تركيا وإيران..تحالف اقتصادي رغم الخلافات

08 اغسطس 2015
الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والإيراني حسن روحاني (الأناضول)
+ الخط -
أثارت صفقة الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الكبرى، شهية المستثمرين الأتراك، خاصة وأن حجم التبادل التجاري بين أنقرة وطهران وصل خلال العام الماضي 2014 إلى نحو 15 مليار دولار، مع توقعات بمضاعفته خلال العام الحالي، فضلاً عن استفادة تركيا من اتجاه أسعار النفط عالمياً لمزيد من الانخفاض مع عودة إيران للسوق النفطية برفع العقوبات عنها.
وبينما يزيد الاتفاق النووي المخاوف السياسية من تمدد نفوذ طهران في المنطقة عبر زيادة الدعم الذي تقدمه للنظام السوري وحلفائه مثل حزب الله اللبناني، إلا أنه وفق خبراء اقتصاد، فإن كلاً من طهران وأنقرة لطالما نجحتا في فصل خلافاتهما السياسية الواضحة في إدارة ملفات المنطقة عن الملف الاقتصادي.

وتحتل إيران المرتبة العاشرة بين الدول، التي تعتبر وجهة للصادرات التركية، ومع الأخذ بعين الاعتبار بأن الدول التي تسبق إيران مثل العراق تعاني من أزمات كبيرة، بدت السوق الإيرانية بديلاً هاماً لرفع قيمة الصادرات.

ومن بين أكثر القطاعات المتحمسة لدخول السوق الإيراني، القطاعان السياحي والتجاري وقطاع الإنشاءات والقطاعات الصناعية وبالذات الصناعات النسيجية والجلدية، والإلكترونية والدوائية، ومستحضرات التجميل، والمواد البلاستيكية، والأثاث، والكيماويات والآلات والحديد والصلب وأيضاً الخدمات اللوجستية والشحن والسكك الحديدية والتصنيع والنقل والمواد الغذائية، والصناعات المعدنية والأدوات المنزلية.


وتتمتع هذه الصناعات بأفضلية في التعرفة الجمركية بعد اتفاقية التجارة التفضيلية بين إيران وتركيا، والتي دخلت حيز التنفيذ هذا العام، بعد مفاوضات استمرت لما يقارب 10 أعوام، وشملت تخفيض التعرفة الجمركية على 125 منتج صناعي تركي، مقابل تخفيض أنقرة للتعرفة الجمركية عن 140 منتج إيراني معظمها منتجات زراعية وغذائية.
 

وعلى المستوى الاستراتيجي، يبدو أن هناك إعادة لفكرة القوة الناعمة في التعامل مع إيران لناحية ربطها بتركيا باعتبارها المننفذ الوحيد لإيران على أوروبا.


ومن المتوقع أن تعمد تركيا إلى العمل على تحويل أراضيها إلى ممر هام لمنتجات الطاقة الإيرانية نحو أوروبا، الأمر الذي سيمنح تركيا تنويعاً إضافياً لمصادر الطاقة الحالية، حيث يأتي الغاز الروسي الآن في المرتبة الأولى ويليه الإيراني ومن ثم العراقي.


ويرى المحللون أن من المتوقع أن تعمل أنقرة على السماح لإيران بتصدير الغاز عبر أنبوب تاناب، الذي يهدف إلى نقل غاز أذربيجان إلى أوروبا عبر تركيا، والجاري العمل به وسينتهي في 2018، وسيربط الغاز الأذربيجاني بأوروبا عبر جورجيا والأراضي التركية إلى اليونان، مما سيجعل الاستقرار في تركيا أمراً استراتيجيا حيوياً بالنسبة لإيران على المدى البعيد، ما سيدفع إيران إلى مراعاة المصالح التركية في الشرق الأوسط قبل اتخاذ أي خطوة.


ولا تقتصر الفرص التركية على صعيد قطاع الطاقة، وإنما تنظر تركيا بأهمية إلى إعادة إحياء المناطق الحدودية الشرقية، وكذلك إلى مشروعات الإنشاءات والمقاولات والتجارة المتوقع انتعاشها في إيران برفع العقوبات عنها بمقتضى الاتفاق النووي، فضلاً عن السياحة التركية.

اقرأ أيضا: خلافات طهران وأنقرة أكبر من الغاز

ومن المنتظر أن يزور طهران، في بداية سبتمبر/أيلول المقبل، وفد ممثل لجمعية العلامات التجارية المتحدة "بي إم دي"، وهي منظمة تضم العديد من علامات التجزئة التجارية التركية المشهورة، حيث تخطط ما يقارب 20 ماركة تجارية تركية مشهورة لفتح أكثر من 500 فرع لها في إيران خلال السنوات الثلاث القادمة، وذلك بينما سيزور وفد من قطاع المعادن والأجهزة المنزلية طهران في الفترة بين 11 و15 من نفس الشهر لإجراء محادثات وتوقيع عقود.

ورغم التفاؤل الذي يعم معظم القطاعات الصناعية التركية، لكن يبقى المقاولون وقطاع الإنشاءات الأكثر قلقاً، وبالذات من منافسة الشركات الغربية، وخاصة عمالقة البناء من ألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة، وأيضاً الشركات الصينية والكورية الجنوبية، التي تبدو بدورها متأهبة للاستحواذ على حصة كبيرة في السوق الإيرانية، الأمر الذي يؤكده رحمي جحاجي رئيس جمعية رجال الأعمال الشباب.


وقال جحاجي لـ "العربي الجديد"، إن الأمر لا يقتصر على المنافسة في مجال المقاولات، وإنما ستستفيد الشركات الإيرانية العاملة في مجال مواد البناء من ميزة الحصول على طاقة رخيصة وبالذات منتجي الإسمنت والرخام.

كما تأمل أنقرة أن يؤدي رفع العقوبات عن إيران إلى إعادة إحياء المناطق الحدودية الشرقية، ذات الغالبية الكردية اقتصادياً، مما سيساهم في جهود إيجاد حل للقضية الكردية في البلاد، ورفع مستوى المعيشة وبالتالي تقليص قدرات حزب العمال الكردستاني على توجيه ضربات وإثارة فوضى، لأن ذلك قد يفقده شعبيته بتأثير تلك التصرفات على الحياة الاقتصادية للسكان.

ولم تغب السياحة عن أنظار المستثمرين وصانع القرار الاقتصادي التركي. وبحسب باراشان أولوسوي، رئيس اتحاد وكالات السفر التركية، فإنه من المتوقع أن يرتفع تعداد السياح الإيرانيين القادمين إلى تركيا خلال العام القادم من مليون إلى مليوني شخص.

وشهدت تركيا خلال عطلة عيد الفطر ازدهاراً كبيراً في عدد السياح الإيرانين القادمين إليها. وتدفق الإيرانيون إلى مدينة "وان" شرق البلاد القريبة من الحدود الإيرانية، حتى أن المحال التي كانت مغلقة بسبب عطلة عيد الفطر عادت وفتحت أبوابها.

وتراهن تركيا على السياحة الإيرانية، لاسيما في الوقت الذي يعاني فيه القطاع السياحي من صعوبات عديدة تمثلت بانخفاض عدد السياح الروس القادمين بعد العقوبات الاقتصادية، التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على موسكو، بسبب الأزمة الأوكرانية، فضلاً عن انخفاض عدد السياح الألمان والبريطانيين، بعد التحذيرات باتخاذ الحيطة والحذر أثناء السفر إلى تركيا.

اقرأ أيضا: الغرب ..اقتصاده وشركاته أكبر مستفيد من الاتفاق النووي
المساهمون