السعودية تواجه هبوط النفط بإحكام قبضتها على الأموال العامة

12 أكتوبر 2015
حقول نفطية في السعودية (أرشيف/Getty)
+ الخط -


قالت مصادر مطلعة، إن وزارة المالية السعودية أصدرت تعليمات للجهات الحكومية بإعادة ما لم تنفقه من أموال مخصصة لمشروعاتها في ميزانية هذا العام، وذلك في إطار سعيها إلى ترشيد الإنفاق في ظل هبوط أسعار النفط.

ونقلت وكالة "رويترز"، عن المصادر أن: "الوزارة أخبرت الجهات الحكومية، هذا العام، أنه في حال عدم إنفاق المبالغ المخصصة لكل مشروع يجب إرسال هذه الفوائض لها مرة أخرى"، ولم يتسن الحصول على تعقيب من وزارة المالية.

وعلى مدى الأعوام الماضية، التي شهدت طفرة نفطية، كانت الجهات الحكومية في أكبر مصدر للنفط في العالم لديها المرونة في صرف المبالغ الفائضة من الميزانية المخصصة لها بنهاية كل عام مالي عبر ما يعرف بالمناقلات بين بنود وبرامج ومشروعات الميزانية.

ومنذ منتصف 2014 انخفضت أسعار النفط أكثر من النصف، ويتوقع صندوق النقد الدولي ومحللون أن تسجل المملكة عجزاً قياسياً في الموازنة قد يتجاوز 120 مليار دولار هذا العام.

ولتغطية هذا العجز لجأت الحكومة إلى سحب أكثر من 80 مليار دولار من الاحتياطيات الخارجية منذ أغسطس/آب العام الماضي.

ويسود اعتقاد بين كثير من البيروقراطيين ورجال الأعمال والمواطنين السعوديين العاديين أن فترة من التقشف النسبي باتت تلوح في الأفق مع سعي وزارة المالية إلى فرض المزيد من السيطرة على النفقات.

ويقول الاقتصادي السعودي، فضل البوعينين: "السعودية باتت تركز على كفاءة الإنفاق الذي يستدعي الضبط وتشديد الرقابة المالية".

ويضيف: "إيقاف المناقلات بين بنود الاعتمادات المالية، إن كان واقعاً ربما كان على علاقة بتحقيق الكفاءة من الاعتمادات المالية، حيث تستثمر في المشروع الذي رصدت من أجله، فإن لم تستغل أو كان هناك فائض، فمن الأفضل أن تستثمر لتمويل مشروع يتم اعتماده وفق الحاجة والضرورة".

وكان وزير المالية السعودي، إبراهيم العساف، قد قال الشهر الماضي إن: "المملكة بدأت، أيضاً، في خفض النفقات غير الضرورية مع الاستمرار في التركيز على مشروعات التنمية الأساسية في قطاعات الصحة والتعليم والبنية التحتية لما لها من أهمية للنمو الاقتصادي على المدى الطويل".

ولم يذكر العساف آنذاك تفاصيل خفض الإنفاق على المشروعات غير الضرورية، لكن الأوساط المالية فسرت تصريحاته، أنها إشارة على أن المملكة ستخفض الإنفاق في بعض نواحي ميزانية العام القادم.

وخلال الأيام الماضية انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي وثيقة أرسلتها الوزارة إلى الجهات الحكومية تطالبهم فيها بوقف شراء السيارات والأثاث وإيقاف التعيينات والترقيات على سلالم الوظيفة الحكومية كافة.

وقال رئيس الأبحاث لدى الاستثمار كابيتال، مازن السديري، إن: "تلك التعليمات إجراء روتيني يصدر عن الوزارة في نهاية كل سنة مالية، ويخص الربع الأخير من العام، وذلك قبل إعداد الموازنة الجديدة".

وأطلقت تلك الوثيقة عاصفة من التعليقات والتكهنات على موقع "تويتر" بشأن خفض الإنفاق الحكومي في المستقبل، لكن السديري استبعد أن تكون تلك إشارة على خفض كبير في الإنفاق الحكومي وقال: "الاقتصاد الحكومي يمر بمرحلة تحول ما يثير مخاوف الناس هو إنهم لا يفهمون أن التحول لا يعني أن الوضع الاقتصادي سيصبح أسوأ.. الدولة لن تتوقف عن الإنفاق لمساعدة القطاع الخاص وخلق فرص العمل".

اقرأ أيضاً: السعودية تسحب 70 مليار دولار من استثماراتها الخارجية

ومن المستبعد أن تعاني السعودية من أي أزمة مالية قريباً إذ إن صافي الأصول الأجنبية لدى البنك المركزي، الذي يضطلع بدور صندوق الثروة السيادي في المملكة ويدير استثماراتها من إيرادات النفط في الأسواق الخارجية، لا يزال عند مستوى هائل بلغ 655 مليار دولار في أغسطس/آب وفقاً لأحدث إحصاءات رسمية.

ويعتقد أن إجمالي الإنفاق الحكومي، منذ بداية العام وحتى الآن، تجاوز المستوى القياسي المخصص في ميزانية 2015 عند 860 مليار ريال (229 مليار دولار).

ويرجع ذلك لأسباب من بينها أمر العاهل السعودي، الملك سلمان، بصرف مكافآت سخية لموظفي الدولة والمتقاعدين وتخصيص مبالغ أخرى للإنفاق على الرعاية الاجتماعية عندما تولى الحكم في يناير/كانون الثاني في حزمة تقدر بنحو 25 مليار دولار.

كما أن الحملة العسكرية التي قادتها الرياض ضد الحوثيين في اليمن في مارس/آذار، وشملت ضربات جوية وتدخل بري محدود قد تكلف المملكة بعض المليارات من الدولارات في نهاية العام الجاري حسب تقديرات محللين عسكريين، لكنّ نواحيّ أخرى باتت تظهر تباطؤاً في الإنفاق الحكومي.

وبحسب بيان وزارة المالية، الأسبوع الماضي، أجازت الوزارة عقودَ مشروعات جديدة بقيمة 106.02 مليارات ريال في الأشهر التسعة الأولى من العام بانخفاض 38% عن العام السابق.

وتمثل العقود، التي تجيزها وزارة المالية جزءاً محدوداً من الإنفاق الحكومي إذ يجري تنفيذ عدد من المشروعات الكبرى خارج إطار الميزانية العامة للدولة، لكن هذا التراجع ربما يعكس بداية توجه حذر بين المسؤولين.

وقال مصدران في وزارة المياه والكهرباء إنه: "لم يجر ترسية أي مشروع جديد، خلال الأشهر الأربعة المنصرمة، على الرغم من طرح عدد من المشروعات، في وقت سابق من العام، وقال مصدر إنه: "لم يجر إلغاء أي من تلك المشروعات، مما يشير إلى احتمال المضي قدماً في تنفيذها خلال 2016".

وبحسب ما أفادت به مصادر وكالة "رويترز" على مدى الأشهر القليلة الماضية تم تقليص خطة بناء عدد من ملاعب الكرة بمختلف أنحاء البلاد، وجرى إلغاء عقد بقيمة 201 مليون دولار لشراء قطارات سريعة، كما تباطأت عملية توسعة أحد الحقول النفطية"، وربما يستمر هذا الأمر العام المقبل.

وفي تسعينات القرن الماضي عندما هبطت أسعار النفط إلى نحو 20 دولاراً للبرميل خفضت الحكومة السعودية الإنفاق الإجمالي بنحو 10% خلال بعض السنوات وقد يكون رد فعل مماثل أمراً محتملاً العام المقبل.

وكانت الحكومة السعودية، قالت: "إنها ستسعى لترشيد الإنفاق على الرواتب والمكافآت لموظفي الدولة، والتي تمثل 50% من الموازنة، لكن يعتقد أنها ليس أمامها مجال يذكر لعمل ذلك، لما للأمر من حساسية سياسية، وهو ما يجعل مشروعات البنية التحتية واستثمارات الدولة عرضة بشكل أكبر لخفض الإنفاق".

ويقول الاقتصادي السعودي البارز، عبدالوهاب أبو داهش، إن: "الوضع الاقتصادي للمملكة لا يزال جيداً ومؤشرات النمو، منذ بداية العام، إيجابية ما يجعل الحديث، عن خفض كبير في الإنفاق، أمراً سابقاً لأوانه".

ويضيف: "لكن تلك الخطوات وتأجيل عدد من المشروعات يعطي إشارات على إعادة ترتيب الحكومة لأولويات الإنفاق".

 

اقرأ أيضاً:
السعودية تواصل استثمارات الطاقة رغم تراجع أسعار النفط
ضغوط متوقعة على المدخرات العامة في السعودية