مشاكل الاقتصاد الجزائري التي فشل المسؤولون في حلِّها على مدى عقد من زمن تقبع الآن بين يدي الجيش الذي تولَّى مهمة قيادة البلاد بعد تنحِّي عبدالعزيز بوتفليقة عن منصبه، فهل سيتمكَّن هذا الجيش من إيجاد التوليفة المناسبة من الساسة والخبراء لوضع حلول سريعة لمشاكل مزمنة ناتجة عن اختلالات هيكلية واسعة في جلّ القطاعات الاقتصادية للجزائر؟
وفي الوقت الذي يحتاج فيه الاقتصاد الجزائري لمدّة عقدين من الزمن حتى يتعافى من التشوُّهات الهيكلية التي دمَّرت أغلب القطاعات، تتعثَّر الانتخابات الرئاسية النزيهة والتي تعتبر بمثابة طوق النجاة الذي سينتشل هذا الاقتصاد من الحضيض، والسبب يكمن في عدم مصداقية مجموعة الحوار المؤلفة من عدّة شخصيات تستمرّ في بيع الوهم للجزائريين والتظاهر بتنظيم انتخابات تلبِّي نداء الشارع الجزائري.
إصرار الحكومة المستنسخة من النظام السابق على البقاء يجعل حلّ المشاكل الاقتصادية الجمّة والمتراكمة ضرباً من المحال، فما مصير المواطن الجزائري المغلوب على أمره إذا انهار الاقتصاد الجزائري وتعلَّق بحبال الاستدانة من صندوق النقد الدولي الذي يشهد له التاريخ بعدم رحمته؟
يتحلَّى صندوق النقد الدولي بنفس سلوك الحيوان المفترس الذي ينتظر سقوط فريسته، حيث يضع هذا الصندوق تقديرات مسبقة لأهمّ المؤشرات الاقتصادية الكلية لكل البلدان ويربطها بالأوضاع السياسية والتوتُّرات الإقليمية، وعلى هذا المنوال استحضر هذا الصندوق السيناريو الاقتصادي المستقبلي للجزائر الذي لا يبشِّر بالخير، وبالطبع لن يتأخر الصندوق لثانية عن سخائه في منح قروض للجزائر مقابل إحكام قبضته على كل فلس قد يدخل للخزينة العامة.
وهذه نتيجة طبيعية لأيّ بلد غني بالثروات الطبيعية وعرضة للسياسيين الانتهازيين الباحثين عن ملء جيوبهم واكتناز السحت على حساب كل ما هو مملوك للشعب بأكمله.
مهما قدَّمت الحكومة من تبريرات للجوء إلى الاستدانة الخارجية فلن تغطِّي فشلها الذريع الذي أصبح واضحاً للعيان، والخطير في ذلك النوع من الاستدانة هو الضمانات التي ستقدِّمها الحكومة الجزائرية للمؤسسات الدائنة والتي ستكون بمثابة غلّ لا يخلع، إضافة إلى ذلك ستؤدِّي الاستدانة الخارجية إلى إجهاد المؤسسات الوطنية الاستراتيجية، وعلى رأسها البقرة الحلوب "سوناطراك"، نظراً لتقويم القروض الخارجية بالعملات الصعبة كالدولار وبمعدلات فائدة عالية جدّاً وأكبر من معدل فائدة عملية طبع النقود البسيط.
ولا ننسى أيضاً عاملا مهما جداً وهو انخفاض قيمة الدينار الجزائري بسبب الأزمة التي تلوح في الأفق، وهذا ما سيؤدِّي إلى جعل القيمة الحقيقية للدين أكبر بكثير من قيمته الاسمية الأولى.
وإذا استحضرنا السيناريو المتشائم الذي يفيد بتعثُّر المؤسسات الجزائرية الاستراتيجية التي ستُرمى على عاتقها مهمّة سداد تلك القروض، ستصبح عندئذٍ تلك المؤسسات رهينة الشروط التعجيزية للمؤسسات الخارجية المانحة للقروض كصندوق النقد الدولي مثلاً، وبالطبع لن تكون الاستدانة الخارجية للجزائر قائمة على علاقة "رابح - رابح"، بل ستكون "خاسر- رابح"، والخاسر طبعاً في المعادلة هو الجزائر، لأنّ شروط منح القروض لن تكون سهلة.
وتشير آخر الإحصائيات إلى أنّ مستوى العجز في الموازنة بلغ 2000 مليار دينار، أي ما يقارب 16.6 مليار دولار، كما قُدِّر الدين العمومي بـ30 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا العجز كان مُتوقعاً في ظلّ وعود الحكومة الزائفة بوقف عملية طبع النقود ومواصلة الإصلاحات.
وبالطبع ستستمرّ الحكومة القادمة في إغراق الجزائر في عجز خرافي آخر، لاسيَّما في ظلّ تباطؤ النمو الذي يعتبر بمثابة الآلية الوحيدة المُخوَّلة بتخفيض العجز ورفع العمالة والإنتاجية. وعلاوة على كل ذلك هناك مشكل استنزاف آخر قطرات احتياطي النقد الأجنبي الذي سيكفي لمدة تسعة أشهر فقط.
أنانية النخب الحاكمة هي التي أدَّت إلى إهدار عائدات النفط وجفاف احتياطي العملات الصعبة ووصوله إلى ما دون 79.8 مليار دولار سنة 2019 نزولاً من 179 مليار دولار سنة 2015. فبدلاً من استخدام ثروة النفط والغاز لتنويع الاقتصاد وتعزيز الصادرات غير النفطية الجزائرية تمّ نهبها والإسراف في إنفاق الباقي على الدعم الحكومي الذي يفيد الغني أكثر من الفقير. حيث تتعاقب الحكومات على الجزائر ويزداد الوضع الاقتصادي سوءًا أكثر من ذي قبل، وكيف لا والشعب الجزائري يتمّ تنويمه مغناطيسياً بالوعود الكاذبة في كل مرّة.
معضلة القروض الخارجية تلقي بظلالها على المؤسسات الاستراتيجية الجزائرية، ونظراً لغياب الضمير الحي لدى المسؤولين الجزائريين يتمّ الآن دراسة إلغاء قاعدة الاستثمار 51/49، وهذا ما يُعدّ بمثابة تسليم القلب الاقتصادي النابض للجزائر إلى الأجانب، لطالما كان هناك إصرار كبير للمؤسسات الدولية على الجزائر لإلغاء تلك القاعدة التي تُنفِّر المستثمرين الأجانب، ولكن إلغاءها الآن وبهذا الشكل العشوائي وفي هذه الوضعية الصعبة التي تتخبَّط فيها الجزائر يعتبر ببساطة خطوة متهوِّرة وغير مبنية على دراسات جدية.
يقف الاقتصاد الجزائري الآن حرفياً في مفترق طرق لن تجدي معه الحلول الظرفية والمسكنة للآلام، فهو يحتاج إلى إنشاء حكومة جدية مشبعة بالرغبة السياسية لإعداد أرضية ملائمة مؤلفة من نوعية مؤسساتية قوية ومبادئ الحوكمة التي ستقود بدورها إلى تجسيد كل الإصلاحات، سواءً كانت سياسية أو اقتصادية على أرض الواقع.
فترة عقدين من الزمن سمحت لكل الفاسدين بنهب أموال طائلة من الصعب تقديرها بسبب المحاولات البائسة لطمس الشفافية، ولكن الأغلفة المالية التي خُصِّصت للميزانيات واحتياطي النقد الأجنبي وفوهة التمويل غير التقليدي التي فتحت على أشدّها خلال هذه الفترة تنمّ عن حجم الأموال التي تمّ نهبها محلياً، ولم تحرِّك الحكومة ساكناً لاسترجاع تلك الأموال، حتى فضائح نهب المال العام التي دنَّست فترة حكم بوتفليقة تمّ تفجيرها من الخارج خصوصاً من إيطاليا وإسبانيا.
وقد سمح مزيج من الخوف والتواطؤ بإفلات هؤلاء الفاسدين من قبضة العدالة، كما أطلق إرخاء معايير المساءلة سباقاً نحو القاع في الجزائر.
خلاصة القول أنّ الاقتصاد الجزائري يتخبَّط في دوامة لا نهاية لها تشكَّلت بوادرها من جشع الحكام وغياب نظرة مستقبلية وهشاشة الإطار المؤسساتي. فكيف سيستوعب الشعب استحالة انتفاعه من ثروات بلاده وعودة الأموال المنهوبة، ما دام الحكم الرشيد مجرَّد مصطلح على أجندة صناع القرار يتناوب السياسيون الفاسدون على التبجُّح بتنفيذه عند بداية كل حملة انتخابية.
وفقط الحكومة التي ستعمل على تأسيس مبادئ الحكم الرشيد هي التي تبشِّر بتحسُّن الاقتصاد الجزائري وأوضاع المواطنين في المستقبل، وأيّ شيء خلاف ذلك سيكون مجرَّد ذرّ للرماد في أعين من لا يفقهون في خبايا اللعبة السياسية.
إصرار الحكومة المستنسخة من النظام السابق على البقاء يجعل حلّ المشاكل الاقتصادية الجمّة والمتراكمة ضرباً من المحال، فما مصير المواطن الجزائري المغلوب على أمره إذا انهار الاقتصاد الجزائري وتعلَّق بحبال الاستدانة من صندوق النقد الدولي الذي يشهد له التاريخ بعدم رحمته؟
يتحلَّى صندوق النقد الدولي بنفس سلوك الحيوان المفترس الذي ينتظر سقوط فريسته، حيث يضع هذا الصندوق تقديرات مسبقة لأهمّ المؤشرات الاقتصادية الكلية لكل البلدان ويربطها بالأوضاع السياسية والتوتُّرات الإقليمية، وعلى هذا المنوال استحضر هذا الصندوق السيناريو الاقتصادي المستقبلي للجزائر الذي لا يبشِّر بالخير، وبالطبع لن يتأخر الصندوق لثانية عن سخائه في منح قروض للجزائر مقابل إحكام قبضته على كل فلس قد يدخل للخزينة العامة.
وهذه نتيجة طبيعية لأيّ بلد غني بالثروات الطبيعية وعرضة للسياسيين الانتهازيين الباحثين عن ملء جيوبهم واكتناز السحت على حساب كل ما هو مملوك للشعب بأكمله.
مهما قدَّمت الحكومة من تبريرات للجوء إلى الاستدانة الخارجية فلن تغطِّي فشلها الذريع الذي أصبح واضحاً للعيان، والخطير في ذلك النوع من الاستدانة هو الضمانات التي ستقدِّمها الحكومة الجزائرية للمؤسسات الدائنة والتي ستكون بمثابة غلّ لا يخلع، إضافة إلى ذلك ستؤدِّي الاستدانة الخارجية إلى إجهاد المؤسسات الوطنية الاستراتيجية، وعلى رأسها البقرة الحلوب "سوناطراك"، نظراً لتقويم القروض الخارجية بالعملات الصعبة كالدولار وبمعدلات فائدة عالية جدّاً وأكبر من معدل فائدة عملية طبع النقود البسيط.
ولا ننسى أيضاً عاملا مهما جداً وهو انخفاض قيمة الدينار الجزائري بسبب الأزمة التي تلوح في الأفق، وهذا ما سيؤدِّي إلى جعل القيمة الحقيقية للدين أكبر بكثير من قيمته الاسمية الأولى.
وإذا استحضرنا السيناريو المتشائم الذي يفيد بتعثُّر المؤسسات الجزائرية الاستراتيجية التي ستُرمى على عاتقها مهمّة سداد تلك القروض، ستصبح عندئذٍ تلك المؤسسات رهينة الشروط التعجيزية للمؤسسات الخارجية المانحة للقروض كصندوق النقد الدولي مثلاً، وبالطبع لن تكون الاستدانة الخارجية للجزائر قائمة على علاقة "رابح - رابح"، بل ستكون "خاسر- رابح"، والخاسر طبعاً في المعادلة هو الجزائر، لأنّ شروط منح القروض لن تكون سهلة.
وتشير آخر الإحصائيات إلى أنّ مستوى العجز في الموازنة بلغ 2000 مليار دينار، أي ما يقارب 16.6 مليار دولار، كما قُدِّر الدين العمومي بـ30 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا العجز كان مُتوقعاً في ظلّ وعود الحكومة الزائفة بوقف عملية طبع النقود ومواصلة الإصلاحات.
وبالطبع ستستمرّ الحكومة القادمة في إغراق الجزائر في عجز خرافي آخر، لاسيَّما في ظلّ تباطؤ النمو الذي يعتبر بمثابة الآلية الوحيدة المُخوَّلة بتخفيض العجز ورفع العمالة والإنتاجية. وعلاوة على كل ذلك هناك مشكل استنزاف آخر قطرات احتياطي النقد الأجنبي الذي سيكفي لمدة تسعة أشهر فقط.
أنانية النخب الحاكمة هي التي أدَّت إلى إهدار عائدات النفط وجفاف احتياطي العملات الصعبة ووصوله إلى ما دون 79.8 مليار دولار سنة 2019 نزولاً من 179 مليار دولار سنة 2015. فبدلاً من استخدام ثروة النفط والغاز لتنويع الاقتصاد وتعزيز الصادرات غير النفطية الجزائرية تمّ نهبها والإسراف في إنفاق الباقي على الدعم الحكومي الذي يفيد الغني أكثر من الفقير. حيث تتعاقب الحكومات على الجزائر ويزداد الوضع الاقتصادي سوءًا أكثر من ذي قبل، وكيف لا والشعب الجزائري يتمّ تنويمه مغناطيسياً بالوعود الكاذبة في كل مرّة.
معضلة القروض الخارجية تلقي بظلالها على المؤسسات الاستراتيجية الجزائرية، ونظراً لغياب الضمير الحي لدى المسؤولين الجزائريين يتمّ الآن دراسة إلغاء قاعدة الاستثمار 51/49، وهذا ما يُعدّ بمثابة تسليم القلب الاقتصادي النابض للجزائر إلى الأجانب، لطالما كان هناك إصرار كبير للمؤسسات الدولية على الجزائر لإلغاء تلك القاعدة التي تُنفِّر المستثمرين الأجانب، ولكن إلغاءها الآن وبهذا الشكل العشوائي وفي هذه الوضعية الصعبة التي تتخبَّط فيها الجزائر يعتبر ببساطة خطوة متهوِّرة وغير مبنية على دراسات جدية.
يقف الاقتصاد الجزائري الآن حرفياً في مفترق طرق لن تجدي معه الحلول الظرفية والمسكنة للآلام، فهو يحتاج إلى إنشاء حكومة جدية مشبعة بالرغبة السياسية لإعداد أرضية ملائمة مؤلفة من نوعية مؤسساتية قوية ومبادئ الحوكمة التي ستقود بدورها إلى تجسيد كل الإصلاحات، سواءً كانت سياسية أو اقتصادية على أرض الواقع.
فترة عقدين من الزمن سمحت لكل الفاسدين بنهب أموال طائلة من الصعب تقديرها بسبب المحاولات البائسة لطمس الشفافية، ولكن الأغلفة المالية التي خُصِّصت للميزانيات واحتياطي النقد الأجنبي وفوهة التمويل غير التقليدي التي فتحت على أشدّها خلال هذه الفترة تنمّ عن حجم الأموال التي تمّ نهبها محلياً، ولم تحرِّك الحكومة ساكناً لاسترجاع تلك الأموال، حتى فضائح نهب المال العام التي دنَّست فترة حكم بوتفليقة تمّ تفجيرها من الخارج خصوصاً من إيطاليا وإسبانيا.
وقد سمح مزيج من الخوف والتواطؤ بإفلات هؤلاء الفاسدين من قبضة العدالة، كما أطلق إرخاء معايير المساءلة سباقاً نحو القاع في الجزائر.
خلاصة القول أنّ الاقتصاد الجزائري يتخبَّط في دوامة لا نهاية لها تشكَّلت بوادرها من جشع الحكام وغياب نظرة مستقبلية وهشاشة الإطار المؤسساتي. فكيف سيستوعب الشعب استحالة انتفاعه من ثروات بلاده وعودة الأموال المنهوبة، ما دام الحكم الرشيد مجرَّد مصطلح على أجندة صناع القرار يتناوب السياسيون الفاسدون على التبجُّح بتنفيذه عند بداية كل حملة انتخابية.
وفقط الحكومة التي ستعمل على تأسيس مبادئ الحكم الرشيد هي التي تبشِّر بتحسُّن الاقتصاد الجزائري وأوضاع المواطنين في المستقبل، وأيّ شيء خلاف ذلك سيكون مجرَّد ذرّ للرماد في أعين من لا يفقهون في خبايا اللعبة السياسية.