مليارات وفر المشتقات البترولية في مصر.. أين تذهب؟

27 ديسمبر 2018
المستهلك ينتظر خفضاً في سعر الوقود (فرانس برس)
+ الخط -

 

يسأل الأتراك منذ بداية شهر أكتوبر الماضي سؤالاً ملحّاً لا يجدون له إجابة محددة وفاصلة: "أين جثة الصحافي جمال خاشقجي" التي اختفت في القنصلية السعودية بإسطنبول عقب إغتياله من قبل أشخاص محسوبين على النظام السعودي.

وعلى غرار هذا السؤال، يسأل المصريون، ومنذ ذلك التوقيت أيضاً سؤالاً ملحّاً لا يجدون له إجابة: "أين الوفر الذي حدث في فاتورة استيراد النفط والمشتقات البترولية"، علماً بأن هذا الوفر يقدر بعشرات المليارات من الجنيهات، إذ باعتراف الحكومة المصرية نفسها فإن أي زيادة في سعر برميل البترول بقيمة دولار واحد تكلف الموازنة العامة للدولة عبئاً مالياً بقيمة 4 مليارات جنيه، أي ما يعادل 222 مليون دولار، وبالقياس فإن أي انخفاض في أسعار النفط يوفر للموازنة العامة هذه القيمة.

لكن، ما العلاقة بين السؤالين السابقين، وما الرابط بين جريمة قتل خاشقجي والموازنة المصرية؟

الرابط بين السؤالين زمني فقط، فمنذ بداية شهر أكتوبر الماضي، موعد اغتيال خاشقجي، وأسعار النفط تواصل انخفاضها، لعوامل عدة من أبرزها إغراق السعودية الأسواق العالمية بالنفط تحت ضغوط شديدة من ترامب، وزيادة المعروض من النفط مع تراجع الطلب، واستمرار صادرات إيران النفطية رغم فرض العقوبات الأميركية على طهران، وزيادة الإنتاج العالمي من النفط وخاصة الصخري، والتوترات في الاقتصاد العالمي على خلفية الحرب التجارية بين أكبر اقتصاديين في العالم وغيرها.

فسعر النفط بلغ نحو 88 دولاراً في بداية أكتوبر الماضي، أما الآن فيبلغ 53 دولاراً، والسعر يقترب حالياً من أدنى مستوياته في 18 شهراً، بل وصل إلى حاجز الـ 50 دولاراً في بعض الأيام الماضية، وهو ما يعني أن أسعار النفط فقدت 40% من قيمتها في أقل من 3 أشهر، وهذا التهاوي انعكس إيجاباً على الدول المستوردة ومنها مصر وتونس والمغرب والأردن والعديد من الدول العربية، كما قلصت العجز في موازنات الدول المستهلكة.


كان المستهلك المصري يتوقع خفضاً في أسعار البنزين والسولار بسبب تهاوي أسعار النفط، على غرار الخفض الذي جرى في العديد من الدول، خاصة أن موازنة مصر لعام 2018/ 2019 قدرت سعر البرميل بـ 67 دولاراً، وهو ما يعني وفراً بـ 14 دولاراً للبرميل الواحد.

واستناداً للأرقام الرسمية فإن هذا الخفض في سعر النفط عالمياً يوفر للموازنة المصرية نحو 56 مليار جنيه سنوياً، بالطبع يجب أن نأخذ في الاعتبار الفترات التي شهدت ارتفاعاً في سعر النفط خلال الربع الأول من العام المالي الجاري ( يوليو- سبتمبر)، وهو ما يخفض رقم الوفر المالي، لكن على أي حال هناك وفر مالي ضخم حدث في الموازنة العامة للدولة بسبب تهاوي أسعار النفط، والملفت هنا أن الحكومة لم تتحدث عن هذا الوفر رغم أنها تحدثت كثيراً عن الأعباء التي تتحملها الموازنة بسبب زيادة أسعار النفط في شهور سابقة .

كما سينعكس تهاوي أسعار النفط على الميزان الجاري لمصر، إذ حسب الأرقام فإن كل 10 دولارات زيادة في سعر البرميل تزيد عجز الميزان الجاري بين مليار إلى 1.2 مليار دولار.

قبل شهور لم يكن هناك حديث في الإعلام المصري سوى عن التأثيرات الخطيرة لزيادة أسعار النفط، وكانت مانشيتات الصحف صادمة للمصريين، وتوحي بنيّة الحكومة إجراء زيادات كبيرة في أسعار المشتقات البترولية.

مثلاً كانت عناوين الصحف والمواقع تظهر على النحو التالي: "الحكومة في مرمى النيران بسبب أسعار النفط"، و"الموازنة المصرية على صفيح ساخن"، و"ارتفاع أسعار النفط أحد أكبر المخاطر التي تواجه الاقتصاد المصري في الفترة المقبلة"، و"الحكومة مضطرة لزيادة أسعار النفط بمعدلات قياسية، وعلى المواطن أن يتحمل"، والحكومة في مأزق لأن ارتفاع أسعار البترول يهدد مستهدفات الموازنة، وزيادة أسعار النفط كلفت مصر 45 مليار جنيه زيادة في الموازنة خلال آخر 3 أشهر، والزيادة تضع الموازنة في ورطة، والحكومة تحدد سعر البرميل بـ67 دولاراً والخام يقترب من 80 دولاراً، ووزارة المالية: كل دولار زيادة في سعر البترول يرفع الدعم 4 مليارات جنيه، ومسؤول: نتحمل 300 مليون جنيه دعماً يومياً.


الآن وقد تهاوى سعر البترول عالمياً رغم اتفاق كبار منتجي النفط من داخل منظمة أوبك وروسيا على خفض الإنتاج بكميات 1.2 مليون برميل يومياً، وتوقعات كبار بنوك الاستثمار العالمية باستمرار هذا الهبوط في عام 2019، فهل يستفيد المواطن المصري بعضاً من هذا التراجع الحادّ في الأسعار، أم ستواصل الحكومة تهديد المستهلك بزيادة أسعار المشتقات البترولية وفي مقدمتها البنزين والسولار باعتبار أن ذلك شرط من شروط كبار المقرضين، وفي مقدمتهم صندوق النقد والبنك الدوليان مقابل صرف الشرائح الجديدة من القروض؟

وإذا كانت الحكومة قد تحدثت عن الكلفة التي تتحملها الموازنة العامة في حال زيادة أسعار النفط في الأسواق العالمية، فهل تفصح عن قيمة الوفر المالي الذي سيتحقق نتيجة فقدان الأسعار 40% من قيمتها، وأين يذهب هذا الوفر الضخم، ولماذا لم ينعكس ايجابا على أرقام الموازنة العامة للدولة؟

المساهمون