الخلافات مع الحكومة ورجال الأعمال تطيح بمحافظ المركزي المصري

22 أكتوبر 2015
انتقادات لهشام رامز بسبب السياسة النقدية (Getty)
+ الخط -
قالت مصادر مصرية مسؤولة إن هناك 3 أسباب رئيسية وراء استقالة محافظ البنك المركزي المصري هشام رامز من منصبه، أمس، وتعيين طارق عامر بدلاً منه.
وأضافت المصادر أن الأسباب تتعلق بخلافات رامز المستمرة مع الحكومة ومجتمع الأعمال وتهاوي قيمة الجنيه أمام الدولار واتساع رقعة السوق السوداء للعملة وتنامي اضطرابات سوق الصرف ووصول الاحتياطي الأجنبي لمرحلة الخطر.
وحسب المصادر، التي فضّلت عدم ذكر اسمها لحساسية موقعها، فإن السبب الأول والأبرز لاستقالة محافظ البنك المركزي هو خلافات رامز المستمرة مع أعضاء الحكومة والتي زادت حدتها في الأشهر الماضية، خاصة مع وزراء المجموعة الاقتصادية، وفي مقدمتهم وزراء المالية والبترول والاستثمار والتجارة والصناعة والتموين، وأن الخلافات كانت تدور حول إدارة رامز للسياسة النقدية التي اعتبرتها أطراف حكومية تتناقض مع السياستين المالية والاقتصادية للحكومة، خاصة المتعلقة بمحاولات خفض الدين المحلي ومكافحة التضخم والأسعار.
كما دارت الخلافات أيضا بسبب هجوم رامز المستمر على وزراء المجموعة الاقتصادية واتهامهم بعدم الاستفادة من سياسات خفض قيمة الجنية، خاصة على مستوي زيادة السياحة والصادرات والاستثمارات الخارجية، وكذا عدم استفادة الحكومة من الانخفاضات الحادة في أسعار النفط والغذاء عالميا، حيث ترتفع الأسعار في مصر في الوقت الذي تتراجع فيه بشدة في الخارج.
وبحسب المصادر أيضاص فإن "إدارة رامز لملف السياسة النقدية كان يحرج الحكومة أمام الرأي العام بشكل مستمر، وخاصة أنها تسببت في ارتفاعات مستمرة في الأسعار، وتآكل قيمة الجنيه أمام الدولار، كما أدت لزيادات كبيرة في حجم الدين العام المحلي الذي تجاوز 2 تريليون جنيه (250 مليار دولار)، وزيادة الالتزامات المالية المترتبة على الدولة التي تعاني عجزا مزمنا تجاوز 250 مليار جنيه في العام المالي الأخير".

وقال مسؤول مصرفي بارز "هناك خلافات شديدة نشبت بين رامز ووزير الاستثمار أشرف سلمان بلغت ذروتها عقب إطلاق الأخير تصريحات في مؤتمر اليورومني قبل شهر ونصف من الآن، قال فيها إن تخفيض الجنيه المصري لم يعد اختيارا في ظل الظروف الاقتصادية المحلية والعالمية حالياً، فإما أن نخفض سعر الجنيه أو نضحي بالاحتياطي الأجنبي، وأن الحكومة ترى أنه لا يجب أن ينخفض الاحتياطي عن هذا الحد، واعتبر رامز تصريحات سلمان بمثابة تدخل صارخ في إدارة السياسة النقدية وتلحق أضرارا كبيرة بسوق الصرف وتدفع حائزي الدولار لاكتنازه وتحقيق أرباح رأسمالية مع خفض قيمة الجنيه، كما يمثل ضغطا شديدا على الاحتياطي الذي فقد 3.7 مليارات دولار في الأشهر الثلاثة الأخيرة".
ولا يكفي الاحتياطي الحالي من النقد الأجنبي لدى البنك المركزي والبالغ نحو 16.3 مليار دولار تغطية واردات مصر لأكثر من شهرين أو ثلاثة أشهر، حسب تقديرات حديثة لوكالة موديز للتصنيف الائتماني.
وتكررت الخلافات بين رامز وأشرف سلمان مرات عدة، وخاصة أن وزير الاستثمار اعتبر أن فشل مؤتمر شرم الشيخ وهروب الاستثمارات الأجنبية وعدم جذب استثمارات جديدة يرجع لاضطرابات سوق الصرف وعدم تدبير البنوك سيولة دولارية للمستثمرين الأجانب لاستيراد مواد خام وسلع وسيطة.
كما زادت الخلافات عقب الهجوم الشديد الذي شنته منظمات الأعمال وجمعيات المستثمرين والصناعيين على رامز بسبب القيود التي فرضها على عمليات السحب والإيداع بالدولار ووجود صعوبة شديدة في الحصول على نقد أجنبي لتمويل وارداتهم، وتعريضهم لغرامات من قبل مستوردين دوليين بسبب تأخرهم في التعاقدات الخارجية.
وكان رامز قد وعد أكثر من مرة بالقضاء على السوق السوداء للعملة واضطرابات سوق الصرف، وخاصة أنها تسبب قلقا للمستثمرين، إلا أن وعوده لم تتحقق رغم التخفيضات المستمرة في قيمة الجنيه والتي أدت لحدوث قفزات في أسعار السلع، وخاصة أن مصر تستورد 70% من وارداتها من الخارج.

اقرأ أيضا: تهاوي الجنيه يطيح بمحافظ البنك المركزي المصري

لكن هشام إبراهيم، الخبير المصرفي وأستاذ التمويل والاستثمار بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، قال لـ"العربي الجديد"، إن رامز لم يكن السبب وراء اضطرابات سوق الصرف، بل إن السبب هو تراجع موارد البلاد من النقد الأجنبي، خاصة من أنشطة السياحة والصادرات.
وأضاف إبراهيم "رامز كان يصلح سياسات حكومية خاطئة، وقرار خفض قيمة الجنيه كان بهدف الحفاظ على الاحتياطي لدى البنك المركزي".

وكان البنك المركزي المصري قد خفض قيمة الجنيه في مواجهة ‏الدولار بنحو 79 قرشا منذ بداية العام الجاري، وكان آخر تخفيضين بقيمة 20 قرشا جريا قبل أيام.
وزادت الخلافات بين البنك المركزي ووزارة البترول خلال الفترة الأخيرة بسبب ما سمّته مصادر داخل الوزارة تلكؤ المركزي في تدبير النقد الأجنبي اللازم لتمويل واردات البلاد من المشتقات البترولية والبالغة قيمتها 1.2 مليار دولار شهريا، وهو ما أدى إلى حدوث اختناقات داخل محطات الوقود خاصة في الفترة الأخيرة.
وعلى الرغم من اتفاق رامز والحكومة على ضرورة الاستجابة لنصائح المؤسستين الماليتين، صندوق النقد والبنك ‏الدوليين، اللتين دعتا مصر لتبني سياسات مرنة لسعر الصرف في حال الاقتراض الخارجي، إلا أن هناك خلافات بين الطرفين تعلقت بتوقيت تخفيض قيمة الجنيه في مواجهة ‏الدولار، وخاصة أن أطرافاً حكومية حذرت أكثر من مرة من تأثيرات القرار على الأسعار، وتخوفت من أن يثير ذلك غضب الرأي العام، خاصة في هذه الفترة الحساسة التي تشهد فيها البلاد انتخابات برلمانية.
وحسب مصادر حكومية، فقد شهد اجتماع عقد قبل أسبوع خلافات شديدة بين رامز ووزراء، وزادت حدته مع تأكيد رامز، في مداخلة تلفزيونية، يوم السبت، أن الاحتياطي النقدي انخفض بسبب مشروع قناة السويس الجديدة واستنزافه لموارد النقد الأجنبي، بالإضافة إلى سداد حصة الشريك الأجنبي لشركات البترول الأجنبية.
وحسب زكريا صلاح، الخبير المصرفي المصري، فإن هشام رامز لم يجد تعاونا من الحكومة في الفترة الأخيرة، بل ساهم بعض الوزراء في بلبلة السوق عبر تدخلهم بتصريحات خاصة بسعر صرف الجنيه مقابل الدولار.
وأضاف "رامز استلم منصبه في توقيت صعب جدا وتحمّل خطأ وتبعات عدم اتخاذ البنك المركزي لقرار تخفيض العملة بعد ثورة 25 يناير مباشرة".
وحول المحافظ الجديد، قال صلاح "طارق عامر من الشخصيات النشيطة جدا ولا يهدأ له بال حتى يحل ما يطرأ أمامه من مشاكل، وعلى الرغم من محدودية الأدوات المتاحة إلا أنه سيعمل بنشاطه ودبلوماسيته المعهودة مع مختلف الأطراف على استقرار سعر الصرف وتحسين أداء القطاع المصرفي".

اقرأ أيضا: مصر: رجال اﻷعمال ينتصرون في معركة الدوﻻر
المساهمون