فصلت الحكومة الجزائرية في ملف استيراد السيارات المستعملة، حيث قررت تحرير وارداتها رسميا، في خطوة وصفها مراقبون بأنها تستهدف استرضاء الشارع الجزائري وامتصاص غضب الحراك الشعبي المتواصل.
وفي المقابل، تخوف محللو اقتصاد من أن يفتح هذا القرار بابًا جديًدا على الفساد في حال غياب الرقابة الحكومية.
وهذا القرار من شأنه أن يرجع بعض الأمل للجزائريين في شراء سيارة تناسب قدراتهم المالية، بعدما أرهقتهم الأسعار المرتفعة بشكل مبالغ فيه للسيارات المجمعة محليا.
وحسب المعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد" من مصدر حكومي، فإن "ملف تحرير استيراد السيارات المستعملة جاهز منذ 2016، إلا أن وفاة وزير التجارة الأسبق بختي بلعايب، معد الملف، أدخل المشروع أدراج الحكومة".
وحسب المصدر، فإن "عمليات الاستيراد ستمس السيارات المستعملة لأقل من 3 سنوات، على أن يستورد كل جزائري سيارة واحدة بين 3 إلى 5 سنوات، ويجب أن تتم العملية عبر حساب بنكي بالعملة الصعبة، في حين تصل الرسوم الجمركية إلى 50 بالمائة وتقل الرسوم كلما قل سعر الشراء".
وأثار إعلان حكومة نور الدين بدوي المؤقتة بالعودة إلى استيراد السيارات المستعملة بعد 13 عامًا من الحظر، الكثير من الجدل والتساؤلات حول خلفيات هذا القرار في الوقت الراهن الذي تشهد فيه البلاد حراكًا شعبيًا يدعو إلى رحيل رموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة الذي أطاحت به الاحتجاجات الساخطة.
وانقسمت وجهات نظر المراقبين بين الرؤية الاقتصادية الحذرة من انعكاسات هذا القرار على الاقتصاد الجزائري والأسواق الداخلية للسيارات، وبين التشكيك في نوايا الحكومة التي ترغب في كسب رضا الشارع الغاضب.
ورأى الخبير الاقتصادي جمال نور الدين أن في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "القرار يمكن أن يكون له بعد سياسي، في هذا التوقيت، فمع تواصل الحراك تريد الحكومة تقديم هدية مسمومة للشعب الجزائري، لعلها تكسب شيئا من المصداقية عنده، وهي تعلم أن مصانع تجميع السيارات لا يمكنها الاحتجاج على القرار، كونها تحت مجهر القضاء الجزائري، الذي يحقق مع ملاكها في قضايا تهريب الأموال وغيرها من الشبهات المالية".
وكانت الجزائر قد استوردت السنة الماضية بما قيمته 3.2 مليارات دولار من هياكل السيارات الموجهة لمصانع تجميع السيارات المعتمدة في البلاد، والتي بلغ عددها 6 مصانع، وهو رقم أحرج الحكومة الجزائرية التي روجت لمصانع التجميع على أنها ستساهم في كبح فاتورة واردات السيارات، وهو ما لم يحدث، حيث استقرت الواردات.
وجاءت مصانع تجميع السيارات في قلب العديد من الفضائح التي شغلت الشارع الجزائري في السنوات الماضية، بدأت مع تسريب صور من ميناء الجزائر لسيارات شبه مركبة لا تنقصها إلا العجلات، كانت موجهة لأحد مصانع التجميع المعتمدة في البلاد.
أما الفضيحة الأخرى فكانت متعلقة بالأسعار، إذ كشفت الحكومة أن أسعار السيارات المجمعة في البلاد المُعلن عنها من قبل العلامات التجارية المعتمدة، تفوق بكثير تلك التي تستورد مجمعة من الخارج، ويبلغ الفارق 500 ألف دينار جزائري (4900 دولار)، ويصل في بعض الأحيان إلى أكثر من مليون دينار (10 آلاف دولار).
يذكر أن عدد مصانع تجميع السيارات المعتمدة في الجزائر يبلغ خمسة، وهي تابعة لعلامات "رينو" الفرنسية و"كيا" و"هيونداي" الكوريتين الجنوبيتين، بالإضافة إلى "فولكسفاغن" الألمانية و"سوزوكي" اليابانية، في وقت حجزت فيه الحكومة رخصتين إضافيتين؛ واحدة لـ"بيجو" الفرنسية والأخرى لـ"نيسان" اليابانية.
وكشف وزير المالية الأسبق عبد الرحمان بن خالفة أن "استيراد السيارات المُستعملة سابقا كان يطرح عديد المشاكل على مستوى المراقبة، فالكثير من السيارات المستعملة المغشوشة تم استيرادها في الماضي وعجزت أجهزة الجمارك عن إحباط دخولها للجزائر، وهذه النقطة لا تزال مطروحة".
ومن الناحية المالية رأى بن خالفة في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "فتح باب استيراد السيارات المستعملة سيرفع الطلب على العملات الأجنبية في السوق الموازية للعملة الصعبة، فالحكومة ترفض بيع العملة في البنوك لمن أراد أن يشتري سيارة مستعملة من الخارج، وبالتالي هي تدفع المواطن نحو الأسواق الموازية لشراء العملات، وقد يتسبب ذلك في ارتفاع لافت، خاصة للعملة الأوروبية الموحدة (اليورو) مقابل الدينار، وهذه من النقاط التي تبقى سوداء في هذا الملف".