ينذر تراجع الإيرادات الجبائية وارتفاع نفقات الأجور والسلع والخدمات، بالتوجه نحو توسع عجز الموازنة بالمغرب، الذي ستسعى الحكومة إلى محاصرته عبر مشروع قانون مالية تعديلي.
وأفضت جائحة فيروس كورونا إلى تدهور عجز الموازنة بالمغرب، في ظل انخفاض حاد للإيرادات الضريبية، في الوقت الذي ارتفع فيه إجمالي الإنفاق، رغم اللجوء إلى خفضه على الاستثمار العمومي، بحسب بيانات وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، التي كشفت عنها أول من أمس.
ووصل عجز الموازنة عند الأخذ بعين الاعتبار رصيد صندوق مكافحة جائحة كورونا، إلى 2.55 مليار دولار في نهاية مايو/ أيار الماضي، بزيادة بنسبة 31 في المائة، مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي.
وعند عدم احتساب رصيد صندوق مكافحة كورونا، الذي وصلت مخصصاته إلى حوالى 3.2 مليارات دولار منذ انتشار الفيروس، يقفز عجز الموازنة إلى 4.36 مليارات دولار، بارتفاع نسبة 124 في المائة.
وتفسر هذه الوضعية، بحسب وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، بتباطؤ استيفاء الإيرادات الجبائية، في شهري إبريل/ نيسان ومايو/ أيار، إذ وصلت في هذين الشهرين إلى 2.3 مليار دولار، مقابل 3.2 مليارات دولار في هذين الشهرين من العام الماضي.
وسجلت الإيرادات الجمركية انخفاضا بـ470 مليون دولار، وذلك في علاقة بتراجع بـ240 مليون دولار لإيرادات الضريبة على القيمة المضافة عند الاستيراد و200 مليون دولار لإيرادات الرسوم الداخلية عند الاستهلاك، بحسب البيانات الرسمية.
ويعود تراجع مستوى إيرادات الجباية المحصلة إلى تأثير فيروس كورونا، الذي أفضى إلى تراجع النشاط الاقتصادي، وتأجيل استيفاء المستحقات الجبائية، وانخفاض الطلب الداخلي.
غير أنه في الوقت الذي تراجعت فيه الإيرادات، ارتفعت النفقات العادية بنسبة 10 في المائة في الخمسة أشهر الأولى من العام الجاري، أي بنحو مليار دولار، بسبب زيادة نفقات أجور الموظفين بـ540 مليون دولار ونفقات السلع الخدمات 450 مليون دولار.
وفي المقابل، خفضت الحكومة نفقات الاستثمار عبر الموازنة حتى شهر مايو/ أيار الماضي، بنسبة 11 في المائة، أي بنحو 340 مليون دولار، حيث تفسر وزارة الاقتصاد والمالية ذلك، بالقرار الذي اتخذ في بداية الأزمة بتحديد تراخيص الالتزامات في أفق بلورة مشروع قانون المالية التعديلي.
وصدرت هذه البيانات التي تكشف عن توسع العجز الموازني، بينما يستعد المغرب للكشف عن توجهات مشروع قانون المالية التعديلي، خاصة بعدما تجلى، كما يؤكد الخبير في المالية العمومية، محمد بوستى، لـ"العربي الجديد"، أن العجز سيتعدى سقف 3.5 في المائة المتوقع في قانون مالية العام الحالي.
وقد توقع البنك الدولي سابقا أن يصل العجز الموازني إلى 6 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي في العام الحالي، غير أن بوستى يرجح أن يقفز ذلك العجز إلى 7 أو 8 في المائة بالنظر لتأثيرات الأزمة على الإيرادات الجبائية واحتمال ارتفاع الإنفاق العمومي.
ويتصور الخبير في المالية العمومية أن مشروع قانون المالية التعديلي يفترض أن يتبنى تدابير تفضي إلى إعادة إنعاش الأنشطة والشركات التي تعاني من تداعيات الأزمة الصحية، بالموازاة مع بث دينامية جديدة في الاقتصادية في إطار مخطط ثلاثي السنوات.
وينتظر أن يسعى المغرب إلى مواجهة تراجع الإيرادات الجبائية، عبر الاستدانة الداخلية والخارجية، وبالتزامن مع إعادة النظر في بعض الإعفاءات والاستثناءات الجبائية وتشديد المراقبة في مواجهة التهرب والغش الجبائي.
ويرتقب أن تعيد الحكومة عبر مشروع قانون المالية هيكلة الإنفاق العمومي، غير أن خبراء اقتصاد يتصورون أن ذلك لا يفترض أن يدفع إلى نوع من التقشف، على اعتبار أنه يتوجب على الموازنة دعم الطلب الداخلي، خاصة في ظل تراجع إيرادات الأسر والاستثمار في القطاعات التي أبانت جائحة كورونا عن خصاص كبير فيها مثل الصحة والتعليم.
وأحيت الأزمة النقاش حول توجهات سياسة الموازنة بالمغرب، خاصة في ما يتصل بمبرر الامتثال لمسعى حصر عجز الموازنة في حدود 3 في المائة، كما يدعو لذلك صندوق النقد الدولي، إذ طالب خبراء وسياسيون بالتخفف من ذلك الإكراه لفائدة قواعد مرنة، بما يساعد على توجيه الموارد للنفقات الاجتماعية، التي تساهم في دعم النمو ورفاهية السكان.
وامتدت انعكاسات كورونا على معيشة المغاربة التي تأثرت كثيراً بتداعيات الجائحة على مختلف القطاعات الاقتصادية.