لا يعرف الرئيس الأميركي دونالد ترامب سوى لغة المال والأرقام والأرباح والمصالح الاقتصادية، وهو يجيد قنص الصفقات وحصد مليارات الدولارات كونه سمسار عقارات ورجل أعمال أفلس ثلاث مرات، ورغم ذلك أعاد الحياة لمشروعاته المتعثرة وراكم ثروة تزيد عن 3 مليارات دولار.
ترامب يجيد كذلك استخدام سلاح الرسوم الجمركية في حصد مزيد من المكاسب الاقتصادية والمالية لبلاده، وقد جرب هذا السلاح القوي مع الصين في الحرب التجارية الشرسة التي خاضتها الولايات المتحدة ضدها لمدة تزيد عن العامين.
وبالتالي ليس من المستبعد استخدام ترامب السلاح نفسه مع واردات النفط السعودي لبلاده لتحقيق هدفين: الأول حماية شركات النفط الصخري وشركات الطاقة الأميركية من خطر الإفلاس والانهيار وتسريح العمالة والتوقف عن سداد الديون، وذلك في حال استمرار تهاوي أسعار النفط أو حتى استقرارها عند أقل من 30 دولار للبرميل.
والهدف الثاني هو حصد ترامب مليارات الدولارات للموازنة الأميركية من الرسوم المفروضة على النفط السعودي، وخصوصاً أن السعودية تصدر نفطا للولايات المتحدة يقدر بمليارات الدولارات سنويا، كما تمتلك المملكة مصافي نفطية ضخمة على الأراضي الأميركية.
قبل أيام علق ترامب على أزمة تهاوي أسعار النفط قائلا إن "النفط الأرخص من الماء" يضر بالصناعة، ولذا لا بد من إيجاد حل عاجل يوقف الاضطرابات الحالية في أسواق النفط العالمية الناتجة عن شن السعودية حرباً ضد روسيا عقاباً لها على رفض المشاركة في خطة لخفض الإنتاج 1.6 مليون برميل يوميا ضمن تكتل أوبك+.
والملفت أن التصريح جاء على الرغم من استفادة المستهلك الأميركي من تهاوي أسعار النفط وفقدانها 70% من قيمتها خلال شهر مارس/ آذار الماضي في صورة مشتقات بترولية (بنزين وسولار) رخيص وتضخم أقل.
ولم يقف ترامب عند تلك التصريحات، بل هدد أكثر من مرة خلال الأيام الثلاثة الماضية بفرض رسوم جمركية ضخمة جداً على واردات النفط السعودية في حال لم يتم الاتفاق خلال أيام على إنهاء حرب الأسعار التي تقودها المملكة ضد روسيا، وكانت نتيجتها إغراق الأسواق بالنفط الرخيص وتهاوي الأسعار لأقل من 30 دولارا للبرميل.
وبسبب الضغوط التي مارسها ترامب على السعودية لوقف تلك الحرب المضرة بقطاع النفط الأميركي، دعت الرياض إلى اجتماع لأوبك+، يعقد غدا الخميس، لمناقشة إبرام اتفاق جديد لكبح الإنتاج وإنهاء حرب الأسعار بين المملكة وروسيا.
ومن المقرر أن يبحث الاجتماع خفض الإنتاج النفطي بما يعادل 10 ملايين برميل يومياً، وهو ما ألمح إليه ترامب، على أن تشارك في الخفض السعودية وروسيا والإمارات والكويت بنسب كبيرة، إضافة إلى مساهمة بقية الدول الأعضاء في "أوبك+".
لكن المشكلة هنا تكمن في أمرين: الأول مدى مساهمة الدول النفطية الأخرى في الاتفاق، مثل النرويج وكندا وشركات النفط الأميركية.
فعدم مشاركة هؤلاء في الاتفاق تعني استمرار بعض الدول النفطية في ضخ مزيدا من النفط الخام في الأسواق العالمية، وهو ما يعني استمرار تهاوي الأسعار، وخصوصاً أن الطلب العالمي على النفط متراجع بنسبة 30%، في الوقت الذي لا تزال فيه بعض الدول تواصل إغراق الأسواق بإمدادات لا تجد طلبا.
الأمر الآخر هو أنه حتى لو حدث هذا الانخفاض القياسي في الإنتاج، فإن الأسعار لن تشهد قفزة، كما تأمل السعودية وروسيا وترامب، بسبب استمرار تراجع الطلب العالمي على الخام الأسود بسبب تفشي فيروس كورونا.