كيف تسترد السعودية أموال الموقوفين من البنوك الغربية؟

11 نوفمبر 2017
تحتاج السعودية إلى تقديم أدلة قانونية لتجميد أموال الموقوفين(Getty)
+ الخط -
ربما سيكون أمام الحكومة السعودية سنوات عديدة حتى تتمكن من الحصول على الأموال التي تأمل الحصول عليها من المليارديرات والأمراء الذين تم اعتقالهم في ما يسمى بـ"حملة مكافحة الفساد".
ويرى قانونيون على دراية بملف قضايا الفساد في لندن أن مثل هذه القضايا تأخذ سنوات عديدة ومعارك قانونية طاحنة في المحاكم الغربية، وربما تكبد الحكومة السعودية مئات الملايين من الدولارات، ولا تحصل في النهاية، إلا على نسبة ضئيلة من موجودات الأثرياء والأمراء في قائمة الاتهام، المستثمرة أو المودعة في الدول الغربية.
وذلك ببساطة لأن القوانين الغربية وإجراءات المحاكم في مصادرة الأموال واسترجاعها تختلف عن القوانين المتعامل بها في السعودية والعديد من الدول الخليجية.

وحتى الآن لم يقدم النائب العام السعودي أدلة قانونية بشأن تجريم المتهمين بالفساد. وكل ما قاله النائب العام للمملكة العربية السعودية وعضو اللجنة العليا لمكافحة الفساد، الشيخ سعود المعجب، في بيان له يوم الخميس نقلته وكالة "واس" السعودية، بأن التحقيقات عن الأفراد الذين تم استدعاؤهم تمضي قدماً بخطواتٍ سريعة، وسنقوم بتوفير أي مستجدات، مشيراً إلى
أن عدد الأشخاص الذين جرى توقيفهم 208 متهمين، فيما تم إطلاق سراح سبعة منهم، لعدم وجود أدلة كافية. كما قدر القيمة المالية لهذه الممارسات التي دامت عقوداً بمبالغ تتجاوز 375 مليار ريال (حوالى 100 مليار دولار)، وفقاً لما تبين من التحقيقات الأولية.

وذكر الشيخ المعجب أن محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي قبل طلبه بتجميد الأرصدة الشخصية لهؤلاء في هذا التحقيق. كما أشار إلى أن أموال الفساد التي تسعى الحكومة السعودية إلى استرجاعها تخص قضايا رشى وغسل أموال وابتزاز واستغلال المال العام.
وكدليل على صعوبة الإجراءت القانونية الغربية، أمام الحكومة السعودية تجربة دولتين عربيتين هما تونس ومصر، اللتين حاولتا استرجاع أموال حسني مبارك وزين العابدين بن علي. ولم تتمكن مصر حتى الآن من استرجاع 111 مليون دولار من الأموال التي سرقها مبارك عائلته وأعوانه ووضعوها في حسابات بريطانية.
كما لم تتمكن تونس سوى من استرجاع جزء ضئيل من الثروة التي سرقها بن على. وتقدر الأموال التي سرقها بن على بحوالى 35 مليون دولار وأخفاها بالبنوك السويسرية، بعد مطالبات استمرت 6 سنوات.

وتحتاج السعودية لتجميد أموال المتهمين بالفساد من كبار رجال الأعمال والأمراء في المصارف والشركات الغربية ومصارف "الأفشور" إلى تقديم أدلة قانونية تجرم المتهم ويعترف بها القضاء في الدول الغربية، قبل الحصول على حق تعقب الموجودات وصدور أمر قضائي بتجميدها.
كما يحتاج استرجاع الموجودات إلى ملاحقات قضائية أخرى تخص الجهات التي بحوزتها هذه الموجودات، خاصة أن العديد من المصارف وشركات توظيف الأموال الغربية التي يتعامل معها الأثرياء والأمراء المعتقلون بتهم الفساد لن تكون حريصة على تقديم بيانات، إلا بطلب قضائي رسمي يجبرها على ذلك. وهذا يعني، أن السعودية ستحتاج إلى شركات محاماة عديدة للقيام بعمليات التحري والتقصي لجمع المعلومات عن موجودات المعتقلين حتى في حال توفر أدلة كافية على ادانتهم تقبلها المحاكم الغربية.

في هذا الشأن قال محام خليجي يملك خبرة دولية في قضايا الفساد لوكالة "رويترز"، إن أمام الحكومة السعودية وسيلتين للحصول على الموجودات التي تريد استرجاعها من المتهمين بالفساد وهي: أما أن تكون لدى السعودية اتفاقية أومعاهدة قانونية مع الدول الأجنبية التي تريد استرجاع الموجودات منها.
وفي هذه الحال يمكنها طلب المساعدة من الدولة المعنية لجمع الأدلة الكافية حول المتهم قبل تقديم طلب للمحكمة لحجز الموجودات الخاصة بالمتهم. ولكن يلاحظ أن السعودية ليست لديها اتفاقية مع الدول الغربية التي تعد وجهات رئيسية للمستثمرين والأمراء السعوديين الذين تم اعتقالهم يوم السبت. حيث إن السعودية ليست لديها اتفاقيات أو معاهدات قانونية مع أميركا ولا سويسرا أو فرنسا، أو بريطانيا. وهي الدول الرئيسية التي يستثمر فيها أثرياء السعودية.

أما الوسيلة الثانية، فهي استخدام النفوذ السياسي، عبر إرسال طلبات إلى وزارات العدل في الدول التي توجد بها موجودات المتهمين. ولكن يلاحظ أن هذا الأسلوب حتى ولو قبلته وزارات العدل في هذه الدول، ربما لا تقبله المحاكم. وذلك ببساطة لأن القضاء مستقل في هذه الدول الغربية.
بالإضافة إلى هذه الصعوبات القانونية، يرى خبراء غربيون أن هنالك بعض قضايا الفساد المتعلقة بصفقات الدفاع والأمن وأخرى تمس السيادة والأمن القومي، وهي قضايا لا تريد السعودية فتحها في القضاء الغربي، أو ربما حتى الدول الغربية نفسها ترفض السماح بتناولها علناً. كما حدث في ملف صفقة اليمامة في بريطانيا الذي ورد فيه اسم الأمير تركي بن ناصر بن سعود.
وتقدر دراسة أجرتها الوكالة الوطنية الأميركية للأبحاث الاقتصادية، أن حوالى 300 مليار دولار من الثروات السعودية الخاصة مودعة في حسابات "أوفشور". وبالتالي من الصعب تعقبها، حيث إن حسابات الأوفشور، عادة ما تكون بأسماء شركات وهمية، ليست لديها مكاتب أو هواتف، وأن كل ما هو متوفر للباحث عنها هو صندوق بريدي.

وحسب تقرير شركة "بووز آند كومباني" الأميركية، الصادر في يونيو/حزيران الماضي، فإن الأثرياء السعوديين يملكون نسبة 74% من الثروة الخاصة في منطقة الخليج. وتقدر الشركة الأميركية الثروات التي يملكها الأغنياء في الخليج بحوالى 2.2 ترليون دولار. وهو ما يعني أن الموجودات التي يملكها الأثرياء في السعودية تقدر بحوالى 1.6 ترليون دولار.
وحسب تقرير لرويترز يوم الخميس، فإن هنالك حركة بيع مكثفة لموجودات أثرياء السعودية في دول الخليج، خاصة في دبي، التي تخطت مبيعات العقارات فيها حاجز مليار درهم في يوم واحد حسب تقرير دائرة الأراضي يوم الخميس.

ورصدت مصارف غربية خلال اليومين، أن الأغنياء السعوديين يحركون أصولاً خارج المنطقة لتجنب خطر الوقوع في ما ما سمته الحكومة السعودية "حملة مكافحة الفساد".
ويقول مصرفيون في دبي إن بعض المليارديرات والمليونيرات السعوديين، يبيعون استثمارات في دول مجلس التعاون الخليجي بسرعة وبتخفيضات كبيرة ويحولونها إلى نقد أو حيازات سائلة. وفي السعودية، يجري بعضهم محادثات مع المصارف ومديري الأصول لنقل الأموال إلى خارج البلاد.
وحتى يوم الأربعاء، خسرت البورصات الخليجية حوالى 17.4 مليار دولار من قيمتها السوقية، وسط مبيعات مذعورة من قبل المستثمرين. وحدث ذلك على الرغم من أن صناديق الاستثمار الحكومية في السعودية تدخلت بكثافة في السوق، لحمايته من الانهيار.

وتوقع مصرفيون غربيون في دبي، أن يكون طلب البنك المركزي الإماراتي من البنوك التجارية لمعلومات عن حسابات المعتقلين بتهم الفساد بالسعودية، مقدمة لطلب تجميد هذه الحسابات. وقال مصرفي كبير لوكالة رويترز، أمس الخميس: "في حال حدوث مثل هذه الخطوة، فإنها ستضرب موقع دبي كمركز مصرفي"، وأضاف المصرفي في تعليقاته "البنوك الإماراتية مليئة بالأموال السعودية".


المساهمون