رجال الأعمال يضغطون على الحكومة التونسية لتخفيف ضرائب الشركات

24 أكتوبر 2017
مخاوف من ارتفاع الأسعار حال تطبيق الضرائب الجديدة(فرانس برس)
+ الخط -
تسعى المنظمات الممثّلة لرجال الأعمال في تونس إلى استعمال جميع ما تمتلكه من أسلحة الضغط من أجل تخفيف الأعباء الجبائية على المؤسسات والمهن التي تضمنها مشروع قانون المالية للعام القادم (الموازنة).

ووجه اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية انتقادات حادة للحكومة بسبب اعتزامها فرض ضرائب جديدة على المؤسسات ملوحة بالانسحاب من وثيقة قرطاج الداعمة لحكومة يوسف الشاهد.

واتهمت رئيسة منظمة الأعراف (تجمع رجال الأعمال) وداد بوشماوي، الحكومة باتخاذ إجراءات قاسية في موازنة 2018، مطالبة بإعفاءات ضريبية لمدة 3 سنوات للمصدرين وتسهيلات للشركات، واعتبرت أن زيادة الأعباء الضريبية على المؤسسات الاقتصادية يفاقم حجم الاقتصاد غير الرسمي في تونس.

وفي تصريح لـ "العربي الجديد" قالت وداد بوشماوي، إن توقيع منظمتها على اتفاق قرطاج الداعم لحكومة الوحدة الوطنية كان على قاعدة برنامج وتوجهات تتعلق بإصلاح اقتصادي شامل للمؤسسات الحكومية والصناديق الاجتماعية ومقاومة التهريب غير أن الجزء الأكبر والأهم من هذه الإصلاحات لم يتحقق حتى الآن، وفق تأكيدها.

وأشارت رئيسة اتحاد الصناعة والتجارة أن الاتحاد قدم للحكومة منذ 3 أشهر مقترحاته وتوصياته بشأن مشروع الموازنة الجديدة حتى يتسنى للحكومة دراستها وأخذها بعين الاعتبار، موضحة أن المنظمة شريك رئيسي في وثيقة قرطاج التي التزمت بها كل الأطراف الموقعة غير أن هذه المقترحات لم تجد أي صدى لدى الحكومة وتم تجاهلها بالكامل.

وأضافت بوشماوي أن اتحاد رجال الأعمال لا يريد أن يكون شريكاً في وثيقة الإصلاح الاقتصادي، مشددة على أن الإصلاح يجب أن يكون من منطلق تشاركي تؤخذ فيه آراء مختلف الأطراف بعين الاعتبار. وأشارت إلى أن أغلب الإصلاحات التي وعدت بها الحكومة لم تتحقق حتى الآن.

وتابعت بوشماوي: "لا يمكن الحديث عن أي نهضة اقتصادية في غياب رؤية للإنقاذ الاقتصادي ومناخ استثمار يكفل للمؤسسة مقومات النجاح وخوض غمار التصدير".

ويعتبر رجال الأعمال أن الإجراءات الجديدة التي تنوي الحكومة تطبيقها لن تمكن من تعبئة موارد جديدة بل ستدفع المؤسسات نحو البحث عن وسائل للتهرب من الضرائب أو اللجوء إلى العمل في السوق السوداء وهو ما قد يفاقم خسائر الدولة في كل الحالات.

وفي عام 2017 قبل اتحاد الصناعات والتجارة بفرض مساهمة ضريبية ظرفية في حدود 35% لسنة واحدة من أجل مساعدة الدولة على تخطي الصعوبات الاقتصادية.

في المقابل قال مصدر مسؤول بوزارة المالية لـ "العربي الجديد" إن استحداث رسوم جديدة ترمي إلى المحافظة على توازن ميزانية الدولة والتحكم في العجز في المستويات المستهدفة، مشيراً إلى محاصرة نسب عجز الموازنة يتطلب تحسين الموارد الذاتية للخزينة.

أكد ذات المصدر أن الإصلاح الضريبي يتطلب إعادة النظر في النظام التقديري المعتمد حالياً لفائدة المهن الحرة، موضحاً أن العدالة الجبائية تتطلب المساواة بين دافعي الضرائب أفراداً كانوا أو شركات، حسب قوله.

وحول موقف منظمة الأعمال من مشروع القانون وتلويحها بالانسحاب من وثيقة قرطاج، قال المسؤول بوزارة المالية، إنه لا يمكن النظر فقط لنصف الكأس الفارغة، مشدداً على أن القانون مكن المستثمرين من حوافز عديدة لخلق مشاريع في المحافظات الداخلية. وتابع إن تحسين مناخ الاستثمار والبنية التحتية يتطلب موارد لا يمكن تحصيلها إلا عبر الجباية.

وحسب وثيقة مشروع القانون المودعة في البرلمان سيتم خلال السنة القادمة زيادة بنقطة في نسب الأداء على القيمة المضافة (من 6 إلى 7% ومن 12 إلى 13% ومن 18 إلى 19%) مما سيمكن الدولة من موارد إضافية بـ 313 مليون دينار (130.4 مليون دولار).

كما يقترح المشروع زيادة نسب الرسوم على الاستهلاك الموظفة على بعض المنتجات على غرار السيارات السياحية واليخوت وبعض المشروبات الكحولية والرخام مع إخضاع بعض المنتجات مثل العطورات ومواد التجميل وبعض المنتجات الأخرى لرسوم جديدة بما يمكن من تعبئة 220 مليون دينار، أي في حدود 91.6 مليون دولار.

كما ستتمكن الحكومة من تحصيل مبالغ من روافد أخرى تقدّر بنحو 35 مليون دينار (14.5 مليون دولار).

ويرى عضو منظمة رجال الأعمال، خليل الغرياني، أن الإجراءات التي وردت في مشروع قانون المالية يغلب عليها الجانب التقني الذي يراعي هدفاً واحداً وهو التعبئة المباشرة للموارد، مشيراً إلى أن النشاط الاقتصادي يرتكز أساساً على الاستدامة وتوفير المناخات لتقوية المؤسسات وتحسين تنافسيتها.

وأضاف الغرياني في حديثه لـ "العربي الجديد" أن الأخطاء التي نبهت إليها منظمته تتكرر مع كل مشروع مالية جديد في ظل حكومة تستنسخ الأخطاء ولا تبحث عن الحلول الجذرية لحل أزمتها.

وشدد عضو اتحاد الصناعة والتجارة أن رجال الأعمال برهنوا في مناسبات عديدة على استعدادهم لتقاسم الأعباء بين كل الأطراف غير أن المصلحة الوطنية تفرض عليهم الحفاظ على ديمومة مؤسساتهم ومن ورائها أكثر من مليون ونصف مليون موطن شغل في القطاع الخاص بحسب تأكيده.

ويقترح مشروع قانون المالية لسنة 2018 رفع نسبة الخصم على الأرباح الموزعة بالنسبة للشركات، إلى جانب الزيادة في نسب التأمين على أخطار الملاحة الجوية والبحرية بنقطتين من 10 إلى 12%.

وينتقد الخبير المالي مراد الحطاب تضارب الأهداف الحكومية في غياب برنامج اقتصادي واضح، لافتاً إلى أن الأخيرة تسعى من جانب إلى خلق أسواق جديدة واستحداث خطوط جوية وبحرية لدعم التصدير وترفع في رسوم التأمين على التصدير من جانب آخر فضلاً عن الزيادة في الأداء على الموارد والقيمة المضافة.

وقال الحطاب في حديث لـ "العربي الجديد" إن كل أسعار المواد الأولية ستتحرك في اتجاه الارتفاع على وقع الزيادة المرتقبة في الأداء وهو ما من شأنه أن يحد من تنافسية المؤسسات وقدرتها على دخول أسواق جديدة، لافتاً إلى أن الجانب التحفيزي للمؤسسات غائب في قانون المالية للعام القادم.

وتتوقع الحكومة بفعل هذه الإجراءات تحصيل عائدات ضريبية إجمالية بنحو 1.35 مليار دينار (562.5 مليون دولار) للمساهمة في تمويل الموازنة.

وتقدر موازنة العام المقبل، وفق مشروع قانونها، بنحو 35.85 مليار دينار (15 مليار دولار)، بزيادة تناهز 4.3% مقارنة بموازنة العام الجاري المقدرة بـ 32.32 مليار دينار (13.4 مليار دولار).

وتظهر البيانات، أن الحكومة تطمح إلى التحكم في عجز ميزانية الدولة في حدود 4.9% من 6% المتوقعة في 2017، وذلك من خلال جملة من الإصلاحات التي تشمل الضرائب والوظيفة العمومية والصناديق الاجتماعية.

ويعتبر المهتمون بالشأن الاقتصادي، أن تلويح اتحاد الصناعة والتجارة بالانسحاب من وثيقة قرطاج يهدّد الائتلاف الحكومي وسيؤدي إلى خسارة الحكومة لأحد أهم داعميها متوقعين ارتفاع الضغط في اتجاه مراجعة العديد من فصول القانون أثناء مناقشته في البرلمان.

ومنذ الكشف عن مشروع قانون المالية في تونس ثار جدل واسع لدى عموم المواطنين الذين يحكمهم هاجس الخوف من موجة غلاء غير مسبوقة مع بداية العام الجديد بفعل انعكاس الزيادات المرتقبة في الأداء.

كما يعرب التونسيون عن رفضهم المساس بمرتباتهم أو خفضها تحت عنوان المساهمة الاجتماعية العامة التي أقرتها الحكومة بنسبة 1% لتمويل الصناديق الاجتماعية، معتبرين أن تحميلهم أعباء ضريبية جديدة سيفاقم معاناتهم المعيشية في ظل تراجع للقدرة الشرائية فاق 40% ما قد يدفع بطبقات جديدة نحو خانة الفقر.

وتقدر نفقات الدعم ضمن مشروع موازنة العام المقبل بنحو 3.52 مليارات دينار (1.46 مليار دولار)، مقابل 3.5 مليارات دينار (1.45 مليار دولار) في 2017، وتتوزع نفقات الدعم، ما بين دعم المواد الأساسية والمحروقات والنقل.
المساهمون