مع السودان يتناول إعادة تشغيل آبار النفط المتوقفة عقب عيد الفطر المبارك بجانب نشر قوات مشتركة لحماية حقول النفط على حدود البلدين.

وأشار مايكل مكوي لويث، المتحدث الرسمي باسم حكومة جنوب السودان عقب اجتماع طارئ لمجلس الوزراء، أن جوبا والخرطوم اتفقتا على إعادة تشغيل حقول النفط المجاورة لمنطقة هجليج، بعد تقييم حجم الخسائر.

وسبق أن ناقش وزير الخارجية السوداني، الدرديري محمد أحمد، موضوع النفط مع سلفاكير إبان زيارته لجوبا، كما بحث الترتيبات اللازمة لتحسين الأوضاع الاقتصادية في كلا البلدين.

وظلت طلبات حكومة جنوب السودان تتكرر عدة مرات للحكومة السودانية من اجل تشغيل أبار حقول النفط المتوقفة منذ سنوات والتي أعتبرها كثيرون واحدة من القضايا المهمة للبلدين.

وشهدت الخرطوم وجوبا في فترات سابقة مباحثات فنية وزيارات متبادلة لوزيرى النفط في البلدين شملت أجندتها إحياء اتفاق التعاون الفني لإعادة تشغيل حقول نفط الوحدة وزيادة الإنتاج في حقول أعالي النيل، إلا أنها لم تكلل بالنجاح نتيجة لنشاط الحركات المعارضة لحكومتي البلدين.

وطالب خبراء بإنهاء الأزمات الأمنية التي ظلت متلازمة لحقول النفط، قائلين إن البترول مادام موجوداً في باطن الأرض فهو آمن لا خوف عليه، إلا أن إعادة تشغيل وتأهيل الحقول من جديد ربما يفتح الباب لمعاودة الحركات المتمردة لنشاطها من جديد برغم أن الفترة الحالية قد شهدت انحساراً لنشاط الحركات المسلحة.

وشهد العام قبل الماضي تجديد الدولتين لاتفاقية عبور النفط حيث طلبت جوبا من الخرطوم مساعدتها فنياً لتشغيل الآبار المتوقفة. ويرى شريف التهامى وزير الطاقة السوداني الأسبق، أن الحديث عن مساعدة السودان فنياً لتشغيل أبار النفط بالجنوب طرقت منذ العام قبل الماضي عند تجديد اتفاقية العبور.

وأوضح، أن مربعي 3و7 بحقول الوحدة يعملان بطاقة إنتاجية متدنية لعدم توفر الأمن وعدم الحصول على صيانة، ما أدى إلى قفل الآبار لإجراءات فنية.

لكن التهامي أقر في حديثه لـ"العربي الجديد"، بإمكانية تشغيل الآبار المتوقفة خاصة أبار الوحدة، إلا أنه قال "يحتاج ذلك إلى تأمين كاف".

وبين أن آبار الوحدة تعتبر من أكبر الحقول المنتجة في منظومة مشروع النفط السوداني، فإذا تمكن البلدين من إعادة الثقة للشركات، فإن ذلك يمكنه من رفع نصيب السودان الذي يعاني من أزمات اقتصادية.

من جانبه، قال الخبير الاقتصادي الفاتح عثمان لـ"العربى الجديد"، إنه بالنسبة للدولتين فإن إعادة التشغيل مهمة في ظل الأزمات الاقتصادية الحادة والتي تكاد تصل حد الإفلاس، فإن أي دخل يعود لهما يعتبر مسالة مهمة.

ورأى أن من مصلحة السودان السعي بجدية لحل مشاكل سلفاكير ونائبه السابق مشار للحصول على عائد مرور النفط عبر أراضيه وتعظيم طاقة الأنابيب، لأن إعادة تشغيل الحقول يعني إنهاء أزمات الجنوب والشمال معا .

وقال إن الدخل الذي تحصله الحكومتان من حقول النفط بالتأكيد سيساعد على تخفيف الأزمات التي يعاني منها الشعب في البلدين.

وأكد الفاتح أن هذا الاتفاق أعيد للمرة الخامسة وفى كل مرة العائق هو عدم قدرة الجنوب على ضمان الأمن. وقال أن هذا العائق مازال قائماً، حيث اشتعلت اشتباكات أخيراً قرب حقول النفط، الأمر الذى يمكنه أن يؤثر على عودة الشركات النفطية.

وقال الآن البترول مغلق وفي أمان تحت باطن الأرض، ولكن عند بدء التشغيل سيكون التخوف من اشتعال الحقول وخطوط الأنابيب، ولذلك ترفض الشركات المجيء دون ضمانات.

وأضاف أن الحل الوحيد لاستثمار الثروة النفطية، هو توقيع اتفاقية سلام جديدة، كما هو مؤمل في لقاء الخرطوم المقبل . واعتبر الفاتح أن إمكانية ضخ النفط من جديد هو فرصة للدولتين، لأن بترول الوحدة كفيل بإعادة الأمور إلى نصابها وإنهاء الأزمة.

كما أن حالة السودان المتأزمة اقتصادياً تتطلب موارد للعملات الصعبة، فاذا تحصلت البلاد ولو على 400 مليون دولار، فإنها تكفي البلاد لتسديد فاتورة استيراد القمح، إضافة لضمان تشغيل مصفاة الخرطوم بطاقتها القصوى مع إمكانية شراء النفط الجنوبي الخفيف، وبالتالي يمكن للمصفاة أن تصل طاقتها إلى 100 ألف برميل في اليوم.

وانخفض إنتاج دولة جنوب السودان النفطي من 350 الف برميل يومياً إلى 160 ألف برميل يومياً بسبب النزاع بين الرئيس سلفاكير ونائبه الأول بجانب نزاعه مع السودان بشأن رسوم ضخ النفط الخام من الجنوب عبر خط أنابيب التصدير الذي يصدر عبر ميناء بورتسودان، وهو ما قاد حكومة جوبا إلى وقف الإنتاج 2012.

وينتج أغلب النفط في دولة جنوب السودان من حقول الوحدة التي تضخ بطاقة 200 الف برميل في اليوم قبل أن يتوقف بسبب الحرب، فيما تبقى حقل أعالي النيل الذي ينتج 160 ألف برميل فقط.

وتأتي نسبة 80% من إنتاج النفط من حقول دولة جنوب السودان، إلا أن السودان يمتلك المصفاة الوحيدة لتكرير الخام بجانب خطوط تصديره عبر ميناء بورتسودان في شرق السودان.

وتمتلك حكومة جنوب السودان حوالي 73% من إجمالي النفط السوداني بعوائد تقدر بحوالى 4 مليارات دولار. وبعدما كان السودان بلداً مصدراً للنفط، أضطر إلى البدء في استيراده بعد انفصال الجنوب في عام 2011، آخذاً معه ثلاثة أرباع إنتاج البلاد من الخام ومصدره الأساسي للعملة الصعبة.

ومنذ فقدان العملات الصعبة التي كان يجنيها من مبيعات النفط، بدأ السودان يعاني من تدهور سعر صرف عملته المحلية التي بلغت 35 جنيهاً مقابل الدولار خلال الأسبوع الجاري، وفق ما ذكره أحد المتعاملين في السوق الموازية الذي توقع حدوث المزيد من التراجع في قيمة الجنيه السوداني في الأيام المقبلة.

ويجري تداول العملة المحلية في السوق الرسمية حالياً عند 28 جنيها للدولار مقارنة مع 6.7 جنيهات أواخر ديسمبر/كانون الأول، كما تفاقمت في الشهور الأخيرة أزمة الوقود التي عطلت الإنتاج وعاقت حصاد بعض المحاصيل.

كما ارتفع التضخم إلى 55.6% على أساس سنوي في مارس/آذار من 54.34% في فبراير/شباط الماضي، ويفرض البنك المركزي منذ نحو شهرين قيوداً على عمليات السحب النقدي اليومية من المصارف.

المساهمون